هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تساءلت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها عن معنى خسارة حزب العدالة والتنمية في المغرب البرلمان، في نكسة موجعة في واحدة من البلدان التي ظل فيها الإسلاميون بالسلطة منذ الربيع العربي.
وفي التقرير الذي أعدته عايدة علامي ونيكولاس كيسي، قالا إنه رغم الاستطلاعات التي أظهرت أن نصف المغاربة لم يدلوا بأصواتهم فإن خسائر الإسلاميين كانت واسعة بدرجة تفقدهم السيطرة على البرلمان.
وكان الفائز في الانتخابات هو حزب التجمع الوطني وحزب الاستقلال وكلاهما مرتبط بالقصر.
وقالت الصحيفة إن تغيير الحرس لن يؤدي بالضرورة إلى تغير في البلد حيث يتحكم القصر بالقرارات الأساسية. ورغم أن المغرب هو ملكية دستورية إلا أن البرلمان لا سلطة لديه لكي يتجاوز الملك، حسبما تقول سلوى زرهوني، أستاذة العلوم السياسية بالرباط.
وقالت زرهوني: "سيواصل القصر السيطرة على الأحزاب السياسية وإضعاف سلطة الحكومة والبرلمان ويضع نفسه كقوة سياسية وحيدة وفعالة" في البلاد. لكن نتائج الإنتخابات تعطي إشارة واحدة: وهي تقلص المساحة المتوفرة للإسلاميين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبعد ثورات الربيع العربي عام 2011 سمح لعدد من الأحزاب الإسلامية المشاركة في الانتخابات، ولأول مرة في بعض الحالات. وفازوا في انتخابات في بعض البلدان وسيطروا على السلطة في بعضها الآخر، بما في ذلك المغرب الذي أدخل فيه الملك محمد السادس إصلاحات عبدت الطريق أمام حزب العدالة والتنمية للمشاركة في ائتلاف حكومي.
اقرأ أيضا: سقوط مدوّ لـ"العدالة والتنمية" في انتخابات المغرب (نتائج)
لكن التيار تحول وبشكل تدريجي ضد الإسلاميين. ففي عام 2013 أطاح الجيش بالرئيس محمد مرسي، من حركة الإخوان المسلمين ما فتح الطريق لعودة الديكتاتورية. وفي هذا العام قام الرئيس قيس سعيد بتعليق البرلمان الذي كان يسيطر عليه حزب إسلامي معتدل، في ما وصفه كثيرون بأنه انقلاب.
وفي المغرب لم يحقق المعتدلون الإسلاميون الكثير من وعودهم الانتخابية حيث تحكمت أحزاب أخرى بمناصب مهمة مثل الخارجية والصناعة. وعندما قرر الملك تطبيع العلاقات مع إسرائيل العام الماضي، لم يكن لدى الإسلاميين السلطة أو القوة لوقف التحرك الذي عارضوه بمرارة.
ويرى فيش ساكثيفل الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه بجامعة ييل: "كان لدى الكثير من المغاربة وبين المتعلمين شك، ورأوا أن الإسلاميين لا قوة حقيقية بأيديهم".
ومع انتشار وباء كوفيد-19 نظر إلى الملك على أنه المحرك الرئيسي في برامج المساعدات. وتقول زرهوني "معظم القرارات المتعلقة بتخفيف الآثار الاجتماعية والاقتصادية مرتبطة بالسلطة المركزية، الملك".
وفي نفس الوقت: "برزت الأحزاب السياسية والبرلمان بصورة العاجزة التي تنتظر توجيهات من الملك". وكانت مظاهر عدم الثقة واضحة في الماضي من خلال نسب المشاركين في الانتخابات، بما في ذلك الجولات الانتخابية الثلاث والتي لم تزد نسبة المشاركة فيها على الـ42%.
وفي الجولة الأخيرة التي منعت فيها التجمعات الانتخابية بسبب فيروس كورونا، فقد لجأت معظم الأحزاب إلى منصات التواصل الاجتماعي. وفي آذار/ مارس أقرت الحكومة المغربية قانون انتخابات معدل، يجعل من الصعوبة بمكان على أي حزب السيطرة على البرلمان من خلال عدد المقاعد. ويجب على الحزب الفائز تشكيل ائتلاف حكومي مع عدة أحزاب أخرى يختلف معها في الأيديولوجيا والأجندة. وهذا يعني سحب السلطة من الأحزاب وإضعاف قدرتها على الحكم، في وقت تقوى فيه سلطات الملك، وهو ما دفع عددا من المغاربة إلى عدم المشاركة في انتخابات يوم الأربعاء.
اقرأ أيضا: بنكيران "متألم" من خسارة حزبه ويدعو العثماني للاستقالة
وقال أمين زاري (51 عاما) الذي يعمل في قطاع السياحة بالدار البيضاء ولم يدل بصوته: "المساحة المتوفرة للمواطنين للتعبير عن مظالمهم تقلصت بحيث أصبحت الطريقة الوحيدة للتعبير بدون تداعيات هي عدم التصويت".
وفي شوارع المغرب أشار الكثيرون إلى أن الانتخابات في الماضي لم تغير إلا القليل. فحالات الاحتجاج عبر حرق النفس لا تزال تثير اهتمام الأخبار. وأحداث كهذه كانت محفزا للربيع العربي عندما قام بائع فواكه في تونس بحرق نفسه احتجاجا على معاملة الشرطة. ولا تزال حالات الضرب على يد الشرطة حاضرة.
وفي عام 2017 واجهت الشرطة حركة احتجاج بالقمع واستهدف الصحفيون الذي عبروا عن نقد للاضطهاد. وقالت سيدة أعمال في الرباط إنها شعرت وهي تدلي بصوتها بضيق وكأن الأمور تحدث مرة أخرى، قائلة: "أعرف هذا الشعور جيدا، وخلال السنوات الخمس الماضية سمحوا لنا بفرصة البحث عن قوة الاعتقاد بها قبل أن نتلقى الصفعة". وأضافت: "أريد التوقف عن التفكير بشأن مغادرة المغرب من أجل منح ابنتي الحلم الذي تريده".
والتحديات كانت واضحة يوم السبت عندما اجتمع أعضاء في فيدرالية اليسار الديمقراطي الموحد في مكتب بالرباط، رغم القيود المفروضة على الحملات الانتخابية بسبب الوباء.
ففي مكتب صغير اجتمع تحالف من الأحزاب المختلفة من أجل تقوية حظوظهم في الانتخابات. وقال نضال عكاشة (27 عاما) مدير الحملة: "نريد أن نخبر المغاربة بأن التغيير ممكن". لكن الفريق الذي ذهب للأحياء على الدراجات الهوائية لإيصال الرسالة لم يجد من يستمع إليه، فلم يكن الكثيرون في بيوتهم، وهناك من عزم أمره بعدم المشاركة. ولم يستمع للمتطوعين إلا عدد قليل ولم يكن واضحا ما إن كانوا سيصوتون أم لا.
وقالت ليلى إدريس (59 عاما) المتخصصة في العلاج الطبيعي والسياسية في حزب الاستقلال، إن على المغاربة ألا يتخلوا عن المشاركة في التصويت لو كانوا يشعرون بالإحباط من الركود السياسي. و"لم تنفذ الكثير من الوعود، وبخاصة في السنوات الثماني الماضية" و"أقول للشباب إن لم تصوتوا فإنهم سيسمحون للأشخاص غير القادرين وأصحاب النوايا السيئة باتخاذ القرارات عنكم وإن عليكم تولي مسؤولية مستقبلكم".