أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه إزاء وفاة ثلاثة محتجزين عراقيين في غضون 10 أيام بمراكز احتجاز تابعة لوزارة الداخلية في مدينة البصرة جنوب
العراق، مشيرًا إلى غياب شبه كامل لنظام رقابة فعّال على
السجون ومراكز الاحتجاز في البلاد.
وقال المرصد الأورومتوسطي، ومقره جنيف في بيانٍ صحفيٍ له اليوم الثلاثاء أرسل نسخة منه إلى "عربي21": "إنّ المعتقلين هشام محمد هشام ومحمد الدبي، قضيا فيما يبدو بسبب التعذيب وسوء المعاملة علي يد الشرطة المحلية أثناء احتجازهما في مقر مكافحة إجرام البصرة، في حين لقي علي مبارك الشمري حتفه أثناء احتجازه في مركز شرطة البراضعية".
ولفت الانتباه إلى أن حالات الوفاة وقعت في الفترة من 28 تموز (يوليو) الماضي إلى 7 آب (أغسطس) الجاري، على خلفية قضايا بعضها جنائي والبعض الآخر غير معلوم الأسباب.
ونقل بيان المرصد عن محمد الياسري، وهو ناشط مدني من محافظة البصرة، وشاهد عيان على حادثة وفاة هشام، تأكيده أنّ "هشام كان يعمل في شركة لنزع الألغام، حيث أوفدته الشركة إلى بغداد للعمل برفقة أحد زملائه، وأثناء عودتهما إلى البصرة فجر يوم الأربعاء 28 تموز (يوليو)، ألقت مجموعة أمنية القبض عليهما، ونقلتهما في سيارة عسكرية إلى مقر مكافحة إجرام البصرة رغم عدم وجود أي مذكرة قانونية للاحتجاز".
وأضاف الياسري: "بعد ساعتين أُفرج عن زميل هشام وبقي هو رهن الاحتجاز، حيث تعرّض لتعذيب شديد داخل المقر الأمني أدّى إلى تدهور صحته. ورغم حالته الصحية السيئة، فقد تمت إحالته عند الساعة التاسعة صباحًا إلى محكمة القزيزة بالبصرة، حيث أمر القاضي بإخلاء سبيله وإعادته إلى مقر مكافحة إجرام البصرة لأنّه ليس الشخص المطلوب. وفي حوالي الساعة العاشرة صباحًا، حضرت عائلته إلى المقر الأمني لتنقله إلى المستشفى بسبب معاناته من آثار التعذيب، لكنّ هشام فارق الحياة في الطريق إلى المستشفى على بعد نحو 3 كلم من المقر الأمني".
وأفاد مطلّعون على قضية هشام للمرصد الأورومتوسطي بأنّ الضحية لم يكن هو الشخص المقصود، وأنّ المتهم المطلوب هو شخص آخر اسمه الأول محمد، لكنّ عملية تتبع رقم المتهم الحقيقي كانت خاطئة، إذ تم تتبع رقم الضحية هشام بدلًا من رقم الشخص المطلوب".
ووثّق الأورومتوسطي في تقرير نشره في حزيران (يونيو) الماضي انتهاج السلطات العراقية سياسة احتجاز الأفراد تعسفيًا لمدد مطولة قبل المحاكمة دون مراجعة قضائية، وتعريضهم للتعذيب وسوء المعاملة، من خلال استخدام أساليب تعذيب ممنهجة تشمل الضرب المبرح، والصعق بالكهرباء، والخنق بالأكياس، والعنف الجنسي، بهدف انتزاع الاعترافات، أو ابتزاز الموقوفين والحصول على أموال من ذويهم.
وبحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة في 3 آب (أغسطس) الماضي، تلقّى مجلس القضاء الأعلى العراقي خلال عام 2020 حوالي 1406 شكاوى تتضمن مزاعم عن التعذيب أثناء التحقيقات، لم يعالج منها سوى 18 طلبًا فقط.
ووثق المرصد الأورومتوسطي إفادة لأحد أقرباء "علي الشمري"، حيث قال: "ذهب علي في ساعة متأخرة من مساء 24 تموز/ يوليو الماضي على متن دراجته لإحدى الصيدليات، وهناك تم احتجازه من شرطة حماية المستشفى التعليمي وسط البصرة، حيث طلبوا منه إظهار رخصة الدراجة، ثم نقلوه إلى مركز شرطة البراضعية. وعندما ذهب والده للسؤال عنه في مركز الشرطة، أبلغه أفراد الأمن بأنّ نجله سيخرج بعد قليل، لكنه صُدم عندما أحضر أفراد الأمن نجله "علي" متوفيًا داخل بطانية، وعلى جسده آثار تعذيب وطعنات، ولكمات، وكسور".
وفي حادثة المحتجز محمد الدبي، أبلغ أحد أقرباء الضحية فريق المرصد الأورومتوسطي بأنّ محمدا استُدعي من مقر مكافحة إجرام البصرة من أجل الشهادة في قضية جنائية، وعندما حضر إلى المقر تم احتجازه لمدة 10 أيام، وخلال هذه المدة، استطاعت الأجهزة الأمنية خلالها العثور على القاتل الحقيقي، ما دفع عائلته للتوجه إلى المقر الأمني للمطالبة بالإفراج عن محمد، إلّا أنّ أفراد الأمن أبلغوهم بأنّهم ينتظرون قرارًا قضائيًا للإفراج عنه.
وأضاف أنّه "في 7 آب (أغسطس) الجاري، وصلنا اتصال من إحدى المستشفيات يبلغنا بوفاة محمد، وحينما ذهبنا لاستلام جثّته، وجدنا عليها آثار تعذيب واضحة".
وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ تكرار مثل هذه الانتهاكات يبعث على القلق، خاصةً أن مؤشرات تزايد حالات الوفاة نتيجة التعذيب داخل مراكز الاحتجاز وفي مراحل التحقيق الأولي متصاعدة بشكلٍ مستمر، إذ وصلت -وفق مصادر حقوقية محلية- إلى نحو 65 حالة وفاة منذ مطلع العام الحالي فقط.
وشدّد على أنّ استمرار عمليات التعذيب والمعاملة السيئة داخل مراكز الاحتجاز يخالف التزامات العراق المحلية والدولية ذات العلاقة، وخصوصًا اتفاقية مناهضة التعذيب التي صدّق عليها عام 2008.
ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات العراقية إلى فتح تحقيق عاجل في وفاة الموقوفين، طبقاً لأحكام الدستور العراقي والقوانين النافذة تمهيدًا لتحقيق المساءلة القضائية، ومحاسبة المسؤولين عن جرائم التعذيب داخل مراكز الاحتجاز وتوفير سبل الإنصاف للضحايا
وحث الأورومتوسطي السلطات العراقية على ضرورة تفعيل الرقابة على السجون ومراكز الاحتجاز، والتأكد من تطبيق المعايير المحلية والدولية ذات العلاقة بظروف الاحتجاز ومعاملة السجناء والموقوفين.