قضايا وآراء

وانتصر "الشبشب" على الدبابة!!

أميرة أبو الفتوح
1300x600
1300x600
مما لا شك فيه أن الانتصارات المتوالية لحركة طالبان وسقوط المدن واحدة تلو الأخرى، والتي توجتها أخيراً بدخول العاصمة كابول دون إراقة دماء، قد أذهل العالم كله وجعله في حيرة من أمر هذه الحركة التي كان البعض يتخذونها سخريا وينعتون مقاتليها بالتخلف والرجعية وأنهم لا يزالون يعيشون في العصر الحجري في الجبال ويلبسون الجلاليب الممزقة والشباشب. وها هم أصحاب الشباشب والجلاليب ينتصرون على أصحاب الكوتشيهات والجينز!

استطاع المقاتلون الأفغان أن ينتصروا على أقوى دولة في العالم بعد حرب دامت عشرين عاماً، وهي أطول حرب خاضتها أمريكا في تاريخها، وأكثرها تكلفة. فقد كلفت الحرب الخزانة الأمريكية أكثر من تريليونين ونصف التريليون دولار، وأدت إلى مقتل ما يقرب من أربعة آلاف من أفراد القوات الأمريكية، وما لا يقل عن مئة ألف مدني أفغاني، حسب تقديرات بعض وكالات الأنباء، ولم تجن منها الولايات المتحدة غير الهزيمة والعار، وإن كانت تحاول أن تغطي على هزيمتها وتضلل مواطينها بالادعاء بأنها حققت الأهداف التي حددتها في أفغانستان، كما جاء على لسان وزير خارجيتها "أنتوني بلينكن".

وهنا لنا أن نتساءل عن تلك الأهداف التي حققتها أمريكا من جراء تلك الحرب.. ألم يكن هدفها المعلن منذ بداية غزوها لأفغانستان، الإطاحة بسلطة طالبان التي رفضت تسليم زعيم القاعدة "أسامة بن لادن"، تلك الذريعة التي غزت بها أفغانستان؟! ألم تعمل على مدار عشرين عاما من احتلالها على تأسيس نظام سياسي موال لها في كابول، وها هو ذلك النظام العميل يسقط وينهار في بضع أيام ويفر رئيسه خارج البلاد، بعد أن سلم السلطة لقادة الحركة معلنا انتصار طالبان، التي دخلت قصره ووضعت علم الحركة؟!

ألم يقف الرئيس الأسبق جورج بوش الابن مزهوا بنفسه أمام كاميرات العالم، معلنا هزيمة حركة طالبان ونهايتها إلى الأبد، ثم عدتم بعد عشرين عاما تتفاوضون معها بعدما أدخلتكم في حرب استنزاف طويلة عجزتم وعجز عملائكم عن مواجهتها والقضاء عليها؟!

ألم تسخروا من الملا عمر، القائد السابق لحركة طالبان، حينما رد قائلا: "وعدنا الله بالنصر ووعدنا بوش بالهزيمة وسنرى أي الوعدين أصدق"، وتحقق وعد الله بعد عشرين عاما من الكفاح والمثابرة والتضحيات..
 
ألم تنفق الولايات المتحدة أكثر من 90 مليار دولار في تطوير القوات المسلحة الأفغانية وزودتها بترسانة عسكرية ضخمة من أحدث الأسلحة، وقامت بتدريب أفراد الجيش البالغ عدده 300 ألف عسكري على أحدث النظم القتالية، ومع ذلك فشلت في التصدي لتقدم حركة شعبية، لا يزيد عدد مقاتليها عن ستين ألفا ولا تملك إلا أسلحة تقليدية خفيفة.. لكن فر أفراد الجيش هاربين، مخلفين الأسلحة والعتاد الأمريكي هدية لطالبان!

لقد تنبأ المحللون العسكريون الأمريكان بصمود الجيش الأفغاني ستة أشهر ثم عادوا وقالوا ثلاثة أشهر، بعد انسحاب القوات الأمريكية في نهاية آب/ أغسطس، مع تأكيدهم بأن كابول لن تسقط قبل هذا التاريخ في أيدي قوات طالبان، ولكن فشلت توقعاتهم مثلما فشلت تقديرات ورهانات رؤسائهم..
 
ألم تضطر الولايات المتحدة أيضا أن تفر سريعا وتخرج من أفغانستان في تزامن مع سقوط كابول وسيطرة طالبان على كل المدن الأفغانية وقرب إعادة تأسيس حكمها الإسلامي الذي أعلنته؟!

فعن أي أهداف يتحدث وزير خارجية الولايات المتحدة؟! أرض الواقع هي التي تتحدث عن هزيمة كبري لحقت بأكبر وأقوى دولة في العالم، ومطار كابول يشهد على تلك الهزيمة المدوية، وطائراتهم تقلع من المطار حاملة على متنها آلاف الأمريكيين المتواجدين في أفغانستان، في مشهد درامي مثير، يذكرنا بمشهد مماثل حدث عام 1975، عندما استخدمت السفارة الأمريكية في "سايغون" طائرات مروحية خلال عمليات الإجلاء عند دخول قوات "الفيتكونغ" وجيش الشعب الفيتنامي عاصمة فيتنام الجنوبية، وهما الهزيمتان الكبيرتان في التاريخ الحديث للقوى العظمي في العالم.

فهل تدرك واشنطن بعد هاتين الهزيمتين أن هناك حدودا لقوة النيران، وأنه لا يمكن للقوة العسكرية وحدها أن تحسم الصراع في عالم قد تغير ولم يعد فيه احتلال دول أخرى ممكنا عن طريق الجيوش؟!

لقد انسحبت القوات الأمريكية من أفغانستان، مع إجلاء رعاياها والذين يحملون الجنسية الأمريكية فقط، تاركة حلفاءها الأفغان من قادة الجيش والسياسيين والمترجمين وحدهم، كالأيتام بلا عائل ولا نصير، ليلاقوا مصيرهم المحتوم كعملاء خائنين لوطنهم..

لا شك أن مقولة "أفغانستان مقبرة الإمبراطوريات" مقولة حقيقية ولم تُقل عبثاً، فالتاريخ يكشف لنا أن هذا البلد الفقير والضعيف والمحاصر بدول قوية واجه الإمبراطوريات الكبري على مر التاريخ وانتصر عليها.

فقد لقى جنكيز خان والمغول نهايتهم على أرض أفغانستان، كما أن الإمبراطورية البريطانية العظمي، والتي كان يُقال عنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، لقيت هزيمتها العظمي بعد ثلاث سنوات من اجتياح أفغانستان عام 1839. وكذلك الاتحاد السوفييتي، مُني بهزيمة ساحقة عام 1989 بعد 11 عاما من احتلاله لأفغانستان، وكانت هزيمته هذه أحد أسباب انهياره وتفككه.

وها هي الولايات المتحدة الأمريكية الدولة العظمى في العالم، تلحق بهم وتتجرع كأس الهزيمة المر على أيدي طالبان وتنسحب من أفغانستان بعد عشرين عاماً من احتلالها. لقد قالها يوماً الأمير الحديدي عبد الرحمن خان: "من السهل احتلال أفغانستان ولكن من الصعب المحافظة عليها"، وها هي الأحداث والأيام تؤكد لنا صدق كلامه..

twitter.com/amiraaboelfetou
التعليقات (0)