قضايا وآراء

المزاجيّة في التعاطي مع الدم العراقيّ!

جاسم الشمري
1300x600
1300x600
لا يمكن تصوّر شريعة سماويّة، أو منظومة قانونيّة، أو كيان بشريّ منتظم، يدعو لسفك دم الإنسان وقتله وتدمير كيانه؛ لأنّ الإنسان أفضل مخلوقات الله في الأرض، وهو الكائن الوحيد القادر على عمارة الأرض وتطويرها، ويمكنه كذلك تخريبها وتدميرها!

ومن هنا فكلّ دعوة تُبنى على قتل الإنسان، وسفك دمه، وإزهاق روحه بلا وجه حق وبعيداً عن الضوابط القانونيّة، هي دعوة باطلة ومليئة بالكراهية والتخريب.

وفي العراق هنالك الآلاف من ملفّات الغدر والموت المُدهشة التي كتبت بمداد دماء الأبرياء، وقد سجّلت الغالبيّة العامّة من هذه الجرائم ضدّ مجهول، ولكنّ الحقيقة المؤلمة أنّ القاتل أو الإرهابيّ ليس مجهولاً، بل هو المتسلّط المالك لأدوات القوّة والضغط على كافّة أركان الجريمة المنظّمة، ابتداءً من الضحيّة ومروراً بالأجهزة الأمنيّة وانتهاءً بالسلطة القضائيّة.
مع هذا الواقع المصبوغ بلون الدم والمطرّز بالرعب، هنالك اليوم مزاجيّة كبيرة في التعامل مع الدم العراقيّ، وتركيز على جانب من الكارثة، وتجاهل متعمّد لبقيّة أطراف الكارثة وضحاياه

ومع هذا الواقع المصبوغ بلون الدم والمطرّز بالرعب، هنالك اليوم مزاجيّة كبيرة في التعامل مع الدم العراقيّ، وتركيز على جانب من الكارثة، وتجاهل متعمّد لبقيّة أطراف الكارثة وضحاياها!

مَنْ يُريد أن يتباكى على دماء بعض العراقيّين يجب أن يتذكّر جميع المجازر التي ارتكبت في البلاد، ومنها المجازر التي أعقبت تفجير المرقدين في سامرّاء نهاية شباط/ فبراير 2006، ويذكر المذابح "الرسميّة" التي وقعت في ديالى والحويجة وغيرهما من المدن، قبل أن نصل إلى مرحلة "مجزرة سبايكر" وما تلاها من مجازر بشعة في الموصل والأنبار وغيرهما، والتي لم يعرف مصير الضحايا فيها حتّى اليوم، والذين تمّت تصفيتهم في وضح النهار، وأمام أنظار بعض الأجهزة الرسميّة، ومن قبل فصائل محدّدة من القوى الشرّيرة الطائفيّة.

تنامي ردود الفعل بسبب "مجزرة سبايكر" دفع بعض أهالي الضحايا لقطع طريق بغداد- تكريت يوم الاثنين الماضي، واعتدوا على أيّ سيارة تحمل لوحة محافظة صلاح الدين ومنعوها من دخول بغداد! ومع ذلك لم تحرّك الحكومة ساكناً!

تشير بعض الإحصائيات غير الرسميّة إلى مئات آلاف المغدورين عدا "سبايكر"، من الذين سحقوا في دهاليز القوى الحاقدة، ولا أحد يحاول معرفة مصيرهم منذ العام 2003!

وقد أكّدت العديد من المراكز المتعلّقة بحقوق الإنسان، ومنها المرصد الدوليّ لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان وغيره وجود أكثر من 8000 شخص مغيّب منذ العام 2014 في مدينة الموصل، وأكثر من 15.000 آخرين في محافظة صلاح الدين، وما لا يقلّ عن ألفي مغيّب في ديالى، وأكثر من ثلاثة آلاف ضحيّة في الأنبار!

وبمناسبة حلول الذكرى الخامسة للاختفاء القسري لما لا يقلّ عن 643 من الرجال والصبيان على أيدي مليشيات الحشد الشعبيّ، قالت لين معلوف، المسؤولة في منظّمة العفو الدوليّة، بداية حزيران/ يونيو 2021: "لم تصرّح السلطات العراقيّة حتّى الآن عن نتيجة التحقيق في حالات الاختفاء والانتهاكات التي ارتكبت أثناء عمليّة استعادة الفلوجة، تاركة الأسر في حالة مستديمة من عدم اليقين"!
رئيس حكومة بغداد مصطفى الكاظمي؛ أبلغ مجموعة من القيادات السُنّيّة بمعلومات كارثيّة عن المغيّبين الذين تمّ اختطافهم خلال العمليّات العسكريّة عام 2015

ومع كلّ هذه الحقائق الدامغة، ومراحل الانتظار والترقّب لمصير المغيّبين، وفي تطوّر خطير ومهمّ أكّد رئيس البرلمان الأسبق محمود المشهداني ليلة السابع من حزيران/ يونيو 2021؛ أنّ رئيس حكومة بغداد مصطفى الكاظمي؛ أبلغ مجموعة من القيادات السُنّيّة بمعلومات كارثيّة عن المغيّبين الذين تمّ اختطافهم خلال العمليّات العسكريّة عام 2015!

وتلميحات المشهداني المليئة بالحذر تؤكّد مقتل كافّة المغيّبين، وأنّ الحكومة تعرف الجهات المنفّذة لتلك الإبادة الجماعيّة، ولهذا قال المشهداني: "لا أريد الحديث عن هذه المأساة، وعلى الكاظمي أن يبلّغ العوائل بشكل رسميّ، وهو يعرف الجهات التي غيّبتهم"!

وبعيداً عن الخوض في حيثيّات الجرائم البشعة والبعيدة عن الأطر الإنسانيّة نقول إنّ أهمّ واجبات الحكومة هو بسط الأمن وزرع الطمأنينة، وبناء مجتمع صحّيّ متماسك ومتآلف، ولا يمكن أن تُبنى الدولة بناءً سليماً عندما تتهاوى هيبة السلطة المركزيّة!

مزاجيّة التعامل الرسميّ، السياسيّ والإعلاميّ، مع دماء المغدورين على أساس المذهب جزء من المؤامرة على الوطن والإنسان!

والحكومات الناضجة والقوى السياسية الحكيمة ينبغي ألا تفرّق بين دماء الأبرياء فكلّ مواطن تسيل قطرة من دمه دون وجه حقّ يجب التعاطف معه، والتعاطي مع قضيّته وكأنّها قضيّة وطن، وليس قضيّة شخص من مذهب ما، أو طائفة ما، أو حتّى دين ما!

فمتى تستوعب الحكومات بأنّها يفترض أن تكون فوق الطائفيّة، وأن تكون لكلّ المواطنين؟

twitter.com/dr_jasemj67
التعليقات (1)
ابتسام الغالية
السبت، 19-06-2021 09:21 ص
المزاجية هي العنوان الأبرز في المشهد العراقي هي من ضمن المخلفات الدخيلة التي أتى بها من دخل مع المحتل بعد العام 2003. أصبحت المزاجية منتشرة في كل مفاصل الحياة العراقية!!!! المزاجية بالتعامل المزاجية بأحقاق الحق المزاجية بالانصاف المزاجية بالتعيين المزاجية بسن القوانين المزاجية بالتدين ومن ضمن المزاجية كما تفضلت به دكتور في التعاطي مع الدم العراقي والى آخره من مزاجيات!!!!!! مع الأسف هذا الدم الذي كان لايراق إلا بساحات الوغى من أجل الأرض والعرض أصبح مباح لكل من أعتنق الطائفية مذهبا بأراقته دون رادع ودون وازع ديني أو أخلاقي. أن شاءالله لايضيع دم مسلم بريء ربنا يمهل لكن لايهمل وعلينا أن نؤمن بأنه من قتل يقتل ولو بعد حين . كل التوفيق لك دكتور جاسم الشمري.