هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم تعرف الخلافات بين الجزائر والمغرب، منذ أكثر من عشرين سنة، هذه المستوى من التوتر، لدرجة إعلان الجزائر أنها ستراجع علاقتها مع جارتها الغربية.
وجاء إعلان الجزائر هذا القرار في اجتماع المجلس الأعلى للأمن، الذي يرأسه رئيس الدولة والوزير الأول ورئيس أركان الجيش وأهم قيادات الأجهزة الأمنية ووزراء الحقائب السيادية.
وتتهم الرئاسة الجزائرية المغرب بتقديم الدعم والمساعدة لحركة الماك الانفصالية في منطقة القبائل، وهي التي تصنفها السلطات الجزائرية على أنها حركة إرهابية.
وتقول السلطات الجزائرية إن حركتي "الماك" و"رشاد" تقفان وراء إشعال الحرائق في منطقة القبائل، كما تتهم حركة الماك تحديدا بارتكاب جريمة قتل وحرق الشاب جمال بن إسماعيل.
وتقرّر إثر ذلك تكثيف الجهود الأمنية من أجل إلقاء القبض على باقي المتورطين في الجريمتين، وكل المنتمين للحركتين الموصوفتين بالإرهابيتين، اللتين تهددان الأمن العام والوحدة الوطنية، إلى غاية استئصالهما جذريا، وفق عبارات السلطة الجزائرية.
وركّز بيان المجلس الأعلى للأمن الجزائري على حركة "الماك" التي "تتلقّى الدعم والمساعدة من أطراف أجنبية، خاصة المغرب والكيان الصهيوني، حيث تطلبت الأفعال العدائية المتكررة من طرف المغرب ضدّ الجزائر إعادة النظر في العلاقات بين البلدين، وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية".
تراكمات
ولم يكن هذا التصعيد في العلاقات وليد موجة الحرائق الأخيرة التي عرفتها الجزائر، فقد سبقته جملة من الأحداث أوصلته إلى ذروة ما يعيشه البلدان اليوم من توتر.
وسبق ذلك فضيحة بيغاسوس العالمية، حيث كانت الجزائر أكبر مستهدف من هذا البرنامج، وفق ما كشفه التحقيق الدولي في هذا الشأن، إذ من بين 50 ألف شخص تعرضوا للتجسس، يوجد 6 آلاف جزائري، بينهم شخصيات سياسية وعسكرية وصحفيون ورجال أعمال.
وبحسب ما ذكرته جريدة لوموند الفرنسية التي كانت أحد أطراف هذا التحقيق، فإن الجزائر كانت مُراقبة عن كثب من قبل السلطات المغربية التي اقتنت برنامج التجسس الإسرائيلي.
وقبل ذلك، لم تغفر الجزائر للمغرب إقدام سفيرها بالأمم المتحدة على طرح مذكرة أمام دول عدم الانحياز، تطالب بالاعتراف بحق ما سمته "الشعب القبائلي" في تقرير مصيره، وهي خطوة رسمية من جانب المغرب في مساندة الانفصاليين بمنطقة القبائل، طلبت السلطات الجزائرية توضيحات رسمية حول ذلك، لكن الجانب المغربي اكتفى بالصمت.
كما استقبلت في الجزائر خطوة المغرب باستضافته وزير الخارجية الإسرائيلي، والسماح له بإطلاق تصريحات عدائية ضد الجزائر، باستهجان شديد وقلق حول ما يتم تحضيره في الخفاء.
ورمت كل هذه الأحداث بثقلها على علاقات تعاني في الأصل من توتر مزمن، إذ ليس خافيا أن التواصل البري بين البلدين مقطوع منذ سنة 1994، كما أن التبادلات التجارية وغيرها بين أكبر بلدين في منطقة المغرب العربي تبقى هامشية جدا.
دوافع التصعيد
وحول دوافع الخطوة الجزائرية، يقول رابح لونيسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران، إن الجزائر اكتشفت أنها محل هجمات غير مباشرة من المغرب، خاصة منذ تحالف هذه الأخيرة مع الكيان الصهيوني، وقد أظهرت التحقيقات الأخيرة، حسبه، أن لها يدا في الحرائق الأخيرة، وأنها تدعم فعلا حركتي الماك ورشاد وترعاهما.
وأضاف لونيسي في تصريح لـ"عربي21"، أنه بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك حرب مخدرات ضد الجزائر، كما أن المغرب، حسبه، لها يد كبيرة في حرب إلكترونية ضد الجزائر بتحريض الجزائريين بعضهم ضد بعض منذ سنوات، مشيرا إلى أن الحروب الإلكترونية أشد الحروب؛ لأنها تفجر المجتمعات من الداخل، وتدخلها في حروب أهلية دون أن يخسر العدو جنديا واحدا.
ورغم أن النخبة السياسية في الجزائر لم تكن تولي اهتماما كبيرا لموضوع الماك، إلا أن دخول الجانب المغربي على الخط، حوّل هذه القضية إلى مركز اهتمام؛ خشية أن يتم استغلالها دوليا في ضرب وحدة الجزائر.
وقال نور الدين بوكروح، وهو من أبرز معارضي السلطة الحالية في الجزائر، عبر كتاباته، مخاطبا فرحات مهني زعيم حركة الماك، إن هاتين الدولتين (المغرب وإسرائيل)، لا تؤمنان بأدنى فرصة لنجاح مشروعك، لكنهما تستخدمانك لابتزاز الدبلوماسية الجزائرية التي هي، للأسف، دبلوماسية الشعارات الرنانة و" المبادئ " والقضايا "المقدسة"، بينما للمغرب وإسرائيل دبلوماسية الواقعية والمصالح والمكاسب".
وأضاف بوكروح المقيم حاليا بلبنان، في رسالته إلى فرحات مهني، أن المغرب وإسرائيل منذ إنشاء "الماك" قبل عشرين عامًا، هما الدولتان الوحيدتان اللّتان تهتمان بكم من أجل مصلحتهما فقط وليس مصلحة منطقة القبائل المستقلة المستقبلية التي يعرف كلاهما أنها لن ترى النور أبدًا.
كيف ستتصرف الجزائر؟
وتدور تكهنات كثيرة حاليا حول ما تنوي الجزائر فعله، بين من يعتقد أن ثمة اتجاها لقطع كامل للعلاقات بين البلدين على المستوى الدبلوماسي، ومن يرى أن المسألة قد تقتصر فقط على قطع التواصل الجوي، ما يعني غلقا كامل للحدود بين البلدين.
ويعتقد رابح لونيسي أن الرد الجزائري سيكون من نفس جنس التحركات المغربية، بمعنى أن الجزائر قد تشن حربا دبلوماسية في المحافل الدولية على المغرب، وهو ما بدأه وزير الخارجية رمطان لعمامرة من خلال تحركاته في الاتحاد الأفريقي.
من جانبها، تفسر أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامع الجزائر، لويزة آيت حمادوش، وضع العلاقات بين الجزائر والمغرب، بالقول إن كلا الطرفين اختار التصعيد.
وتعتقد آيت حمادوش في تصريحها لـ"عربي21"، أن لا أحد من البلدين يريد الوصول إلى المواجهة العسكرية، لكن كليهما يعتقد أنه يستطيع إجبار الآخر على التراجع و القيام بتنازلات، وكلاهما يعتقد أنه يمتلك من تحالفاته الخارجية ما يسمح له الوصول إلى هذا الهدف.
وذكرت آيت حمادوش أن استراتيجية التصعيد معروفة في إدارة النزاعات، وهي تطبق بصفة عقلانية عندما يعتقد أطراف النزاع أنهم يملكون وسائل فرض إرادتهم على الآخر قبل الوصول إلى الحرب.
لكن المشكل في هذه الاستراتيجية، وفق أستاذة العلوم السياسية، هو أن التصعيد إستراتيجية خطيرة إذا كانت مدعمة بقوة من طرف جبهة داخلية مساندة، لكن في حالتي الجزائر والمغرب، تبدو الجبهة الداخلية غير مدعمة لهذه الاستراتيجية.
اتهامات مغربية للجزائر
ومقابل الاتهامات الجزائرية للمغرب، تقول الرباط إن جارتها الشرقية متورطة في محاولة زعزعة "الوحدة الترابية" للمملكة، في إشارة إلى ملف الصحراء.
كما تتهم أوساط مغربية الحكومة الجزائرية بمحاولة تصدير أزمتها الداخلية الخارج، في إشارة إلى الحراك الشعبي وردود الفعل الغاضبة على الفشل أمام موجة الحرائق وأزمة كورونا.
واعتبر الأكاديمي المغربي، محسن بطشي، أن الخطاب الأخير لعاهل البلاد، محمد السادس؛ "يوضح للشعب الجزائري أن الدولة المغربية لا تكن أي عداء للجزائر، ويفند كل الأطاريح التي يروجها النظام العسكري الحاكم".
واستدرك بطشي بالقول إن "النظام الجزائري يسعى من خلال الاتهامات الوهمية التي يوجهها إلى المغرب للهرب إلى الأمام، وتصريف أزمته الداخلية، بعدما أكد الحراك الذي شهده الشارع الجزائري أن النظام الحاكم غير مرغوب فيه"، وفق تصريحاته لموقع "هسبرس" المغربي.
وتابع قائلا: "ما يخاف منه النظام الجزائري هو أن تنكشف حقيقته، ومن ثم تصبح الجبهة الداخلية معارضة لما يقوم به تجاه المغرب الذي آزر الشعب الجزائري في مقاومته للاستعمار، ومد إليه يد المساعدة خلال الحرائق الأخيرة".
واعتبر بطشي أن سبب رفض النظام العسكري الحاكم في الجزائر للمساعدة التي عرضها المغرب لإطفاء الحرائق التي أودت بحياة عشرات الجزائريين، هو الخوف من رد فعل الشعب؛ "الذي سيتساءل كيف للمغرب أن يتوفر على طائرات ذات فعالية قوية في إطفاء الحرائق، بينما نحن لا نتوفر عليها، في الوقت الذي يبدد النظام الأموال الطائلة في شراء الأسلحة".