صحافة دولية

ما هي عقيدة "بار كوخبا" التي طبقتها "إسرائيل" ضد إيران؟

 نفذت "إسرائيل" مجموعة من الإجراءات لكبح جماح مشروع إيران النووي- جيتي
نفذت "إسرائيل" مجموعة من الإجراءات لكبح جماح مشروع إيران النووي- جيتي

نشر موقع "المعهد الإسباني للدراسات الإستراتيجية" دراسة تحدث فيها عن العوامل التي أعاقت إسرائيل عن تنفيذ مبدأ بيغن ضد إيران، واستبداله بعقيدة "بار كوخبا".

وقال الموقع في الدراسة التي ترجمتها "عربي21"، إن "إسرائيل" قصفت سنة 1980 مفاعلا نوويا قيد الإنشاء في العراق، ثمّ موقعا سوريا مماثلا بعد مرور 27 سنة، ضمن ما يعرف بمبدأ بيغن، أي شن هجمات استباقية تهدف إلى كبح النشاط النووي للدول المعادية لإسرائيل في المنطقة. 

في الواقع، تعيش "إسرائيل" اليوم تحت التهديد المستمر الذي يمثله تطور النشاط النووي في إيران، وقد فكّرت بعض الأطراف بتطبيق مبدأ بيغن مع طهران، إلا أن هناك العديد من العوائق التي تجعل هذا الأمر مستحيلا. 

وقد نفذت "إسرائيل" مجموعة من الإجراءات لكبح جماح مشروع إيران النووي، والتي أطلق عليها المعهد في تقريره اسم "عقيدة بار كوخبا". 

وقد بدأت "إسرائيل" تنظر لإيران كتهديد وجودي منذ الثورة الإسلامية سنة 1979. في الواقع، لا يشكّل الخيار النووي السلمي تهديدا لأي دولة، لأن استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية أمر معترف به دوليا وفقا لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. فلماذا يُنظر إلى إيران بشكل عام وبرنامجها النووي بشكل خاص على أنهما تهديد لإسرائيل؟

مخاوف دول المنطقة

هناك ثلاثة عوامل أساسية جعلت من النوايا الإيرانية موضع شكوك، وهي التهديدات الموجهة ضد الدول الأخرى، وإخفاء برامجها النووية عن المجتمع الدولي، فضلا عن تطوير برنامج صواريخ قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى. 

بمعنى آخر، إذا كانت إيران تهدف أساسا لتوفير طاقة نووية لأغراض غير عسكرية، فلماذا تهدد جيرانها باستمرار وتخفي منشآتها النووية وتقوم بتطوير الصواريخ البالستية.

 

اقرأ أيضا: "الطاقة الذرية": إنتاج إيران النووي تراجع بعد "حادث نطنز"

تسبب كل ذلك في إثارة مخاوف دول مثل المملكة العربية السعودية والكويت وقطر والإمارات والبحرين، وبالطبع "إسرائيل"، تجاه البرنامج النووي الإيراني، وهو الأمر الذي اتضح سنة 2002 عندما كشف منشقون إيرانيون عن وجود برنامج نووي سري. 

عوامل لوجستية تعيق أي هجوم ضد إيران

ترتبط أهم العوامل التي تعيق أي هجوم ضد إيران ارتباطا وثيقا بالجغرافيا وخاصة الامتداد الشاسع لإيران والمسافة الكبيرة التي تفصلها عن "إسرائيل". تبلغ مساحة إيران 1.68 مليون كيلومتر مربع، وهي ثاني أكبر دولة في الشرق الأوسط بعد المملكة العربية السعودية. يسمح ذلك بانتشار المنشآت النووية على مساحة شاسعة، وهو أحد مكامن الصعوبة في حال أي هجوم جوي. 

علاوة على ذلك، تعتبر الأراضي الإيرانية وعرة للغاية، حيث تنتشر فيها الجبال، ومن بينها جبال ألبرز وسلسلة الجبال الشرقية الوسطى وجبال زاغروس. تقع الكثير من المنشآت النووية الإيرانية في قلب هذه السلاسل الجبلية، مما يجعل الهجوم الجوي أكثر صعوبة. كما أن المسافة الفاصلة بين "إسرائيل" وإيران تعدّ مشكلا حقيقيا للطائرات الحربية الإسرائيلية، خاصة إذا كانت محملة بقنابل ثقيلة أو خزانات وقود إضافية. 

صعوبة تدمير المواقع النووية 

بالإضافة إلى العوامل اللوجستية، توجد عوامل أخرى تعيق تطبيق مبدأ بيغن ضد إيران، وقد وضّحها عاموس يادلين، رئيس الأركان الإسرائيلي السابق والطيار المشارك في عملية الأوبرا. 

أبرز هذه العوامل هو أن العملية المحتملة تطرح سلسلة من المخاطر التي تعقد تنفيذها. بشكل أساسي، يمكن لإيران أن تحمي هذه الأهداف، باعتبارها بنى تحتية حرجة، باستخدام الدفاعات المضادة للطائرات. بالإضافة إلى ذلك، يقبع جزء كبير من المرافق، مثل ناتانز، تحت الأرض، وهي محمية بطبقات خرسانية مسلحة، مما يجعل تدميرها صعبا للغاية.

كما تعد المخاطر والعواقب السياسية من بين العوامل التي تحمي إيران من الهجمات الإسرائيلية. منذ بضع سنوات، أطلقت إسرائيل حملة دبلوماسية لتعزيز سمعتها الدولية، وبفضل السياحة ومسابقة الأغنية الأوروبية والمسلسلات التلفزيونية وإدارة أزمة كوفيد-19، تحسنت صورة إسرائيل بشكل كبير على المستوى الدولي. وفي الظرف الراهن، قد تؤدي أي ضربة استباقية إلى تدهور صورة "إسرائيل" وربما تؤدي إلى إدانات دولية وعقوبات وقطع علاقات دبلوماسية.

عقيدة بار كوخبا

في الحقيقة، يعد الخيار العسكري ضد إيران معقدا للغاية ومليئا بالعقبات، وقد نصحت هيئة الأركان الإسرائيلية سنة 2011 نتنياهو بعدم اللجوء إلى هذا الخيار. ولكن هذا الأمر لا يعني أن "إسرائيل" سوف تبقى مكتوفة الأيدي لأن هناك خيارات أخرى يمكن أن تعرقل البرنامج النووي الإيراني.

تشكل هذه الإجراءات التي بدأ اعتمادها منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة سنة 2009 ما يمكن تسميته بعقيدة بار كوخبا، والتي سوف تتمحور حول الأهداف الأربعة التالية: المنشآت التي يتكون منها البرنامج النووي، وأنظمة الكمبيوتر التي تشغّل هذه المرافق، والعلماء الذين يصممون البرنامج ويديرونه، والمنشآت الإيرانية الموجودة في الخارج.

في هذا الصدد، تعد الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية الركيزة الأولى لعقيدة بار كوخبا. تتوفر اليوم معلومات جزئية عن المنشآت التي يتكون منها البرنامج النووي الإيراني. وقد تركزت الأعمال التخريبية والهجمات السريّة ضد المنشآت النووية الإيرانية بشكل أساسي في فترتين زمنيتين مختلفتين، الأولى بين عامي 2011 و2014، والثانية بين عامي 2020 و2021.

خلال الفترة الأولى، شنت "إسرائيل" هجمات على مراكز التخصيب في فوردو ونطنز، ومراكز تحويل اليورانيوم في مدينة أصفهان. كما وقعت هجمات ضد مراكز تطوير الصواريخ في بارشين وطهران.


إلى جانب هذه الحوادث، وقع خلال هذه الفترة انفجار في ثكنة للحرس الثوري أدى إلى مقتل 17 شخصا، بينهم حسن مقدم، المشرف على برنامج الصواريخ الإيرانية. 

بين سنتي 2014 و2020، توقفت الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية، وقد تراجعت حدة التوتر بعد أن وعدت إيران بتجميد برنامج التخصيب وقامت بالتوقيع على الاتفاق النووي. لكن "إسرائيل" لم تتوقف تماما عن جهودها لتعطيل برنامج إيران النووي، بل على العكس تماما.

 

اقرأ أيضا: الاحتلال يدرس تغيير السياسة الأمنية تجاه إيران.. لماذا؟

في سنة 2018، صادر عملاء الموساد وثائق عُرفت باسم "تقرير أماد" أثبتت أن نوايا إيران فيما يتعلق بالبرنامج النووي لم تكن سلمية على الإطلاق، وقد عزز هذا التقرير موقف الرئيس ترامب بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي.

وبعد عامين من نشر تقرير أماد، تعرضت إيران مرة أخرى لهجمات على منشآتها النووية. وفي هذه الفترة الثانية، لم تختلف الأهداف كثيرا، وكانت معاهد البحوث النووية ومراكز تخصيب اليورانيوم وتطوير الصواريخ ومنشآت التخزين هدفا لهذه الهجمات التخريبية.

استهداف أنظمة الكمبيوتر 

في صيف سنة 2010، أبلغت شركة البرمجيات البيلاروسية "فيروس بلوك أدا" عن وجود فيروس كمبيوتر يسمى "ستوكسنت". يؤثر الفيروس على أنظمة سكادا للتحكم في العمليات الصناعية ومراقبتها، ويستهدف البنى التحتية الحيوية. 

تحتوي هذه "الدودة" على مجموعة جذرية تسمح لها بالاختفاء أثناء إعادة برمجة الأنظمة. ورغم أن هذا النوع من فيروسات الكمبيوتر شائع جدا، إلا أن هناك ما يعزز الشكوك في أن ستوكسنت قد يكون جزءا من عقيدة بار كوخبا.

وقد أشارت عدة شركات متخصصة في مكافحة الفيروسات، مثل سيمانتك، إلى أن ستوكسنت لا يمكن اعتباره سلاحا إلكترونيا فقط، ولكن أداة تدمير قد تقف وراءها عدة دول. وأضافت شركات البرمجيات معلومة أخرى، وهي إمكانية دخول "الدودة" في محطات الطاقة باستخدام وحدة الذاكرة الفلاشية، وهو ما يشير إلى تورط استخبارات أجنبية.

تأثر ما مجموعه 62867 جهاز كمبيوتر في إيران ببرنامج ستوكسنت، وتحديدا في منشأة بوشهر النووية ومركز نطنز لتخصيب اليورانيوم. سيطرت هذه "الدودة" على 983 جهاز طرد مركزي ومثّل ذلك انتكاسة كبيرة لبرنامج إيران النووي.

في نيسان/ أبريل 2011، عندما كانت تعاني تبعات هجوم ستوكسنت، حذرت طهران من وجود برنامجين ضارين جديدين، وهما دوكو وستارتس. وقالت السلطات الإيرانية آنذاك إن هذين الإصدارين من ستوكسنت لم يكونا يهدفان إلى إعادة برمجة الأجهزة، بل جمع المعلومات لفائدة استخبارات بلد أجنبي. 

ومن المرجح أن تلك المعلومات التي حصلت عليها دوكو وستارتس، سمحت فيما بعد بتنفيذ إجراءات عقابية أخرى ضد إيران.

وفي سنة 2012، اكتشفت إيران وجود برنامج ضار رابع يدعى فلام. لم يقم هذا الفيروس بجمع المعلومات فحسب، بل قضى على الفيروسات الأخرى، مما جعل اكتشافه أمرا مستحيلا. بسبب هذه الخاصية، يُرجح أن فلام كان موجودا في الأجهزة الإيرانية منذ سنة 2008، وأنه كان بوابة لبقية الفيروسات.

وبسبب العمل المنسق لهذه الفيروسات الأربعة، تأخر برنامج إيران النووي لمدة تصل إلى عامين.

العلماء الذين يصممون البرنامج ويديرونه

الركيزة الثالثة لعقيدة بار كوخبا تتمثل في القضاء على كبار العلماء المسؤولين عن تطوير برنامج إيران النووي والصاروخي. حدثت معظم الهجمات خلال الموجة الأولى من الحوادث في محطات الطاقة النووية، وخلال فترة الهجوم الفيروسي، أي بين سنتي 2010-2012.

جميع العلماء الذين قُتلوا كانوا يعملون إما في برامج تخصيب اليورانيوم أو في برامج تطوير الصواريخ، باستثناء فريدون عباسي ومحسن فخري، وكلاهما كان يعمل على البرنامجين في الآن ذاته، وهو ما يُرجّح أنهما العقلان المدبران لمشروع إيران النووي.

المنشآت والتحالفات الإيرانية في الخارج

تتمثل الركيزة الرابعة التي تقوم عليها عقيدة بار كوخبا في القضاء على المنشآت العسكرية الإيرانية في الخارج، وتحديدا الدعم المقدم لحماس بالإضافة للميليشيات الموالية في سوريا ولبنان. هذا الدعم هو جزء من العقيدة الأمنية الإيرانية التي تحاول نقل الحرب إلى أقصى حد ممكن من أراضيها لتجنب سقوط ضحايا. فيما يتعلق بغزة، منذ سنة 2009، تقوم إيران بتزويد حركة حماس بالأسلحة.

ولمنع إيران من استخدام غزة كنقطة هجوم ضد "إسرائيل"، نفذ الجيش الإسرائيلي ما لا يقل عن 4 عمليات بحرية كبرى لاعتراض الدعم اللوجستي الإيراني لحركة حماس. 

وفي حالة سوريا، فإن الوضع أكثر إثارة للقلق بالنسبة لإسرائيل، حيث تضاعف عدد العمليات ضد أهداف إيرانية في السنوات الأخيرة، حتى وصلت إلى 100 هجوم إسرائيلي على الأراضي السورية لوقف الإمدادات الإيرانية. 

كل هذه الحوادث جزء من الركيزة الرابعة لعقيدة بار كوخبا، لأنها تساعد في كبح التهديد العسكري والنووي الذي تشكله إيران، حيث تعتبر حماس وحزب الله، بالإضافة إلى المجموعات الموالية في غزة ولبنان وسوريا، جزءا أساسيا من استراتيجية إيران الأمنية.

 

اقرأ أيضا: هآرتس: لماذا لم يدمر نتنياهو المشروع النووي الإيراني؟

وحسب الموقع، من المستحيل اليوم تطبيق عقيدة بيغن ضد إيران، رغم أن طهران تمثل على الأرجح التهديد الأكبر الذي عانت منه إسرائيل في العقود الأخيرة، وإذا امتلكت أسلحة نووية فمن المرجح أن تستخدمها ضد تل أبيب.

ويرى التقرير أن بقاء "إسرائيل" واستقرارها الإقليمي يعتمدان إلى حد كبير على التطبيق الناجح لعقيدة بار كوخبا. وإن كان صحيحا أنه لا توجد دولة أخرى في الشرق الأوسط تشارك بشكل مباشر في هذه الاستراتيجية، فجميع هذه الدول تستفيد من تنفيذها.

وتعد كل من عقيدة بار كوخبا، والحملة الدبلوماسية التي انتهت بتطبيع العلاقات مع عدد من الدول العربية، جزءا من استراتيجية أكبر يمكن أن تُنسب إلى رئيس الوزراء نتنياهو والتي تهدف في الأخير إلى تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع كل دول المنطقة، وهي السياسة التي تقف إيران عائقا رئيسيا أمامها، وفقا لتقرير الموقع الإسباني.

التعليقات (0)

خبر عاجل