قضايا وآراء

ربيع فلسطين يبدأ من القدس

خليل أبو عفيفة
1300x600
1300x600
تنطلق المقالة من أنّ الذي يحصل في فلسطين يُعدُّ نقطة تحوّل في الكفاح من أجل التحرّر. فقد أحدثت هبّة القدس خلطاً كبيرا للأوراق السياسية على كل المستويات، فلسطينيا وصهيونيا وعربيا ودوليا، وكان لها من النتائج والآثار، وكان لها من الدلالات ما لا يمكن إنكاره، تناقش هذه الورقة أهم هذه الدلالات وما تفرضه من تغيرات جوهرية في مسار القضية الفلسطينية

مركزية القضية الفلسطينية: وقد ظهرت جليا مع عودة التضامن العربي والإسلامي والدولي الشعبي من جديد مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، التي استعادت زخمها بعد أنّ ظن كثير من المراقبين أنها فقدته مع توالي اتفاقيات التطبيع، وذلك يعدُّ مؤشرا هاما على رفض الشعوب العربية والإسلامية مشروع "اتفاقيات أبراهام" وعملية التطبيع على حساب الشعب الفلسطيني.

عودة فلسطينيي الداخل بقوة للمشهد النضالي: ما يعني أنّ الفلسطينيين في الخط الأخضر أكّدوا ارتباطهم بمجتمعهم الفلسطيني المحيط في القدس وغزة والضفة الذي عمل الكيان الصهيوني على سلخهم عنه على مدار أكثر من 70 عاما، ومن المرجح أن تتزايد طرح مسألة يهودية الدولة مما يقتضي الإعداد لمجابهة هذه الأطروحات.

القضية الفلسطينية قضية واحدة: ففي الوقت الذي كانت تنفرد فيه إسرائيل تارة بالقدس، وتارة أخرى بالضفة، أو بالمكوِّن المسيحي من الشعب الفلسطيني، عادت اللُّحمة بين أبناء الشعب الفلسطيني على اختلاف مناطقهم وتوجهاتهم، وأحسّ الفلسطينيون بتضامن ووحدة بين مختلف فئات الشعب في القطاع والضفة والداخل.

اختراق في الموقف الأمريكي: فمع تغير رؤية كثير من الديمقراطيين الذين وصفوا الكيان الإسرائيلي بأنّه دولة "أبارتايد" (فصل عنصري)؛ فمن الممكن التأسيس لحالة يصبح فيها دعم الكيان الإسرائيلي قضية حزبية غير مجمع عليها، يدعمها الجمهوريون ويعارضها الديمقراطيون.

الانعكاسات على الداخل الإسرائيلي: وصف قادة العديد من الأحزاب المحسوبة على معسكر اليمين "الاتفاق غير المشروط" بين إسرائيل وفصائل المقاومة "بالمخجل"، وحذر رئيس "الصهيونية الدينية" نتنياهو من أنه لن يوافق على الجلوس في الحكومة إذا كانت الاتفاقات مع حماس لها أي صلة بالقدس، بينما قال شريكه في الحزب عضو الكنيست إيتمار بن غفير إن وقف إطلاق النار "بصق في وجه سكان الجنوب". وبدأت دعوات أخرى تتصاعد وتدعو للهجرة العكسية في ظل فقدان الأمن والأمان، خاصة أن غالبية المهاجرين اليهود أصحاب جنسيات مزدوجة. إنّ فهم ما يجري في البيئة السياسية في الكيان الإسرائيلي وتوظيفه لصالح مشروع المقاومة مسألة في غاية الأهمية.

انتصار برنامج المقاومة وهزيمة لبرنامج التسوية: تعززت صورة برنامج المقاومة، وفي مقابل ما حصل من تقهقر لبرنامج التسوية. فقد تحكّمت المقاومة في قواعد الاشتباك، وفرضت قرارها وخيارها على حكومة الكيان الصهيوني.

إنّ عملية سيف القدس دفنت اتفاقية أوسلو وكل ما يرتبط بها، وأخفق الرهان على إنتاج ما كان يعرف بالفلسطيني الجديد، وبدا أنّ المقاومة ممثل شرعي لكل أصحاب الحق في فلسطين. وإنّ وقف إطلاق النار بدون اتفاق مع غزة يعني المزيد من الحرية للقدس والضفة والداخل للتحرك، ونقل المعركة إلى قلب الكيان الصهيوني، وتطوير حالة انتفاضة مستمرة لا تتوقف. وأهم ما في الأمر أنّ المقاومة الفلسطينية جعلت حلم التحرير ممكنا، وأن "إسرائيل" كيان هش وقابل للهزيمة، وأنها لم تعد ذلك الكيان الذي لا يُقهر، أو تلك الدولة مرهوبة الجانب.

نحو قيادة فلسطينية جديدة: إن الاستثمار السياسي لهذه الهبَّة على المستوى الفلسطيني والدولي أصبح ضرورة وطنية، وهو ما يتطلب قيادة فلسطينية جديدة مشتركة تكون قادرة على التعامل مع متغيراتها الجديدة. والمطالبة بالحقوق السياسية والمدنية أصبحت مقبولة حتى في أوساط المجتمع الدولي، وما يترتب على عدم احترامها من تبعات قانونية وعقوبات دولية. وعندما ألغى عباس الانتخابات خوفاً من الانقسامات داخل حركته (استناداً إلى أسس مُفترضة وغير مقنعة بأن الانتخابات كانت تُعرقل في القدس)، خرجت حماس منتصرة حين حمل السيد إسماعيل هنية راية "المدافع" عن سكان الشيخ جراح وعن المسجد الأقصى، وظهر أنه الرئيس الحقيقي للشعب الفلسطيني.

القدس أم البدايات والنهايات: يبدو أنّ الأمور في القدس ستكون بعيدة عن الهدوء في الفترة القادمة؛ حيث مثَّلت الأحداث الحالية حالة شعبية استطاع فيها الشعب الفلسطيني تغيير المعادلات والانطلاق إلى أفق العمل المتكامل بين مناطق وجوده المختلفة، مع اتخاذ القدس مركزاً لعملية المواجهة. وهذا يعني أن ما حدث في المواجهة الأخيرة سيعيد وضع القدس في صدارة القضايا المطروحة على الطاولة سياسياً، ولعل هذا سيكون محركاً لإعادة القدس على طاولة المفاوضات ومحاولة تخفيف الاحتقان فيها. والثابت في كل ذلك أن خطة "إزاحة القدس عن الطاولة" التي ردَّدتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ضمن خطة جاريد كوشنر للسلام، أصبحت من الماضي.

وفي النهاية فإنه من المرجح حدوث مجموعة من التغيرات في البيئة الاستراتيجية يمكن أن تؤسس لمسارات جديدة في القضية الفلسطينية، وأن ما حصل في هبة القدس يحمل فرصا غير مسبوقة على طريق برنامج التحرر الوطني الفلسطيني.
التعليقات (13)
جعفر البسيوني
الأربعاء، 26-05-2021 10:42 ص
بوركت دكتور خليل ، نفعك الله بعلمك ونفع بك الامة
بلال الشيخ
الثلاثاء، 25-05-2021 05:39 م
ما شاء الله تحليل راقي من شخص راقي كل التوفيق اخي خليل
Prof Ashraf Ramadan
الثلاثاء، 25-05-2021 06:46 ص
متألق كما عهدتك عزيزي د خليل. مقال متوازن وواقعي. Take home message: "المقاومة الفلسطينية جعلت حلم التحرير ممكنا"
عبدالوهاب التلاوي
الثلاثاء، 25-05-2021 05:21 ص
تحياتي / دكتور خليل تحليل موضوعي ومنطقي ينم عن رؤية ثاقبة للأحداث
قيس الشريف
الثلاثاء، 25-05-2021 02:17 ص
بورك قلمك أيها المجاهد... أعتقد أن الذي سينجح في قيادة الفلسطينيين للتحرر هو الذي يحسن التعامل مع القضية الفلسطينية( والمقدسات الإسلامية و المسيحية ) كقضية للأمة الإسلامية و بالتالي البعد عن الحزبية و الفئوية.. و حتى يكون الكلام واضحا يجب أن تتعلم حماس من تجربة الأخوان في مصر فقد فشلت جماعة الأخوان في مصر في قيادة الأمة الإسلامية بسبب عدم فهم الأخوان للدور الكبير الذي وضع على عاتقهم في قيادة الأمة... واتجهو بكل سذاجة نحو الحزب و الفئة و المكاسب الشخصية وهذا الأمر مرتكز في العقل الجمعي لهذا الحزب... فما حدث في مصر و نراه في كل مكان يتواجد فيه الأخوان و يعملون على الساحة يُظهر بوضوح ان جماعة الأخوان المسلمين تعمل بأيدولوجيا تجمعهم على اساس انهم جماعة الأخوان المسلمين وليس المسلمين الأخوان اي انهم تجمعهم رابطة الحزب بالدرجة الأولى ثم الرابطة الإسلامية بالدرجة الثانية... فبالنتيجة حتى تنجح حماس في قيادة الأمة ولا تقع في المستنقع الحزبي الذي غاص فيه اخوان مصر وادى إلى فشلهم يجب أن تغير ايدولجيا الحزب حتى يصبح حزب لكل المسلمين و ليس للأخوان فقط... وهذا تحدي كبير نسأل المولى لهم فيه النجاح.