هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تشهد تركيا منذ حوالي أسبوعين حرائق هائلة زاد عددها على ١٣٢ حريقاً على طول الشريط الساحلي الجنوبي وفي بعض المناطق المتفرقة من البلاد. وفقاً للتقارير الأوّلية، فقد أدتّ هذه الحرائق الهائلة إلى مقتل ٨ أشخاص على الأقل ونقل وتهجير الآلاف وتدمير حوالي ١١٩ ألف هيكتار. هذه الكارثة حصلت في ذروة إفتتاح الموسم السياحي الصيفي، وهو ما يجعلها محط شُبهات.
الحرائق جاءت مترافقة كذلك مع موجة ارتفاع هائل في الحرارة وموجة جفاف شديد. في ١٩ تموز (يوليو) الماضي على سبيل المثال، كانت حرارة الطقس في العاصمة أنقرة في أوجها أكثر سخونة من الحرارة في العاصمة القطرية الدوحة. بعدها بحوالي يومين، سجّلت تركيا أعلى معدّل للحرارة على الإطلاق بواقع 49.1 درجة في جنوب شرق البلاد.
التغيّر المُناخي قد يكون سبباً في الحرائق الحاصلة، لكنّ هناك من يقول إنّها حرائق مفتعلة، أي إنّ التخريب فيها متعمّد سيما أنّ معظم الحرائق الكبيرة، حصلت في أماكن سياحيّة بامتياز وقريبة من الشاطئ بشكل غالباً ما يكون هذا الانقسام في الروايات أو الاستنتاجات عامودياً وأفقياً بين الحكومة والمعارضة من جهة، وبين الشرائح الاجتماعية المؤيدة لكل من المعسكرين من جهة أخرى.
المعارضة تحاول توظيف الحدث المأساوي للوم الحكومة واتهامها بالتقصير والعجز، ولتحريض الناس عليها. الحكومة تحاول أن تقول إنّها تفعل كل الممكن وإنّ جهودها مستنفرة، وإن هناك بالفعل من يقوم بالمشاركة في إشعال الحرائق. وبالرغم من أنّه لا يمكن القول إنّ الحكومة برمّتها تتبنى رواية العوامل الخارجية، فإن هناك من يتبنّاها منهم بالفعل.
وبالرغم من التشكيك بهذا الطرح واتهام المروّجين له بالاعتماد على نظرية المؤامرة، أو بتسييس الموضوع لحماية أنفسهم من تداعياته الاقتصادية والسياسية، إلاّ أنّ هناك حالات سابقة ثبت بالفعل أنّها تمت بتدخل بشري. في واحدة من هذه الحالات تمّ تصوير مجموعة من مليشيات حزب العمّال الكردستاني تقوم بإحراق المحميّات على الحدود التركية العراقية.
الأخطر من حرائق المساحات الخضراء هذه، هي الحرائق السياسية وربما الاجتماعية المصاحبة لها والتي تتغذى على الاستقطاب السياسي والنكايات. ولعل هشتاج "تركيا تحتاج إلى مساعدة" وهشتاج "تركيا قوية" الذي برز مؤخراً في مواجهة الهشتاج الأول خير دليل على ذلك.
وبالعودة إلى الحرائق الحالية، فقد تبنّت مجموعة تسمّي نفسها "أبناء مبادرة النار" عدداً من هذه الحرائق في خبر نشرته "شبكة روجوفا" الكردية ادّعت فيه أنّه "وبما أنّ الحكومة التركية لا تفهم أي لغة أخرى، فقد حان الوقت لإركاعها على قدميها بفيضان من النار". لكن وبغض النظر عن هذا البيان، فإنّ حالت الاستقطاب الشديد على المستوى الاجتماعي انسحبت على موضوع الحرائق وحوّلته إلى كرة يتقاذفها الجميع لأجل الغرض السياسي المنشود، أو هكذا تدعّي المعارضة.
رئيس الجمهورية كان قد قال بأنّه لا يمكن فعل أي شيء إزاء ما جرى باستثناء إعادة تشجير المناطق التي أكلتها النيران. لكن كثيرين يأخذون على الحكومة تقصيرها في توقّع اندلاع مثل هذه الحرائق، وبالتالي عدم التحضير لمواجهتها بالشكل المطلوب. كثيرون أيضاً أخذوا على الحكومة عدم تخصيص أسطول من الطائرات لمكافحة الحرائق لاسيما في بلد تكسوه المساحات الخضراء بشكل واسع ويعتمد عليها كذلك للسياحة، ويجادل هؤلاء بأنّه من غير المعقول أن تعتمد الحكومة على تأجير الطائرات المخصصة لإطفاء الحرائق وأن تنتظر المساعدات الخارجية بدلاً من أنّ تقوم بتجهيز الوزارة المعنيّة بما يلزم لإخماد الحرائق.
وبالرغم من أنّ الكوارث الطبيعية ليست بالضرورة بمثابة معيار للحكم على البلد المعني، أو على قدراته، أو على حكومته وأدائها، إلاّ أنّ الحرائق الأخيرة قد أثرت بالفعل على صورة تركيا وسمحت للكثيرين بتوظيفها للنيل منها. لكن الأخطر من حرائق المساحات الخضراء هذه، هي الحرائق السياسية وربما الاجتماعية المصاحبة لها والتي تتغذى على الاستقطاب السياسي والنكايات. ولعل هاشتاغ "تركيا تحتاج إلى مساعدة" وهاشتاغ "تركيا قوية" الذي برز مؤخراً في مواجهة الهشتاج الأول خير دليل على ذلك.
الاستقطاب الحاد في البلاد والتوظيف السياسي الرخيص للكوارث هو مؤشر على أنّ القادم في الفترة الفاصلة بين الآن والانتخابات المقبلة في ٢٠٢٣ سيكون صعباً للغاية. المعارضة تتوقّع انتخابات مبكّرة وتدفع باتجاهها، ولذلك فإن كل شيء بالنسبة لها يدخل في حسابات السباق الانتخابي والتحضير للانتخابات المقبلة. الوضع الاقتصادي يبقى الفيصل بالنسبة إلى الناخب التركي. صحيح أنّ محاولات التلاعب بمشاعره وعواطفه تشتد لكسب المزيد هنا أو هنا أو لتوجيه نقمه الناس بهذا الاتجاه أو ذاك، إلاّ أنّ العنصر الاقتصادي سيبقى الأهم في ميزان حصد الأصوات في المرحلة المقبلة.