صحافة دولية

إندبندنت: انهيار لبنان يدفع السوريين للمخاطرة والعودة لبلادهم

صنف البنك الدولي لبنان ضمن ثلاثة انهيارات مالية شهدها العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر- الأناضول
صنف البنك الدولي لبنان ضمن ثلاثة انهيارات مالية شهدها العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر- الأناضول

قالت صحيفة "إندبندنت" في تقرير، إن اللاجئين السوريين خاطروا بحياتهم وهربوا من الجوع والحرب، واليوم مع انهيار لبنان يفضلون الموت في بلادهم.


وأضافت الصحيفة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أن رب عائلة من أربعة أولاد يعرف أن العودة هي "انتحار"، لكن رغم لجوئه قبل 3 أعوام، إلا أنه لا يمانع المخاطرة والموت بالعودة إلى سوريا بدلا من البقاء في لبنان ويموت جوعا. 


ووصف سلطان الذين تقطعت به السبل بسبب الجوع والعجز في حي متداع في البقاع، جنوب لبنان، كيف أصبح هو واللاجئون السوريون مثله على الخط الأول من انهيار لبنان الاقتصادي. وأصبح الوضع قاسيا لدرجة أجبرتهم على اتخاذ قرارات لا يتصورها أحد؛ مثل إرسال أولادهم إلى محور حرب. 


وكرت الأمم المتحدة للصحيفة كيف يعيش "كل" اللاجئين السوريين البالغ عددهم تقريبا مليون نسمة تحت خط الفقر، ويعتمدون على دولار في اليوم. وهم لا يجدون الطعام أو المال لشرائه.

 

وعندما لم يجد سلطان الطعام أو المساعدة ولا المال، اضطر لإرسال زوجته وأولاده الأربعة إلى عائلته في ريف دمشق عبر الطريق نفسه  الذي استخدموه للهروب من سوريا. وهو الآن يفكر بالعودة لاعتقاده أن الحياة قد تكون أقل حدة وجحيما في سوريا، فهو يعتمد يوميا على حبات بطاطا يأخذها من بقايا كشك لصاحبه. ومهما يكن الحال، من مواجهة التجنيد أو الاعتقال، فإنه يخطط للانضمام إليهم في دمشق.

 

اقرأ أيضا: إندبندنت: لا يمكن للعالم تجاهل الأزمات في لبنان فالثمن فادح
 

وقال: "أعرف أن العودة هي انتحار، ولكنني لا أعرف ماذا سيحدث لي، وأقسم أنني لم أحصل على الطعام منذ أسبوعين". وفعلت عائلات أخرى الشيء نفسه كما يقول. ودفع للمهربين 800 ألف ليرة سورية (385 جنيها إسترلينيا في السعر الرسمي و 30 جنيها في السوق السوداء) لإرسال عائلته إلى سوريا، وهي أرخص من ألف دولار لإرسالهم إلى قبرص، التي أصبحت الوجهة المحبذة. وقال: "اخترت الموت المحتوم في سوريا على الجوع؛ لأن الموت أرحم من الجوع" و "ليست آمنة، لكن هنا جحيم وهناك جحيم، وربما مت في جهنمي". 


ولا يعرف عدد العائدين السوريين، مع أن مفوضية اللاجئين سجلت العدد منذ 2016 بحوالي 68 ألفا، وقد يكون الرقم أعلى.

 

وكان لبنان بلدا مريحا نسبيا للسوريين الذين عاشوا في مساكن مستأجرة بطريقة غير رسمية في البقاع وعرسال والشمال، لكن الحياة أصبحت فيه لا تطاق، بسبب الأزمة الاقتصادية النابعة عن سوء الإدارة المزمنة والفساد، بشكل أفقد العملة اللبنانية 95% من قيمتها وزاد أسعار الطعام إلى خمسة أضعاف وأفلس البلد، ويعاني من انقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي ومن نقص حاد بالوقود.

 

وزاد من المعاناة وصول فيروس كورونا وانفجار مرفأ بيروت العام الماضي، الذي خلف 200 قتيل ودمر أحياء في العاصمة اللبنانية. ورفضت المؤسسات الدولية المساعدة، مثل صندوق النقد الدولي بدون حكومة جديدة وبرنامج إصلاحات، وهو ما لم يحدث بعد.

 

وصنف البنك الدولي لبنان ضمن ثلاثة انهيارات مالية شهدها العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. ومن وقع في عين العاصفة هم الناس العاديون.

 

وبحسب الأرقام الأخيرة من الأمم المتحدة، فأكثر من 3 أرباع سكان لبنان وعددهم 6 ملايين نسمة، لا طعام لديهم أو مال لكي يشتروه. وأصبح سعر كيس الخبز 4.000 ليرة لبنانية، أي خمسة أضعاف عما كان عليه قبل أشهر. وزاد سعر السكر والأرز ثمانية أضعاف. ولهذا فمنظر اللاجئين في لبنان وهم يبحثون عن بقايا الطعام في أماكن القمامة، ليس غريبا.

 

وقالت العائلات السورية التي تحدثت إليها الصحيفة؛ إنها باعت كل الأغطية التي تملكها للحصول على الطعام، ذلك أن الموسم حار وهي ليست بحاجة إليها. لكنها تخشى من الشتاء الذي قد يحل بدون أغطية. أما عائلات أخرى، فقد تحدثت عن تبادل الملابس وفرش المنازل مقابل حليب الأطفال والأدوية.

 

وزادت معدلات تزويج القاصرات وعمالة الأطفال. وفي واحدة من المخيمات السورية في عرسال التي تبعد 150 كيلو مترا شمال- شرق بيروت، اعترفت سورية أنها زوجت ابنتيها، 15 و16 عاما لأنها لم تعد قادرة على توفير الطعام لهما.

 

وقالت أياكي إيتو، من المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة: "في 2019 كان نصف اللاجئين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر، وبنهاية 2020 ارتفعت النسبة إلى 90%، واليوم جميعهم يعيشون تحت خط الفقر المدقع"، مضيفة: "بالطبع عانى السكان اللبنانيون من الانهيار الاقتصادي، لكن اللاجئين كانوا الأكثر معاناة".

 

اقرأ أيضا: صحيفة: لبنان يبحث سبل الالتفاف على "قيصر" بالتعامل مع سوريا
 

ومن الصعب توفير المساعدة للاجئين لو كان الجميع يعانون. وتعطي المفوضية اللاجئين المسجلين لديها 400 ألف ليرة لمساعدتهم على العيش. ولا تتجاوز قيمة المساعدة في سعر السوق السوداء عن 12 جنيها في الشهر، أي ثلث من "سلال الحد الأدنى من النفقة للبقاء على الحياة". لكن زيادة النفقات أو تقديمها بالدولار، قد تزيد من التوتر الاجتماعي في ظل عدم حصول اللبنانيين إلا على الحد الأدنى.

 

ولا يزال الحد الأدنى من الأجور في لبنان قليلا؛ 675 ألف ليرة لبنانية (20 جنيها في سعر السوق السوداء الحالي).

 

وقالت إيتو؛ إنه "مع زيادة معدلات الفقر بين اللبنانيين، زاد التوتر نتيجة للتنافس على المصادر التي أصبحت نادرة". وقالت؛ إن معظم الذين قابلتهم الصحيفة واجهوا مواقف عدوانية من اللبنانيين بشكل أسهم بقرارهم العودة إلى بلادهم.

 

وقال إمام ولاجئ سؤري؛ إن ابنته وزوجها تعرضا للضرب في كانون الأول/ ديسمبر لأنهما سوريان، وكانت القشة الأخيرة بالنسبة له وهو يبحث الآن عن طرق للعودة، وأضاف: "الشعور الطاغي بين الناس هو رغبة العودة، لكن ما يمنعهم هو الخوف مما سيحدث لهم في الطرف الثاني".

 

وفي عرسال، شمال البقاع، قال أبو عبدو، 65 عاما؛ إنه مصمم على العودة وحزم خيمته لكي ينصبها في قريته مكان بيته المدمر، وأضاف أن سبب رغبته بالعودة ليس عدم توفر الطعام والمال والوقود أو عدوانية السكان، بل المخاوف من انهيار لبنان وتفككه.

 

وقال والد 10 أولاد؛ إن "الوضع في لبنان سينفجر" و "عندما تضع هذه المشاكل على الناس وتضغط عليهم فسينفجرون، وكانت بلدي مثل لبنان الآن"، وربما كان الوضع في سوريا أسوأ من لبنان، فقد زاد التضخم بمعدل 150% وفقدت الليرة السورية 99% من قيمتها.

 

وقالت الخبيرة إليزابيث تسركوف؛ إن منتجات الحليب واللحم وزيت الزيتون لم تعد متوفرة للسوريين الذين يعتمدون على الخبز المدعم. ولا تزال مساحات من البلاد مدمرة وبدون كهرباء أو وقود، ويعيش السكان على 15 دولارا في الشهر.

 

وتابعت: "أعتقد أننا نتجه لمجاعة في كلا البلدين". وسيجد العائدون أنفسهم أمام معضلة أخرى؛ وهي مواجهة النظام الذي ينظر بريبة لمن غادروا بلدهم.

 

وقالت نادية هاردمان من "هيومان رايتس ووتش ": "لم تختف الأسباب التي دفعت اللاجئين لمغادرة سوريا، فالنظام متخندق وأساليبه تعسفية من اعتقال واستهداف وتغييب قسري لمن ينظر إليه كمعارض أو في المعارضة".

 

وأشارت إلى أن الجوع يلاحق السوريين على جانبي الحدود، لكن هذا لا يردع السوريين في لبنان عن محاولات العودة. فالنتيجة التي توصل إليها أبو عبدو مثل تلك التي توصل إليها سلطان، هي "ماذا بيدي عمله؟ لا أستطيع إطعام نفسي" و "لو جعت فسأجوع في بلدي وسأعمل في أرضي وفي بيتي".

التعليقات (0)