هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تبرز عبر بعض وسائل الإعلام
العربي كتابات تساوي بين حماس وإسرائيل، بل إن بعض هذه الكتابات العربية تشعرك وكأن
حماس هي إسرائيل وإسرائيل هي الحق والنور.
وإن دققنا في هذه الكتابات المكتوبة بأقلام
عربية والتي تدعمها أنظمة عربية تقوم أجندتها على التطبيع المفتوح، سنجد الكثير
منها تبسيطيا، سطحي النزعة، لا يعي طبيعة الوضع في فلسطين أم في غزة، كما ولا يعي
طبيعة المواجهة مع الصهيونية لا من قريب أو بعيد. لتلك الأقلام حرية الكتابة
بالطبع، لكنها تعيش في عالم من صنع خيالها بعزلة كاملة عن الأوضاع على الأرض في
الواقع الفلسطيني والعربي أو حتى الدولي.
إن تبسيط تاريخ الصراع مع الصهيونية وتسطيح
الواقع يتحول، بقصد أو بدون قصد، لخدمة الصهيونية، فالعنصرية التي تميز خطابات
ولغة نتنياهو وقادة إسرائيل هي التي تميز اليوم بعض الكتاب العرب. هم حتما أحرار،
لكن المخادعة في طرح لغة العدو لن تفيد لأنه سرعان ما تنكشف تماما كما كشفت
الأحداث الأخيرة حول الأقصى وغزة وبقية فلسطين مدى هشاشة لغة العدو ووضعه. في بعض
الحالات أنصح القارئ بعمل تجربة. أن يمسح اسم الكاتب العربي ويمسح الاسم العربي
للصحيفة التي كتب فيها المقال ثم يقوم بقراءة المقال بتجرد. سيجد أن الكاتب متطابق
مع تصريحات اليمين الإسرائيلي. حتما هناك خطأ عندما تجد أن لغتك عن المقاومة وعن
حماس تتساوى وتتطابق مع إسرائيل واليمين الإسرائيلي. هذا يثير الكثير من الأسئلة
في أدنى تقدير.
لكن من قال إن تبني لغة العدو شيء جديد؟ في
فيتنام في عز تحررها، وفي الجزائر في عز معركتها برزت دائما أصوات أقرب لصوت
العدو، وهي أصوات ركزت على إفقاد الشعب ثقته بنفسه وبقضاياه التي يناضل من أجلها.
تلك المواقف تنم عن نظرة تحتقر الجماهير والشعوب وحقوقها، وتعظم القوة والتماهي مع
الغرب والاستعمار السلطوي. لقد كتب فرانز فانون كتابا قيما أصبح من الكتب
الكلاسيكية في تحليل الظاهرة: ذوي البشرة السمراء والأقنعة البيضاء. ولو حملنا ذات
التعبير للحالة العربية سنجد بشرة عربية مغمسة بأقنعة إسرائيلية.
تلك المدرسة تتماهى مع إسرائيل والتكنولوجيا
والعلوم الإسرائيلية، لكنها تغض النظر عن العنصرية الإسرائيلية وسياسة التطهير
العرقي والأبارتهايد السائد في قوانينها وبنيتها، بل وتغض النظر عن الظلم الذي
تنشره إسرائيل محملة العرب والفلسطينيين مسؤولية الاحتلال والاستيطان. إن السعي
لقلب الحقائق التاريخية والوقائع الراهنة لن ينجح في استغفال أمة وشعوب العرب.
حركة حماس حركة سياسية وحركة تحرر برزت منذ
عام 1988 أي أثناء الانتفاضة الثانية، وهي حركة تطورت وتغيرت مع الوقت، لتصبح
المعبر عن منهجية الكفاح المسلح في الساحة الفلسطينية. ولم تأت منهجية الكفاح
المسلح في الساحة الفلسطينية من فراغ بل من جراء العنف الإسرائيلي اليومي ضد الشعب
الفلسطيني والمستمر منذ النكبة وما قبل النكبة عام 1948. وبالتحديد تمثل قوات كتائب
القسام قوة عسكرية وطنية لفلسطين، كما أن شبانها مناضلون تاريخيون في الشأن
الفلسطيني بأكثر من كونهم حماس أو غيرها. فمن انضم من الشبان لكتائب القسام انضم إليها
بسبب قدرتها على إيلام العدو وليس بسبب إيديولوجية حماس ذات الطابع الإسلامي.
شيطنة حماس الهادف لطمس إيجابياتها وتعظيم
أخطائها، عمل مقصود يصدر عن أجهزة المخابرات الإسرائيلية، كما ويصدر عن أجهزة
الخارجية الإسرائيلية، وليس من الصدفة أن بعض العرب الذين آمنوا بالتطبيع من الباب
الواسع يتبنون الرؤى الإسرائيلية الصهيونية في ذات الشيطنة. لكن هذا لن ينفع،
فحماس فصيل مقاوم، وقد استطاع في أسابيع قليلة في معركة «سيف القدس» كسر حالة
الشيطنة التي عمل عليها قطاع من العرب.
حماس نتاج للاحتلال الإسرائيلي ونتاج للنكبة،
يكفي أن نذكر بأن 90 في المئة من سكان غزة من اللاجئين الفلسطينيين، وأن حماس عبرت
عن سعي اللاجئين للعودة لوطنهم. بل وفي ظل سعي السلطة الفلسطينية للتفاوض على أراض
تزداد اختفاء بل وفي ظل عدم مقدرتها الخروج من المستنقع الذي وضعتها إسرائيل فيها،
سيكون من الطبيعي أن تملأ حماس الفراغ وذلك بهدف مقاومة العدو وتثبيت موازين جديدة
في مواجهة الصهيونية.
إن الحملة لشيطنة حماس هي حملة لإبراز إسرائيل
كدولة مسالمة، بينما في الواقع هي دولة عنيفة ودولة عنصرية ودولة أبارتهايد قائمة
على سرقة أراضي الغير. حتى الجامعة العبرية في قلب القدس الغربية قامت على أراض
مسروقة من الفلسطينيين، وكذلك جامعة حيفا وجامعات يهودية عدة. إن للاستغفال حدودا،
والشعوب العربية اليوم أكثر وعيا، بل يكفي أنه رغم كل أنواع الشيطنة استوعبت مصر
في الآونة الأخيرة ضرورة التفاهم مع حماس والتعامل معها كحركة مقاومة قادرة، من
قلب الميدان، التأثير على موازين القوى.
(نقلا عن القدس العربي)