قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان اليوم: "إنّ الأزمات المتفاقمة في
لبنان وعجز الحكومة عن التعامل معها أوصل
الأوضاع في البلاد إلى مستوى غير مسبوق من التدهور بمعدلات فقر تجاوزت الـ55%، فيما بات أكثر من 50% من العمال المهاجرين عاطلين عن العمل، محذرًا من التبعات الخطيرة على عيش وسلامة ملايين السكان".
واستعرض المرصد الأورومتوسطي ومقرّه جنيف، في تقريرٍ أصدره اليوم الاثنين بعنوان "لبنان.. الانزلاق إلى الهاوية"، وأرسل نسخة منه لـ "عربي21"، الجوانب المختلفة للأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد منذ نحو عامين، ومدى انعكاسها على الأوضاع الإنسانية والمعيشية للبنانيين، في ظل عدم وجود بوادر جادة للتخفيف من حدة الأزمات المتلاحقة في وقت قريب.
وارتكز
التقرير ـ إلى جانب جهود البحث ـ على عشرات المقابلات التي أجراها الفريق الميداني للمرصد الأورومتوسطي في لبنان، وشملت مسؤولين نقابيين، ومدراء تنفيذيين، وأطباء، وطلابا في الخارج وذويهم، وأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، حيث استعرض من خلالها أسباب الأزمات ومدى تأثيرها على اللبنانيين من الناحية المعيشية، وكذلك سياسات الدولة في مواجهة هذه الأزمات التي باتت تتفاقم يوماً بعد يوم بشكلٍ متسارع.
وأوضح أنّه على الرغم من أنّ لبنان يعاني أزمات عدة بخلاف الأزمة الاقتصادية؛ مثل جائحة كورونا وتوابع انفجار مرفأ بيروت، إلاّ أن الأزمة الاقتصادية كان لها الأثر السلبي الأكبر على حياة اللبنانيين، إذ عانت الدولة خلال عام العام الماضي من كسادٍ اقتصادي كان سببه انكماش النمو في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 20.3%، بالإضافة إلى وصول معدلات التضخم لأكثر من 100%، فضلاً عن أن سعر صرف الليرة اللبنانية يشهد تدهورًا غير مسبوق، ومعدلات الفقر تتزايد بشكلٍ حاد.
وأبرز التقرير أزمة الارتفاع الحاد في أسعار السلع والخدمات الأساسية في لبنان بصفتها إحدى أكبر الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون، إذ قفزت أسعار نحو 17 سلعة أساسية شملت الخضار والفواكه والحبوب واللحوم والزيوت ومشتقات الحليب والألبان بنسب وصلت إلى 350%، بسبب تدهور سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار، والتي فقدت ما نسبته 100% من قيمتها خلال أقل من عامين.
وذكر التقرير أنّ العمال المهاجرين في لبنان تضرروا أيضًا من الأزمة الاقتصادية بشكل حاد، إذ بات أكثر من نصف العمال المهاجرين عاطلين عن العمل وغير قادرين على تلبية حاجاتهم الغذائية ويقيمون في ظروف غير آمنة ودون المستوى المطلوب، بسبب عدم ملاءمة المساكن، وارتفاع الإيجارات، والتهديد بالإخلاء.
وسلّط التقرير الضوء على تداعيات انفجار مرفأ بيروت والمستجدات المتعلقة بمسار التحقيقات، حيث أصدر المحقق العدلي "طارق بيطار" مطلع الشهر الماضي قرارًا بالادعاء على عدد من المسؤولين العسكريين والأمنيين في القضية، إلاّ أن السلطات المعنية لم تتعاون حتى الآن مع طلبات المحقق العدلي، ما يثير الشكوك حول جدّيتها في عدم عرقلة مسار العدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت، والتي تحظى باهتمام محلي ودولي واسع.
وتناول التقرير الأزمات اليومية التي يعاني منها اللبنانيون كأزمة المحروقات والكهرباء والتحويلات المالية إلى الطلاب في الخارج، وأزمة الخبز الذي ارتفع سعره 8 مرات خلال العام الحالي فقط، ليصل سعر ربطة الخبز (876 غرامًا) إلى 4500 ليرة لبنانية (3 دولارات أمريكية)، ما جعل جزءًا كبيرًا من اللبنانيين يواجهون صعوبة بتوفير ما يكفي من خبز لعائلاتهم.
وأشار إلى أزمة القطاع الصحية، والتي أضحت تهدد حياة مئات المرضى الذين أصبحوا غير قادرين على تأمين ما يلزمهم من الأدوية الرئيسة الشحيحة أصلًا، خاصةً تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة كالضغط والسكري، والخطيرة كالسرطان، فضلاً عن عدم توفر المستلزمات الطبية في المستشفيات الحكومية بشكل كافٍ، على النحو الذي أثّر بشكل كبير على الخدمات الصحية المقدمة للبنانيين، بما في ذلك الفحوصات التشخيصية والعمليات الجراحية.
وقال المستشار القانوني في المرصد الأورومتوسطي طارق حجار: "إنّ الحكومة اللبنانية ملزمة وفق الدستور المحلي واتفاقيات حقوق الإنسان التي صدّقت عليها، بتوفير سبل العيش الكريم لمواطنيها، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان تمتّع اللبنانيين بحقوقهم، بما في ذلك الغذاء والصحة والأمن والعمل والمعاملات المالية وغيرها من الحقوق الأساسية".
وأوصى المرصد الأورومتوسطي السلطات اللبنانية بضرورة وضع خطة عمل عاجلة لمعالجة الأزمات الرئيسية للحيلولة دون تدهورها بشكل أكبر، على أن تشمل الخطة إجراءات متوازية في مختلف القطاعات لضمان إحداث تغيير إيجابي فعلي في حياة اللبنانيين. كما أنه حث السلطات على تنفيذ عمليات إصلاح إداري واقتصادي شاملة لمواجهة احتمالية انهيار أمني كبير نتيجة الفقر وغياب الحاجات الأساسية والفساد المستشري في مختلف مفاصل الدولة.
ودعا المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وحازمة للضغط على السلطات اللبنانية لمنع تفاقم الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون وضمان توفير الحاجات الأساسية لهم، بما في ذلك مراقبة أداء السلطات اللبنانية في ما يتعلق بتوجيه المساعدات المقدمة للبنان، ومراقبة أداء مؤسسات الدولة بهدف مكافحة الفساد وتعزيز دور السلطة القضائية.