هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ناقش الكاتب والباحث المغربي بلال التليدي الجمعة الماضي أطروحته لنيل الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية شعيب الدكالي بالجديدة بالمغرب، حول موضوع "الحركة الإصلاحية المعاصرة دراسة نقدية لأزمة المشروع الفكري" ونال ميزة مشرف جدا، مع تهنئة اللجنة وتوصية بالطبع، وقد أضاف بهذا الإسهام المعرفي لبنة جديدة في تقييم ونقد ودراسة الحركات الإسلامية، لكن، هذه المرة من زاوية مشروعها الفكري وخطاطتها المعرفية، لا من زاوية سلوكها السياسي.
جلسة مناقشة لأطروحة الدكتوراه للباحث المغربي بلال التليدي
تنطلق الأطروحة من ملاحظة مهمة، وهي أن تحقيق هذه الحركات لنسب مهمة من الامتداد والتوسع والانتشار، فضلا عن تعزيز تموقعها في النسق السياسي كقوة أولى في المشهد السياسي، لم يوفر في السابق مبررات دراسة أزمتها، وجعل أغلب البحوث تركز على سلوكها السياسي، ونظامها الشبكي في التوسع في المجتمع، وأسلوبها في الانسياب الهادئ في المؤسسات.
لكن الأزمات التي تعرضت لها، في أكثر من محطة، لاسيما بعد الربيع العربي، وبعد انحسار عدد من الأهداف التي تضمنها مشروعها الفكري والحركي، وبعد أن انتقلت الأزمة من أداتها الإصلاحية إلى عمق دورها الدعوي، وبعد انحسار وظيفتها في بث التدين وتعزيز مواقع المرجعية وتحصين منظومة القيم. هذه الأزمات، صارت تفرض دراسة العقل السياسي المعرفي لهذه الحركات، والبحث عن جذور الانسداد في مسلماته وقواعد تفكيره.
تركز السؤال البحثي في أطروحة الدكتور بلال التليدي حول أسباب حالة الانسداد التي يعاني منها مشروع هذه الحركات، وهل ثمة إمكانية لبحث جذورها في خطاطتها المعرفية والسياسية؟ وهل يعكس تحولها واقع محاولتها الخروج من مآزق النسق القديم والبحث عن نسق جديد تنتظم فيه للتكيف مع معطيات البيئة السياسية؟ وهل التحول من نسق إلى آخر، يعني بالضرورة الخروج من الأزمة أم تدبيرها؟ وهل تَشَكُّل نسق جديد يؤطر العقل المعرفي والسياسي لهذه الحركات، يعني ضرورة انتهاء النسق القديم؟ وهل ما يحدد هذه الأنساق هي المدارس الحركية، أم أن الأنساق المختلفة تخترق المدرسة الحركية الواحدة، وتقرب بين بعض النماذج في المدارس المتباينة؟
وفي سبيل التعاطي مع هذا السؤال البحثي، ومع مختلف الأسئلة الفرعية التي نتجت عنه، اختارت ألأطروحة زاوية جديدة في دراسة هذه الحركات الإصلاحية، تعتمد أساسا منتوجها الفكري، لا سلوكها السياسي، وذلك باعتماد مدخلين مهمين. مدخل معرفي (إيبستمولوجي)، يحاول فهم القواعد المعرفية التي تستند إليها هذه الحركة في إنتاج مواقفها وأدبياتها. ومدخل ثقافي سياسي، يروم فهم قواعد عقلها السياسي، حيث يسعى البحث للإجابة عن سؤال جدل التأثير والتأثر بين القواعد المعرفية والقواعد السياسية، ومن يملك الفاعلية في التأثير؟ البيئة السياسية ومتطلبات الحركة ضمن شروطها؟ أم الخطاطة المعرفية المتضمنة لأصول وقواعد الفكر الحركي؟
وقد وضع البحث فرضيتين أساسيتين، سعى طوال ستة فصول أن يختبرهما: تتعلق الأولى، بعلاقة أزمة الحركة وانسداد أفقها بخطاطتها المعرفية والسياسية وقواعد تفكيرها. وترتبط الثانية، بتفسير تحولاتها، وهل ما يبرر بحثها عن نسق جديد أو ترددها بين نسقين، أو حتى تحللها من البراديغم الحركي، هو واقع الانسداد نفسه، وبلوغ درجته لمستوى من المستويات المحتمة لنوع من هذه الخيارات الثلاث (بناء نسق جديد، تردد بين نسقين، تحلل من الأنساق الحركية ومن براديغمها المرجعي)؟
في مفهوم الحركات الإصلاحية
وقد التزم التليدي في أطروحته، ضمن اختياراته لمفهوم الحركات الإصلاحية المعاصرة، إخراج الحركات الإصلاحية الشيعية عن نطاق الدراسة، والحركات الإسلامية العاملة في الفضاء الإسلامي أو الفضاءات الغربية، وكذا الحركات السلفية والجهادية، وذلك لثلاثة اعتبارات:
ـ لكون الحركات الشيعية غير معنية بالمطلق بالبراديغم الحركي موضوع الدراسة، كما أن جذروها الشيعية، تجعل عقلها المعرفي والسياسي، محكوما بقواعد أخرى غير قواعد العقل المعرفي والسياسي الحاكم للحركات الإصلاحية السنية.
ـ لكون الحركات الإسلامية العاملة في العالم الإسلامي، أو الفضاءات الغربية، محكومة ببيئات سياسية، تتباين عناصرها ومكوناتها وقواعد بيئتها السياسية، عن تلك التي تؤثث العالم العربي. وما ورد من استثناء بخصوص الخطاطة الفكرية والحركية المودودية، إنما تبرر الاشتغال عليها، بالتأثير الذي أحدثته خارج سياقها، وبالتحديد تأثيرها على الخطاطة القطبية.
ـ لأن البحث التزم دراسة الحركات الإصلاحية السلمية وذات البعد الحركي، وهو ما لا ينسحب على الحركات الجهادية، ولا على الحركات السلفية.
وفي منهجه في تحديد العينة (المشروع الفكري المدروس) وحصرها التزم التليدي بجملة مداخل ومعايير إجرائية، فلم يذكر من كتب قادة الحركة الإصلاحية المعاصرة ورموزها ومفكريها والقريبين منها، إلا من تم تَخرِيجُه بضابطين:
ـ ضابط المداخل: وقصد بها أن يأتي ذكر الكتاب أو مؤلفه مرة أو أكثر، في أحد المداخل المعتمدة في اختيار العينة. وهي مدخل التراجم (ذكرهم في كتب تراجم أعلام الدعوة والحركة) ، أو مدخل المنظرين أو مفكري التنظيم (اعتباره من منظري أو مفكري الحركة الإصلاحية المعاصرة)، أو مدخل ثقافة الداعية (تم ذكر كتابه ضمن لائحة الكتب التي تم الإرشاد إليها في كتب ثقافة الداعية) ، أو مدخل الدلائل (تم ذكره ضمن كتاب دليل مكتبة الأسرة المسلمة للدكتور عبد الحميد أبو سليمان) ، أو مدخل تقييم الفكر الإسلامي (تم ذكره ضمن الكتب التي أخضعها منير شفيق للتقييم ضمن كتابه الفكر الإسلامي المعاصر والتحديات) ، أو مدخل البرامج التربوية للحركات الإصلاحية (تمت الإحالة إلى أحد كتبه في برامج التربية المعتمدة لدى الحركات الإصلاحية).
ـ ضابط سعة التداول والانتشار وقوة التأثير : فتم اعتماد معيار كثرة الطبع، وتعدد الجهات الناشرة، وكثافة الحضور في برامج التثقيف لدى الحركات الإصلاحية.
وهكذا، تم تقسيم الأطروحة إلى بابين إثنين، خصص الأول لدراسة الحركة الإصلاحية المعاصرة من خلال نموذجها المرجعي (النسق الحلولي)، حيث انتظم هذا الباب ثلاثة فصول أساسية، غطى فيها الفصل الأول الإطار المفاهيمي، إذ تم تحديد المفاهيم التي أضفيت على مفردات عنوان البحث (الحركة الإصلاحية المعاصرة، المشروع الفكري، الأزمة). والتزم الفصل الثاني، بوضع خيارات منهجية لضبط المتن الممثل للمشروع الفكري، حتى يتم التحكم في مادة البحث، إذ تم تخريج رموز ومفكري الحركة الإصلاحية والموجهين الفكريين لمسارها. كما تم في هذا الفصل تحديد سمات وخصائص ووظائف الحركة الإصلاحية المعاصرة، فيما خصص الفصل الثالث من هذا الباب، لدراسة العقل المرجعي للحركات الإصلاحية، أي النموذج المعياري الذي انطلقت منه الحركة الإصلاحية المعاصرة، والذي اصطلح البحث على تسمية طريقته النسقية في الاشتغال ونظامه المعرفي بـ "النسق الحلولي".
الحركات الإسلامية العاملة في العالم الإسلامي، أو الفضاءات الغربية، محكومة ببيئات سياسية، تتباين عناصرها ومكوناتها وقواعد بيئتها السياسية، عن تلك التي تؤثث العالم العربي. وما ورد من استثناء بخصوص الخطاطة الفكرية والحركية المودودية، إنما تبرر الاشتغال عليها، بالتأثير الذي أحدثته خارج سياقها، وبالتحديد تأثيرها على الخطاطة القطبية.