هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، تقريرا حول حالة التشظي والتشتت داخل الاحتلال الإسرائيلي، بسبب الخلافات السياسية.
وقال الموقع إن "إسرائيل تقف على شفا جرف هاو، بينما يسعرّ أنصار نتنياهو نيران الكراهية".
وأضاف أن "الإسرائيليين يخشون من أن تكون بلادهم قد عادت لتعيش الأيام التي سبقت اغتيال رابين بينما يسعى رئيس الوزراء المنتهية ولايته بشتى الطرق للبقاء في السلطة".
وفي ما يأتي الترجمة الكاملة للتقرير:
إذ تتضاءل سريعاً فرصه في البقاء في السلطة، قرر بنيامين نتنياهو يوم الأحد أن يلوذ بالكتاب المقدس.
فراح يذكر الإسرائيليين بأن أعداء موسى ابتلعتهم الأرض وهم على قيد الحياة عقاباً لهم على محاولة الإطاحة بالنبي وعلى سد الطريق في وجه رسالة الإله إلى الناس.
كانت تلك كناية مرعبة عن أولئك الذين سعوا نحو استبدال رئيس الوزراء بعد مكوثه اثني عشر عاماً في منصبه، وجاءت في وقت وصل فيه التوتر السياسي أوجه، لدرجة أن المسؤولين الأمنيين في إسرائيل باتوا يتحدثون علانية عن إمكانية وقوع اغتيالات.
لم يعد الوقت في صالح نتنياهو الذي يضفي عليه أنصاره لقب "الملك بيبي" ويصورونه على أنه موسى العصر الحديث. لديه حتى يوم الأحد حتى يحول دون "حكومة التغيير" بزعامة نفتالي بينيت ويائير لابيد والفوز بتصويت البرلمان على الثقة بها.
لو أفلحت تلك الحكومة بالفوز بثقة البرلمان نهاية هذا الأسبوع فلسوف تحكم متمتعة بأضيق الهوامش. فهي مزيج عجيب من الأحزاب التي تجمع اليسار مع اليمين والعلماني مع الإسلامي، ومع ذلك بالكاد تمكنت من الوصول إلى عتبة الواحد وستين مقعداً التي تحتاجها حتى تتمكن من التأهل لاستلام السلطة.
ومع بقاء بضعة أيام فقط على موعد التصويت، يعمل نتنياهو وأنصاره على زيادة الضغط على الائتلاف القادم إلى السلطة رجاء التمكن من إحداث تصدعات داخله حتى قبل الورود على البرلمان لأخذ الثقة. وبات تعصب أنصاره خطراً محدقاً للبلاد ينذر بتحويلها إلى أرض محروقة حتى بعد أن يتم خلعه من السلطة.
خلال أسبوع واحد، استشهد رئيس الوزراء بالتوراة مرتين لكي يتحدث عن غضب الرب وعن الغدر بالأنبياء، وعن الجواسيس الذين أضعفوا روح الشعب في زمن نزول التوراة.
رغم أن نتنياهو كان يتحدث عن حكايات موغلة في القدم إلا أن مفاد رسالته كان القول بوضوح إن منافسيه المعاصرين "خونة" غدروا بشعب إسرائيل تماماً كما ورد النص عليه في التوراة.
كما أنه وصف بينيت "بالمدمن على الكذب" وانتخابات مارس/ آذار بأنها "أكبر احتيال في تاريخ البلد"، وهاجم بشدة ما يسمى بالدولة العميقة في إسرائيل لدفعها نحو الأمام بحكومة خطيرة ذات توجه يساري يساندها أنصار الإرهاب.
في تلك الأثناء ناشد بينيت نتنياهو بأن "يتنحى ويسمح لإسرائيل بالمضي قدماً" بينما أصدرت وكالة الأمن الداخلي في إسرائيل، والتي تعرف باسم شين بيت، تحذيراً غير مسبوق بوجود تحريض واسع الانتشار عبر مواقع التواصل الاجتماعي من شأنه أن يفضي إلى وقوع اغتيالات سياسية.
تقارن الأجواء الحالية، بما فيها من تحريض وتصريحات عنيفة واحتجاجات لا هوادة فيها ضد الحكومة التي لم تؤد يمين القسم بعد، وتدوينات مواقع التواصل الاجتماعي واللغة المحتدمة الصادرة عن المعسكر السياسي لنتنياهو، بتلك الأجواء التي شهدتها الأيام التي سبقت الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1995 عندما وقعت عملية اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في تل أبيب.
اقرأ أيضا: جنرال إسرائيلي يشكك في القدرة على خوض حرب متعددة الجبهات
اليمين في مواجهة اليمين
إلا أن الأمور تختلف هذه المرة عما كانت عليه الأوضاع في عام 1995.
فالتوترات السياسية المحلية في إسرائيل ليست بين اليمين واليسار، وإنما هي ناجمة عن انفصام داخل معسكر التيار اليميني. ما لبث هذا الانقسام ينمو خلال الانتخابات الأربعة التي أجريت منذ شهر إبريل/ نيسان 2019، وفاقم منه إخفاق زعماء إسرائيل في تشكيل حكومة قادرة على إدارة شؤون البلاد.
وعلى الرغم من أن أنصار نتنياهو يهاجمون بينيت وأعضاء البرلمان من حزب يمينا الذين يتزعمه، إلا أنهم جميعاً يؤمنون بنفس القضايا: بناء المستوطنات وضم الضفة الغربية وتقويض القضاء والتفوق العرقي لليهود على المواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل. بات الطرفان الآن أبعد ما يكونان عن بعضهما البعض وكأن مجرات كونية تفصل بينهما.
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال المحلل والخبير بالشؤون الإسرائيلية ميرون رابوبورت: "لقد بات التحريض عدوانياً جداً، جداً. إلا أن المثير للاهتمام أن خطاب الاستقطاب هذا ولج إلى معسكر اليمين نفسه، ولم يعد الأمر فقط بين اليمين واليسار، كما تعودنا عليه من قبل".
كان بينيت، رجل الأعمال في قطاع التقنيات العالية والصقوري المنتمي إلى تيار اليمين الذي يعارض قيام دولة فلسطينية ويدعو إلى الضم، قد دخل السياسة في عام 2006 من خلال مكتب نتنياهو، حيث عمل رئيساً لديوانه حتى عام 2008. إلا أن العلاقة المتدهورة بينهما راحت في ما يبدو تزيد من الاستقطاب والتحريض اللفظي في إسرائيل بدلاً من أن تسهم في تهدئة الأمور.
وفي ذلك يقول رابوبورت: "نظراً لأنهما ينحدران من نفس معسكر التيار اليميني وكانا مقربين من بعضهما البعض، فإن السخط والإحساس بالتعرض للغدر يتفاقم ويبلغ التحريض مداه. يظن نتنياهو أن العنف هو سبيله الوحيد للبقاء في السلطة، فينعت بينيت بالخائن، ويهدد هو وأنصاره بقتل أعضاء البرلمان (الكنيست)، وكل هذا الاستقطاب يبقى داخل معسكر اليمين".
وكانت حسابات نجل نتنياهو، يائير، في إنستغرام وتويتر، قد أغلقت بشكل مؤقت بعد أن نشر عبرهما عنوان منزل نير أورباخ، عضو البرلمان عن حزب يمينا، رجاء أن يتدفق عليه المحتجون ويضغطوا عليه حتى يتخلى عن حكومة بينيت.
وتعرض أورباخ لهجوم شديد من قبل بيزاليل سموتريتش من حزب الصهيونية المتدينة، وهو حزب يميني متطرف يطالب بدولة يهودية متجانسة، متهماً إياه بالوقوف إلى جانب "حكومة ذات توجه يساري يساندها أنصار الإرهاب"، مشيراً إلى شريك الائتلاف "رعام"، وهو مصطلح يرمز إلى المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل.
واتهم سموتريتش، بلا حجة أو أساس، أورباخ بأنه يخطط لإخراج المستوطنين من المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية.
المحفز هو السلطة
لم تمض هذه التصريحات دون ملاحظة من قبل المؤسسة الأمنية في إسرائيل.
فيوم الأحد اتخذ جهاز الشين بيت قراراً غير مسبوق بتخصيص حرس أمني لأورباخ وكذلك لعضو برلماني اخر عن حزب يمينا هي إديت سيلمان. وكان الجهاز قد وفر في الأسبوع الماضي حماية لبينيت وللشخصية الثانية في حزب يمينا أياليت شاكد، بسبب تزايد ما وردهم من تهديدات بالقتل.
وقال رئيس جهاز الشين بيت ناداف أرغمان: "لقد لاحظنا مؤخراً ارتفاعاً متزايداً في الخطاب الذي يدعو إلى العنف الشديد وإلى التحريض، وخاصة عبر شبكات مواقع التواصل الاجتماعي".
وأضاف: "قد يفسر مثل هذا الخطاب في أوساط مجموعات معينة أو أفراد معينين على أنه تصريح بممارسة العنف والنشاط غير القانوني الذي قد يفضي إلى الأذى البدني."
يقول إيال تشوارز، المحاضر في النظرية السياسية في جامعة تل أبيب ومؤلف كتاب بعنوان "الفلسفة السياسية للصهيونية" إن السياسة في إسرائيل باتت الآن تنحصر في سؤال واحد: هل أنت مع نتنياهو أم ضده؟
ويضيف تشاورز في تصريح لموقع ميدل إيست آي: "هذا هو السؤال الآن وليس قضية السلام ولا المستوطنات ولا التنازل عن الأراضي (لصالح الفلسطينيين) .... فهذه قضايا لم تعد ذات بال الآن. كل من ينافس ضد نتنياهو يتم تصويره على أنه عدو وعلى أنه غير شرعي".
في عام 1995، كان رابين الهدف الوحيد لسخط التيار اليميني حينما وقع على اتفاقيات أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، وهي الاتفاقيات التي بشرت، ولو لبرهة قصيرة، بإمكانية ضمان الدخول في عهد من الأمل والسلام.
وكان آرييل شارون، من حزب الليكود، قد قال لوسائل الإعلام أثناء احتجاج تم تنظيمه ضد اتفاقيات أوسلو في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1995، فقط قبل أيام من مقتل رابين على يد قومي متطرف، إن رئيس الوزراء كان "رجلاً ضعيفاً، رجلاً تنازل ليس فقط عن العناصر الأساسية للصهيونية، بل رجلاً قدم أسوأ تنازلات واستسلم أمام المنظمات الإرهابية." كما وجه نتنياهو ضد رابين عبارات تحقيرية ورفض إدانة أولئك الذين هددوا رئيس الوزراء، وذلك حينما كان يخاطب تجمعاً جماهيرياً قبل وقوع جريمة القتل.
رغم أن الإسرائيليين يقارنون هذه الأوقات بتلك الأيام التي سبقت مقتل رابين، يقول تشاورز إن الأذى البدني اليوم والتحريض قد يكون أوسع انتشاراً ويطال المحامين والصحفيين والقضاة وأعضاء البرلمان.
ويقول تشاورز: "إن اللغة العنيفة المستخدمة اليوم هي من خصائص أنظمة الحكم السلطوية. وأول هذه الخصائص هي نزع الشرعية عن أي شخص تكون لديه أيديولوجية مخالفة وتحويل المعارضين السياسيين إلى متهمين وتصويرهم على أن لديهم نوايا سوداوية وعلى أنهم لا يأبهون بالشعب. وقد ينال ذلك شخصاً سياسياً أو صحفياً أو حتى قاضياً".
ويضيف: "والخاصية الثانية هي الادعاء بأن حزباً واحداً هو الذي ينطق باسم الشعب، فتجد أتباع ذلك الحزب ينصبون أنفسهم ممثلين أصيلين للشعب بينما ينزعون الشرعية عمن سواهم".
ويمضي قائلاً: "يعتبر حزب الليكود، ونتنياهو بشكل خاص، أنه الشخص الوحيد الذي يعبر حقيقة عن إرادة ومصالح وقيم الشعب في إسرائيل، وهذا هو جوهر استخدام السلطوية للغة. فالمحفز الأساسي هو السلطة وكل من يقف في طريقها فهو شخص يستحق المهاجمة".
الدعم الديني
ليس أعضاء البرلمان من منتسبي التيار اليميني المتشدد وحدهم من يحدثون ضجيجاً خطيراً بالنيابة عن نتنياهو.
بل لقد دعا الحاخامات من التيار الديني المتشدد، والذين يعتبرون الزعماء الروحيين للأحزاب اليمينية، أتباعهم إلى "محاولة فعل كل ما في وسعهم من أجل الحيلولة دون أن تتشكل حكومة ائتلاف بينيت ولابيد".
وكتب الحاخامات في بيان صدر عنهم يوم السبت قائلين: "تسير هذه الحكومة في الاتجاه المعاكس تماماً لإرادة الشعب كما تم التعبير عنها في الانتخابات الأخيرة".
وقالوا في إشارة إلى راعام وزعيم حزب ميريتز نيتزان هوروفيتس، الذي أيد إجراء تحقيقات في الجيش: "لا يوجد ثمة شك في أن القضايا الأمنية التي تتعلق بجوهر وجودنا سوف تتضرر بسبب هذه الحكومة، وذلك أنها تعتمد على أنصار الإرهاب وعلى وزراء يطالبون محكمة العدل الدولية في لاهاي بالتحقيق مع قيادات قوات الدفاع الإسرائيلي بتهم ارتكاب جرائم حرب".
تقول أورلي نوي، الصحفية والناشطة السياسية الإسرائيلية، إن جريمة قتل رابين رافقتها رسائل تأييد مشابهة "وفتاوى دينية" من قبل شخصيات داخل المؤسسة الدينية.
وقالت نوي في تصريح لموقع ميدل إيست آي: "اضطر بينيت الآن إلى استئجار حراس شخصيين لحمايته من أتباع الحاخامات الذين كان يتبرك بهم".
وأضافت: "ينبغي التذكر أن العنف السياسي لم يلبث يتواجد حصرياً في جانب اليمين من الخريطة السياسية. فالعنف طالما ترعرع وتطور لسنوات على أيدي اليمن، والذي يملك تاريخاً إجرامياً نجم عنه العديد من الاغتيالات السياسية، وها نحن نرى الآن ثمار ذلك".
بالنسبة لنتنياهو ومعسكره، تحمل المسؤولية عن التحريض لبينيت، فبعد وقت قصير من صدور بيان جهاز الشين بيت أعلن سموتريتش أنه ضد العنف.
وقال متهماً زعيم حزب يمينا بالنكث بوعوده وبسرقة الانتخابات: "نحن أيضاً ضد العنف السياسي الذي يمارسه بينيت".
كما صرح نيتنياهو بشيء مشابه حينما قال إنه أدان "العنف من جميع الأطراف، حتى عندما يصمت الآخرون بينما يحتدم التحريض ضدنا".
يرى المحللون الإسرائيليون أن هذه المقاربة هي مما تتميز به حقبة نتنياهو.
تقول نوي: "لقد حطم نتنياهو كل ما كان يعتبر ملكاً للدولة، مثل النظام القضائي والشرطة. وهذا يعني الفوضى العارمة في كل الأنظمة".
وحسبما يرى رابوبورت فإن إسرائيل يمكن أن ينتهي بها المطاف إلى أن تصبح "دولة فاشلة" إذا ما تمكن نتنياهو من التمسك بالسلطة.
ويقول رابوبورت: "نصف الإسرائيليين الذين صوتوا لصالح حكومة التغيير سوف يعتبرون حكم نتنياهو غير شرعي، ما سيقربهم من الموقف الذي ينظر منه الفلسطينيون إلى النظام في إسرائيل، وهو نظام آخذ في الضعف والتأكل من الداخل".
ويضيف: "قد تقترب إسرائيل من التفكك، فنحن نعيش في لحظة دراماتيكية".
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)