في علم
السياسة والاقتصاد، نجد مصطلح
الأرض المحروقة.. بمعنى أنه في تاريخ الحروب، عندما يستشعر الطرف المنهزم بقدوم هزيمته لا محالة وأن عدوه سيحتله؛ يقوم بحرق أرضه بحيث يدخل العدو ليجد أمامه فقط الخراب. وبالطبع رحلة الإصلاح تأخذ وقتاً وجهدا، فضلا عن الاستنزاف المادي.
هذا ما كان يفعله على سبيل المثال، السوڤييت مع النازيين في الحرب العالمية الثانية. كان سكان المدن يقومون بأنفسهم بحرق وتدمير منطقتهم التي على وشك أن تقع بأيدي الألمان.
انتقل هذا الأسلوب مع تطور التاريخ والحياة فأصبح يُمارس بأشكال وصور متنوعة. على سبيل المثال: يتعمد المسؤولون السياسيون بمختلف بلدان
الاستبداد حرق كل كوادر الصفوف الثانية والثالثة، بل ويتعمدون أن يستبعدوا
الكفاءات لكي يظل فقط العجزة؛ الذين لا يملكون من أمرهم شيئاً.
الأكثر من هذا، يتعمد رؤساء الاستبداد الإصرار على عدم وجود نائب لهم، وعندما يضطرون لذلك يختارون الأضعف والأكثر ضحالةً وضعفاً؛ ليكون منزوع الكاريزما والحضور وغير مؤثر على الإطلاق في أي منحى من مناحي الحياة السياسية.
نجد أيضاً كل الشخصيات المهمة، وبالذات تلك التي تتمتع بالقدرة على التأثير في الرأي العام، إما مركونة أو محاصرة أو مهاجرة، بحيث لا يكون لها وجود لا في الفن ولا في الصحافة، أما في المجال السياسي فوجودها معدوم.
تلجأ الفئة المسيطرة على مقاليد الحكم إلى سحق الكفاءات ومحوهم من الحياة الاجتماعية تمهيدا لاقتلاعهم من الحياة نفسها؛ عن طريق اغتيالهم معنوياً أو حتى تصفيتهم جسدياً. سياسة حرق البديل معروفة ومضمونة النتائج وتضمن للمتنفذ الذي ضمن الحلقة الأولى أن يتبوأ مكانته مطمئناً لعدم مزاحمته في مجده وحياته المخملية الناعمة المترفة.
ليذهب الجميع إلى الجحيم، ليتخلف المجتمع بسبب عدم وجود الكفاءات الشابة الطموحة المتحمسة للعطاء. مثل هذه الكوادر إن وجدت طريقها الوظيفي يتم سحقها أو تطفيشها، ويكون عادة البديل موجوداً، إنهم من عديمي الموهبة والذكاء.. البديل موجود لأن المتسلقين ذوي العاهات والمطواعين موجودون بكثرة.
هذا يحدث أيضاً في مجال الفن السينمائي.. الممثل الكبير هو المرضي عنه، إنه يتمتع بدعم أصحاب المواهب المحدودة والمعدومة الموهبة له. من جهة أخرى يُباَلغ في تلميعه وتعويمه أمام الرأي العام؛ وتُستكتب له مجموعة من الكتبة الكبار لكي يسبحوا بمواهبه ليلاً نهاراً، حتى يُفسد الذوق العام نتيجة هذا الإلحاح المتعمد الانتهازي.
نعم ينجح المسؤولون بسرعة بحرق كل الصفوف المحتملة لأن تفرض مواهبها أو تلك التي في طريقها إلى المحتمل.. نعم، وأكثرهم ينجحون في ما يتطلعون إليه.
النتيجة أن مجتمعاتهم تسقط وتصبح هشة وهزيلة.. مجتمعات يندر فيها الشبان النابهون.
وتمضي الحياة في هذا المجتمع لا طعم لها ولا لونا.