هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شهدت الشهور القليلة الماضية انهيارا غير مسبوق في المنظومة الصحية بالعراق، لا سيما مع كارثتي حريق مستشفيي ابن الخطيب في بغداد، والحسين في الناصرية، بحصيلة قتلى ناهزت حاجز الـ150.
انهيار المنظومة الصحية في العراق وصل ذروته في أزمة كورونا، إذ تعد العراق أكثر الدول العربية من حيث عدد الإصابات، والوفيات، بواقع 1.4 مليون للأولى، وأكثر من 17.5 ألفا للثانية.
يستذكر العراقيون حالهم قبل الغزو الأمريكي في 2003، إذ كانت بغداد مقصدا للعرب الراغبين في التعليم المجاني، وقبل فرض العقوبات الأمريكية مطلع التسعينيات، كانت مقصدا للعلاج أيضا.
وبدأ انهيار المنظومة الصحية مع الحصار الأمريكي الذي أدى إلى نقص في الموارد، وانسحاب للأطباء والكوادر الطبية الأجانب الذين كانوا يسدون ثغرات النقص لدى نظرائهم العراقيين.
البداية بطراز بريطاني
منذ خمسينيات القرن الماضي، تأسست في العراق منظومة صحية بطراز بريطاني، وفي الستينيات بدأت المستشفيات بالانتشار في المدن والأرياف، ليتم لاحقا في السبعينيات والثمانينيات زيادة أعداد المستشفيات الحكومية التي تجاوزت حاجز الـ200.
فعلى سبيل المثال، تأسس مستشفى ابن الخطيب الذي شهد كارثة في نيسان/ أبريل الماضي، في العام 1962، في حين تأسس مستشفى خاص للأطفال "أطفال العلوية"، في العام 1978 في الرصافة ببغداد، وتأسس مستشفى ابن الهيثم للعيون في العام 1985.
وفي العام 2003، أصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" بالاشتراك مع منظمة الصحة العالمية، تقريرا حول المنظومة الصحية في العراق، جاء فيه أن نهاية ثمانينيات القرن الماضي، كان 97 بالمئة من سكان المدن، و71 بالمئة من سكان الريف بالعراق يحصلون على الرعاية الصحية بالمجان.
وقال التقرير إن ازدهار الطب في العراق أدى إلى انخفاض معدلات الوفيات بين الأطفال، لا سيما في فترة الثمانينيات.
اقرأ أيضا: ارتفاع ضحايا حريق بمستشفى جنوبي العراق إلى 63 (شاهد)
التطور بين الأمس واليوم
في السابق كانت عجلة العمل على بناء المستشفيات تجري بوتيرة أسرع بمراحل من الوقت الحالي، إذ استغرق بناء مستشفى آزادي التعليم في كركوك 3 سنوات فقط (1982- 1985)، ويضم 6 طوابق بسعة 400 سرير.
وفي الوقت الحالي يضرب الترهل الإداري، والفساد المستشري، بحسب سياسيين، أي طموحات لتطور المنظومة الصحية، فعلى سبيل المثال لا تزال الحكومة غير قادرة على افتتاح مستشفى النجف الجديد "الألماني" برغم مرور 13 عاما كاملة على البدء بتشييده، وضخ نحو 200 مليون دولار كميزانية لذلك.
مثال آخر على إحباط العراقيين من تطور المنظومة الصحية، هو مشروع بناء مستشفى شط العرب في البصرة، والذي وضع حجر أساسه في العام 2011، إلا أن صورا صادمة انتشرت لموقع المشروع في العام الماضي 2020، تظهر أن ما تم إنجازه هو السور الخارجي فقط.
النائب سعد المطلبي، قال في تصريحات بنيسان/ أبريل الماضي، إن "كل مستشفى ومستوصف بالعراق بات غير مطابق للمواصفات الدولية".
هجرة الأطباء
الحصار الأمريكي الذي فرض على العراق منذ العام 1990، ولاحقا الغزو في 2003، وتغول المليشيات منذ نحو 15 عاما، تخللها سيطرة مؤقتة لتنظيم الدولة على عدة مناطق، جميعها عوامل أدت إلى هجرة الأطباء خارج بلدهم.
الخبير في معهد المنصور التقني الطبي، ثامر نعيم جاسم، قال في ورقة بحثية حديثة، إن 5 بالمئة من أطباء العراق يهاجرون سنويا إلى دول الخارج.
وقال جاسم إن سوء إدارة قطاعي الصحة والتعليم دائما ما يؤديان إلى هجرة الأدمغة، ومن ثم التأثير
على الجودة في قطاعاتهم.
وطرحت الورقة البحثية أسبابا أخرى لهجرة الأطباء، منها سوء المنظومة التعليمية الطبية، وسوء خدمات الإنترنت التي تحد من استخدام التكنولوجيا في الطب، وارتفاع الأسعار.
ولفت البحث إلى أن المنظومة الصحية في العراق تمتاز بالبيروقراطية، والتخلف، والترهل الإداري.
"لا ميزانية ولا حماية"
في نيسان/ أبريل الماضي، أصدرت منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" تقريرا تناولت فيه الواقع الصحي في العراق، وأسباب تدهوره التي بدأت منذ فرض أمريكا الحصار عليه في 1990.
يقول التقرير إن ميزانية العراق 2019 التي بلغت 112 مليار دولار، لم يتم إنفاق سوى 4.5 بالمئة منها على الصحة والبيئة.
وبلغ معدل نصيب الفرد من الطبابة 154 دولارا فقط في عام 2015، مقابل 366 دولارا للفرد في إيران، و257 دولارا للفرد في الأردن.
في العقود الثلاثة الماضية، شهد عدد سكان العراق زيادة كبيرة (من 7.28 مليون في عام 1960 إلى أكثر من 39 مليون في عام 2019).
ولكن النظام الصحي لم يواكب هذه الزيادة. وبحسب البنك الدولي، فإن لكل 1000 عراقي، هناك 1.3
سرير في المستشفيات (في عام 1980 كان الرقم 1.9 سرير لكل ألف).
ومن أسباب تردي وضع القطاع الصحي غياب المنظومة الأمنية، إذ تقول المنظمة إن خوف الأطباء من ردات فعل أقارب المرضى يجعلهم يقصرون في عملهم.
والتقت المنظمة مع أطباء الباطنية، قال إنه يتحاشى إجراء أي تدخل جراحي خطير خوفا من ردة فعل عنيفة من قبل الأهالي.
ويقول التقرير إن الكثير من الأطباء باتوا يطلبون الحماية من قبل العشائر بعد تقصير الأمن في توفير الحماية لهم.