هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عاد الحديث عالميا وبصورة متجددة، عن فرض إجراءات وقيود جديدة مرتقبة، بسبب التفشي الملاحظ للسلالات الفيروسية الجديدة لكورونا، مولدة حالة من الإحباط والغضب المجتمعي، بالنظر إلى اعتقاد الكثيرين بأن الجائحة العالمية في طريقها إلى الانحسار وليس إعادة "التموضع والتفشي بشكل جديد".
وأرغم التفشي المتسارع للنسخة المتحورة دلتا، كثيرا من الدول على إعادة تشديد القيود الصحية، في وقت نبهت فيه منظمة الصحة العالمية إلى ضرورة التعامل مع هذه السلالة بصفتها "تحذيراً" يتطلب تكثيف الجهود للحؤول دون ظهور طفرات أكثر خطورة.
أمريكا وترجيح عودة القيود
ففي أمريكا رجّح الرئيس جو بايدن الجمعة، أن تُصدر قريباً في الولايات المتّحدة توصيات أو تفرض قيود صحيّة جديدة لمواجهة كوفيد-19، مرحّباً في الوقت نفسه بعودة عجلة التطعيمات إلى الدوران بسرعة في البلاد.
وردّاً على سؤال عن ما إذا كان ينبغي على الأمريكيين توقّع صدور توصيات إضافية من السلطات الصحية أو إجراءات ملزمة جديدة، قال بايدن للصحافيين: "على الأرجح".
إلا أنّ الرئيس الأمريكي لم يذكر نوع الإجراءات التي كان يتحدّث عنها، في الوقت الذي بدأت فيه السلطات الفيدرالية الأمريكية، وكذلك مسؤولون محليون وشركات، بتشديد البروتوكولات الصحية.
وعلى الرغم من ذلك، قال بايدن إنّ الولايات المتّحدة شهدت الخميس "يوماً جيداً" لناحية التطعيم، إذ جرى إعطاء نحو مليون حقنة، في الوقت الذي تعمل فيه إدارته على تسريع عجلة التلقيح التي شهدت تراجعاً بطيئاً.
وفي مواجهة المتحورة دلتا السريعة الانتشار، أوصت السلطات الأمريكية مواطنيها الموجودين في أماكن ينتشر فيها الفيروس بشكل كبير، بأن يضعوا كمامات في الأماكن الداخلية حتّى لو كانوا ملقّحين بالكامل.
ودُعي الأمريكيون، بمن فيهم من حصلوا على جرعتي لقاح، إلى الالتزام بوضع الكمامات مجدداً في المناطق التي تسجّل ارتفاعاً في نسبة الإصابات. وفي محاولة لدفع عملية التلقيح قدماً، أوعز بايدن إلى السلطات المحلية بتحويل مبلغ مئة دولار لحساب كل شخص يقبل على تلقي اللقاح.
ويتعيّن على رواد مسارح برودواي، المغلقة منذ آذار/ مارس 2020، أن يكونوا قد تلقوا اللقاح كشرط لحضور العروض بدءاً من شهر أيلول/ سبتمبر.
وأعلنت الولايات المتحدة الجمعة، أنها قدّمت ثلاثة ملايين جرعة من لقاح موديرنا الى أوزبكستان، في بادرة تهدف إلى تعزيز العلاقات مع الدولة الواقعة في آسيا الوسطى على الحدود مع أفغانستان.
الصين والبؤر الجديدة
من جهتها أعلنت السلطات الصينية السبت، أنّها رصدت بؤراً وبائية جديدة لفيروس كورونا في منطقتين إضافيتين، إحداهما تضمّ مدينة يبلغ عدد سكّانها 31 مليون نسمة، في أخطر تفشٍّ للفيروس يشهده منذ أشهر العملاق الآسيوي.
وقالت لجنة الصحّة الوطنية إنّه تم تسجيل 55 إصابة جديدة بالفيروس في مقاطعة فوجيان وبلدية تشونغتشينغ، لتضاف بذلك هاتان المنطقتان إلى العاصمة بكين وأربع مقاطعات أخرى أبلغ فيها عن تسجيل إصابات بالمتحوّرة دلتا من فيروس كورونا.
دولة الاحتلال وخطط التلقيح بجرعة ثالثة
وفي وقت تجهد فيه الدول الغربية لتلقيح أكبر عدد ممكن من مواطنيها بجرعتين ضدّ كوفيد-19، فقد خطت دولة الاحتلال الإسرائيلي خطوة أبعد بإطلاقها الجمعة، حملة لإعطاء جرعة ثالثة من اللقاح لمن هم في الستين من العمر وما فوق.
وبادر رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ الجمعة، إلى تلقّي الجرعة الثالثة من لقاح فايزر-بيونتيك مع زوجته ميشال في مستشفى شيبا بضاحية تل أبيب.
وكانت "إسرائيل" من أولى الدول التي أطلقت في كانون الأول/ ديسمبر حملة تلقيح واسعة النطاق بفضل اتفاق مع فايزر مكنها من الحصول سريعا على ملايين الجرعات لقاء إمداد شركة الأدوية العملاقة ببيانات طبية حول مفاعيل اللقاح.
وأتاحت حملة التلقيح الإسرائيلية خفض عدد الإصابات اليومية من حوالي عشرة آلاف إلى أقل من مئة، وتحريك عجلة اقتصادها مجددا وإعادة فتح حدودها جزئيا.
غير أن عدد الإصابات وحالات الاستشفاء عاودت الارتفاع في الأسابيع الماضية مع انتشار المتحورة دلتا عن فيروس كورونا لدى البالغين غير الملقحين، إنما كذلك لدى الأشخاص الذين تلقوا اللقاح قبل أكثر من ستة أشهر.
وأحصت دولة الاحتلال في الساعات الـ24 الأخيرة 2,140 إصابة، في أعلى حصيلة منذ آذار/ مارس، ووصل عدد المرضى في المستشفيات إلى 286 حالة بينهم أكثر من 160 في حال خطرة، وفق بيانات وزارة الصحة.
منظمة الصحة العالمية تحذر
من جهتها قالت منظّمة الصحة العالمية إنّ الأولوية بالنسبة إليها هي مساعدة الدول التي تواجه صعوبات في تلقيح الأشخاص الأكثر عرضة للخطر.
وقال الدكتور بروس إيلوارد المكلّف من قبل منظمة الصحة العالمية بالإشراف على "كوفاكس"، المبادرة العالمية لتأمين اللقاحات للدول الفقيرة، إنّه "في هذه المرحلة يبدو أنّ جميع اللّقاحات لها تأثير جيّد في مكافحة الحالات المرضية الشديدة وحالات الاستشفاء والوفيات".
وأضاف أنّه لهذا السبب فإنّ الأولوية بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية هي "إعطاء جرعتين على الأقلّ من اللّقاح خصوصاً للعاملين الصحيّين وكبار السنّ والأشخاص المصابين بأمراض" مزمنة وكذلك أيضاً تحقيق الهدف الأدنى الذي وضعته المنظمة والمتمثل في تلقيح 10% على الأقلّ من سكّان كل دولة بحلول نهاية أيلول/ سبتمبر.
ونبّهت منظمة الصحة العالمية إلى ضرورة التعامل مع هذه السلالة بصفتها "تحذيراً" يتطلب تكثيف الجهود للحؤول دون ظهور طفرات أكثر خطورة.
قيود وإجراءات عالمية
وفرضت الصين تدابير إغلاق محلية، تزامنت مع تعبئة للجيش في أستراليا وتمديد حال الطوارئ في اليابان. وبات وضع الكمامات الزامياً مجدداً في المناطق الأكثر تضرراً من الفيروس في الولايات المتحدة، حيث يحاول الرئيس الأمريكي جو بايدن تكثيف حملة التلقيح البطيئة.
وتجد الصين، حيث ظهر الوباء لأول مرة في مدينة ووهان (وسط البلاد) أواخر 2019، أن سياسة الاحتواء التي كانت أول من طبقتها العام الماضي باتت مهددة، مع تسجيل إصابات جديدة انطلقت من نانجينغ، في شرق البلاد، وامتدت إلى خمس ولايات وانتشرت في بكين لأول مرة منذ ستة أشهر.
بعدما ثبتت إصابة تسعة موظفين في مطار نانجينغ في 20 تموز/ يوليو، تمّ الجمعة تسجيل 184 حالة في مقاطعة جيانغسو (شرقا)، و206 على المستوى الوطني. وتمّ فرض تدابير الحجر على مئات الآلاف من السكان في هذه المنطقة وفي بكين.
ويثير مدى فعالية اللقاحات الصينية المخاوف، بعدما تبيّن أنّ غالبية المصابين الجدد هم من الملقحين. وقال خبير الأمراض المعدية في شانغهاي زانغ ونهونغ في تغريدة إنه يمكن للقاحات أن "تبطئ وتيرة الانتشار وتخفّض معدّل الوفيات" لكن من دون شكّ لا يمكنها "القضاء على الفيروس".
في مذكرة داخلية مثيرة للقلق تم تسريبها، أورد المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها أن المتحورة دلتا معدية على غرار مرض جدري الماء، ويُرجح أنها تتسبب في حالات أشد خطورة ومن يصابون بالعدوى ممن أخذوا اللقاح قد ينقلون العدوى بالدرجة نفسها كما هي الحال لدى من لم يحصلوا على اللقاح، وقال المركز إن "الحرب قد تغيرت" جراء المتحورة دلتا.
ونبّه باحثون أوروبيون إلى أنّ الحدّ من تدابير الوقاية، كوضع الكمامات والحفاظ على التباعد الاجتماعي في وقت لم يصار فيه إلى تلقيح جميع السكان، من شأنه أن يزيد من احتمال ظهور متحورات جديدة مقاومة للقاحات.
سرعة غير مسبوقة
وقال المسؤول عن حالات الطوارئ لدى منظمة الصحة العالمية الدكتور مايك راين خلال مؤتمر صحافي في جنيف إن المتحورة "دلتا هي بمثابة تحذير يخبرنا أن الفيروس يتطور، لكنها أيضاً بمثابة نداء للتحرك، للقيام بشيء ما قبل ظهور أشكال أكثر خطورة من المتحورات".
وقالت ماريا فان كيركوف، الرئيسة الفنية لمكافحة كوفيد في منظمة الصحة العالمية إن الأدلة أظهرت أن المتحورة دلتا تنتقل بين الأشخاص الذين يختلطون اجتماعيًا.
وأضافت في مؤتمر صحفي: "اسمحوا لي أن أكون واضحة جدًا: نحن لا نرى المتحورة دلتا تستهدف الأطفال على وجه التحديد"، وظهرت دلتا حتى الآن في 132 دولة وهي أكثر قابلية للانتقال من النسخ السابقة للفيروس، بما في ذلك تلك المثيرة للقلق.
اليابان وألمبياد طوكيو
في اليابان، وبعد أسبوع من انطلاق الألعاب الأولمبية، مدّدت السلطات حالة الطوارئ الصحية في طوكيو حتى نهاية آب/ أغسطس، ووسّعتها لتشمل أربع مقاطعات أخرى.
وقال رئيس الحكومة يوشيهيدي سوغ الجمعة، إنّ "العدوى تتفشى بسرعة لم يسبق لها مثيل"، خصوصاً في صفوف الشباب، مع تسجيل عشرة آلاف إصابة يومياً في معدل قياسي.
وسجّل منظمو الألعاب الأولمبية 27 إصابة جديدة مرتبطة بالحدث، ثلاثة منها في صفوف لاعبين، في أعلى معدل رغم التدابير المشددة.
إجراءات أوروبية
وفي أوروبا، حيث تواجه دول عدة موجة رابعة من الوباء، تتخذ السلطات إجراءات عدة. فقد مدّدت السلطات الإسبانية حظر التجول في برشلونة وجزء من كاتالونيا. وفرضت فرنسا تدابير الإغلاق بدءاً من نهاية هذا الأسبوع في جزر مارتينيك وريونيون، حيث تصف السلطات الوضع الصحي بأنه "مأساوي".
وبحسب دراسة نُشرت الجمعة، يشكل الأشخاص الذين لم يتلقوا اللقاح نحو 85 في المئة من المصابين الذي يدخلون المستشفيات و78 في المئة من الوفيات.
وبدءاً من التاسع من آب/ أغسطس المقبل، فإن على المسافرين على متن القطارات الفرنسية أن يتوقعوا في أي لحظة أن يُطلب منهم إبراز الشهادة الصحية.
وتفرض ألمانيا، بدءاً من يوم الأحد، على السياح غير الملقحين، إبراز اختبار سلبي للفيروس عند وصولهم إلى أراضيها، سواء عبر الطائرة أو السيارة أو القطار.
إنقاذ الأرواح
في الفليبين، أعلنت السلطات الجمعة أن 13 مليون مواطن في منطقة مانيلا سيخضعون اعتباراً من الأسبوع المقبل للحجر، في قرار صعب هدفه "إنقاذ الأرواح".
ورغم تزايد الضغوط حول العالم لتسريع حملات التلقيح، فإنها تبقى غير متساوية إلى حد بعيد، إذ منحت الدول ذات الدخل المرتفع ما معدله 97 جرعة لكل 100 نسمة، مقابل 1.6 جرعة فقط في البلدان الفقيرة.
ويتوقّع برنامج كوفاكس الذي من المفترض أن يسمح للبلدان الفقيرة بتلقي اللقاحات مجاناً، تلقي 250 مليون جرعة من اللقاحات خلال الأسابيع الستة إلى الثمانية المقبلة، بحسب منظمة الصحة العالمية.
في بورما، حذّرت السلطات من وضع "يائس"، داعية مجلس الأمن الدولي إلى التأكد من إمكانية إيصال اللقاحات، رغم الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ الانقلاب الذي أطاح بالسلطة المدنية قبل ستة أشهر.
في أفريقيا، تعرف السنغال، التي بقيت بمنأى عن الوباء نسبياً لفترة طويلة، انتشاراً غير مسبوق للعدوى على غرار بقية دول القارة وتفتقر المستشفيات المكتظة فيها إلى الأكسجين.
وتكافح تونس، حيث يُسجّل معدل الوفيات الأعلى في شمال أفريقيا، للتصدي للفيروس، مع ارتفاع عدد الإصابات، بينما تعاني غرف العناية المركزة من نقص في عبوات الأكسجين.
وتسبّب فيروس كورونا بوفاة 4,202,179 شخصا في العالم منذ أبلغ مكتب منظمة الصحة العالمية في الصين عن ظهور المرض نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2019، بحسب تعداد أجرته وكالة فرانس برس استناداً إلى مصادر رسميّة الجمعة عند الساعة الـ10,00 ت غ.
وارتفع متوسط عدد الحالات اليومية الجديدة على مستوى العالم بنسبة 10 في المئة خلال أسبوع إلى 575,918 إصابة حتى الخميس، ويستمر الوباء في الانتشار بسبب المتحورة دلتا إلى حد كبير.
وتعتبر منظمة الصحة العالمية، آخذةً بالاعتبار معدّل الوفيات الزائدة المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بكوفيد-19، أن حصيلة الوباء قد تكون أكبر بمرتين أو ثلاث مرات من الحصيلة المعلنة رسمياً.