من جملة
الاعتقالات السياسية الواسعة التي شنتها الأجهزة الأمنية
الفلسطينية على الصحفيين والصحفيات، وعلى شخصيات وطنية وحقوقية خرجت للاعتصام ضد تصفية المعارض السياسي نزار بنات، وأعلنت مواقفها بصراحة من التصفيات السياسية وقمع الحريات، الصحفي الفلسطيني
علاء الريماوي.
يمثل
علاء الريماوي في محيطه المهني والسياسي والاجتماعي النموذج الحي للفلسطيني العتيق جداً، والذي نستطيع بكل سهولة تصنيفه على الجيل الفلسطيني المقاوم العتيق رغم كونه شاباً في الأربعينات من عمره. تعرض علاء الريماوي لسلسلة من
الاعتقالات السياسية لدى أجهزة السلطة الفلسطينية، كذلك لدى الاحتلال الإسرائيلي.
يمثل علاء الريماوي في نشاطه المهني والسياسي والاجتماعي النموذج المكروه على الجانبين جانب السلطة الفلسطينية، وجانب الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتمتع بشخصية ثورية على الظلم من أي طرف كان، وله نشاط في مقاومة الظلم الاجتماعي الواقع على الفلسطينيين ضمن سلسلة أعمال خيرية يكرس من وقته لها، في سبيل سد الثغرات المترتبة على غياب قانون ضمان اجتماعي لشريحة واسعة من فقراء الفلسطينيين في محيطه الاجتماعي.
يقوم مجهود علاء الاجتماعي على تكريس حالة التكافل الاجتماعي في المجتمع الفلسطيني، في ظل حالة من التفكك الاجتماعي التي سببها حضور الطبقة السياسية الحاكمة في السلطة، والتي خلقت طبقة ثرية جداً ومرتبطة بمصالحها واستمرارها بشكل مباشر مع الاحتلال.
كذلك يقوم مجهوده في العمل الخيري التطوعي على صيانة قيم الترابط والتكافل الاجتماعي في ظل واقع اقتصادي غريب على مجتمع تحت الاحتلال، حيث اجتهد سلام فياض خلال حقبته الكارثية من أجل التكريس لاتفاقيات السلام الاقتصادي التي خلقت بنيتها المؤسسية المالية حالة من الثراء الطارئ على الفلسطيني الجديد؛ الذي تم تكبيله بالقروض البنكية والتسهيلات الائتمانية في الحصول عليها.
ساهمت تلك القروض والثراء السريع في إعاقة حركة المقاومة اجتماعياً واقتصاديا، بمحاولات خلق تلك الطبقة المغلولة للرأسمالية الليبرالية ابتعاداً عن القطاع الزراعي الذي حفظ للفلسطيني لعقود؛ كرامته وحماه من الارتباط اقتصادياً مع الاحتلال، حيث أوجدت تلك الحالة شريحة من الشباب الفلسطيني الحالم بالثراء السريع، العازف عن المقاومة. وهذا كان أهم أسباب عقد مثل تلك الاتفاقيات الاقتصادية المشتركة بنيوياً ووجودياً مع الاحتلال.
يمثل عمل علاء الصحفي محاولة كبيرة ومكثفة لسد الثغرات في المؤسسات الإعلامية الفلسطينية التابعة للسلطة وغير المحايدة، والتي تخضع لإملاءات الشروط السياسية والانحياز لمصالح الطبقة السياسية الحاكمة، حيث يعمل بكثافة من أجل نقل الوقائع على الأرض ضمن عمله الصحفي بدون تلك الارتباطات أو المعيقات، سواء حين يتعلق الأمر بانتهاكات الاحتلال أو انتهاكات السلطة الفلسطينية بحق المواطنين.
علاء الريماوي الذي تلقى الكثير من التهديدات على خلفية عمله الصحفي الحر وآرائه السياسية؛ تعرض للاعتقال بتاريخ ٣ تموز/ يوليو على خلفية شكوى ضده من وزارة الأوقاف بدعوى الخطابة يوم تشييع جثمان نزار بنات، في أحد مساجد محافظة الخليل بدون تكليف رسمي، بتهمة التعدي على مهام خطيب الجمعة المكلف من وزارة الأوقاف.
هذه التهم التي تبدو وكأنها مزحة سمجة تسببت في دخول علاء الريماوي لغرفة العناية المكثفة، إثر إعلانه الإضراب عن الطعام والشراب منذ اللحظة الأولى على اعتقاله، حيث لم يمضِ شهر على اعتقاله لدى الاحتلال الإسرائيلي الذي تبعه إعلانه حينها الإضراب عن الطعام والشراب؛ في سبيل إنهاء اعتقاله إدارياً لدى الاحتلال.
أما بالنسبة للتهم التي وجهتها له النيابة العامة بسبب القضايا المرفوعة عليه من قبل وزير الأوقاف ووزير الداخلية ورئيس الوزراء محمد اشتية بتعديه على مهام خطيب الجمعة، تم دحضها بشهادة الخطيب الذي قدم إفادته بذلك. فكما هو معلوم تعاني المؤسسة الدينية متمثلة بوزارة الأوقاف الفلسطينية من هيمنة السلطة عليها، مثلها مثل بقية المؤسسات الدينية في النظم القمعية العربية، حيث يتم تسليم خطب جمعة جاهزة معدة مسبقاً للاستعمال السياسي الداخلي، في حين رفض الناس للاستماع للخطبة المعدة وطلبوا من الريماوي أن يخطب فيهم في تشييع نزار بنات. وهذا مؤشر جيد في ظل حالة الخراب العامة التي تمس حريات الشعب الفلسطيني، ودليل أن من الشعب من يعرف أن يختار لمن يستمع وبمن يثق، وبأن الشعب الفلسطيني حي ولا يمكن إهانة ذكائه ولا قمع صوته، حتى لو وصل ذلك حد التصفية الجسدية كما حصل مع المعارض السياسي نزار بنات.
أما قياساً للفلسطيني الجديد الذي حاولت اتفاقيات السلطة الأمنية مع الاحتلال أن تستثمر فيه كي يتربى على عقيدة تقديس التنسيق الأمني وحفظ أمن دولة الاحتلال، فيعد علاء الريماوي كما غيره من المعتقلين السياسيين نموذجاً يشكل إزعاجاً كبيراً واعتراضاً لهذا المسار المتواطئ مع الاحتلال وجودياً، حيث يمثل كل ما يصدر عن الريماوي وكل من رفع صوته بكلمة "لا" الواضحة والقاطعة نموذجاً للفلسطيني العتيق جداً الذي يواجه الظلم والفساد والاحتلال بكل ما أوتي من فرص الوجود، ولا يدفعه اشتغاله على جبهة الاحتلال إلى التقاعس عن اشتغاله على جبهة محاربة الفساد الداخلي، حيث صار كل محارب للفساد الداخلي متهم من قبل شبيحة السلطة بأنه معادٍ للمشروع الوطني، وكأن المشروع الوطني مخرج طوارئ يلجأ إليه كل مبرر لانتهاكات الحقوق والحريات.
المطلوب اليوم من الدائرة الصحفية الفلسطينية الجامعة للصحفيين الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم أن يعلنوا انحيازهم للحق والحريات، وأن يصنعوا مواقفهم من الأحداث بشجاعة بعيداً عن الامتثال لمحاولات إرهاب وقمع الأجهزة الأمنية لأصواتهم. كذلك الأمر بالنسبة لكل حقوقي ومدافع عن
حقوق الإنسان، ولكل فلسطيني. فالمشهد الفلسطيني لا يحتمل انزواء أو مواربة المواقف والوجوه والأقلام، وكل كلمة مكتوبة أو صورة أو موقف ضد القمع والظلم سيشكل حتماً خطوة على مسار يقظة جيل يستطيع أن يقول "لا" للاحتلال والظلم السياسي والاجتماعي، في أي جغرافيا كانت وبكل الطرق والإمكانات. وأي ثمن سيدفعه الفلسطيني في سبيل ذلك لن يكون بفداحة ثمن الصمت الذي سيحول سجن أريحا ليكون بمثابة فرع فلسطين الثاني سيئ الصيت والسمعة والذي يديره النظام السوري لقمع معارضيه.