هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قد تبدو صفاته الشخصية على عكس موقعه العسكري في المقاومة التي أعادت القضية الفلسطينية إلى الطريق الصحيح وإلى جادة الصواب.
تقول روايات متطابقة، إنه رجل وديع، رقيق، حنون للغاية، وصاحب دعابة وخفة ظل.
وتتسم شخصيته بالبساطة الشديدة، والميل إلى الانطوائية، ويمتلك قلبا طيبا متسامحا لا يحقد على أحد.
يعرف بأنه صبور جدا وحذر، لدرجة تثير الدهشة، حيث يستطيع مثلا الاختباء في غرفة واحدة لمدة عام كامل، دون أن يخرج منها أو يشعر بالملل أو الضجر.
القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، رجل الظل الذي غطى على المشهد بأكمله.
محمد الضيف، المولود عام 1965 باسم محمد دياب إبراهيم المصري، لأسرة فلسطينية لاجئة من بلدة القبيبة (شمال غرب مدينة الخليل)، عاش حياة التشرد في مخيمات اللاجئين قبل أن تستقر أسرته في مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة.
نشأ في أسرة فقيرة واضطر للعمل في عدة مهن لمساعدة أسرته، بالإضافة إلى العمل مع والده في محل "الغزل والتنجيد".
اضطرته الظروف الصعبة خلال دراسته إلى محاولة إقامة مشاريع كي ينفق على نفسه، حيث أنشأ مزرعة صغيرة لتربية الدجاج، ثم قام باستصدار رخصة قيادة سيارة، إلا أن مطاردته من قبل قوات الاحتلال لم تسمح له بالعمل في مهن أخرى، لتحقيق أحلامه الشخصية.
أثناء دراسته الجامعية كان من أبرز الناشطين في الجامعة الإسلامية بغزة، وانضم لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين التي كانت وقتها تركز عملها على الدعوة الإسلامية والتربية، ولم تكن قد قررت بعد الانخراط في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال.
ولم يكن "الضيف" يشعر بالحرج وهو يحمل مكنسته، مع شبان المجمع الإسلامي ينظفون شوارع خان يونس، وخاصة شارع البحر الرئيسي، بالإضافة إلى مشاركته خلال نشاطه الجامعي في "يوم الحصيدة"، حيث يساعدون المزارعين في مواسم الحصاد.
ولم يغب الفن عن نشاط "الضيف" في الجامعة فقد ساهم في إنشاء أولى الفرق الفنية الإسلامية في خان يونس، وتدعى "العائدون" والتي كانت تقدم المسرحيات الهادفة وكذلك الأناشيد الإسلامية.
وقد اشتهر "الضيف" بلقبه الحالي "أبو خالد" من خلال دوره التمثيلي في إحدى هذه المسرحيات، وهي مسرحية "المهرج"، وكان يلعب فيها دور "أبو خالد" وهي شخصية تاريخية عاشت خلال الفترة ما بين العصرين الأموي والعباسي.
وكان "الضيف" مسؤولا عن اللجنة الفنية خلال نشاطه في مجلس طلاب الجامعة الإسلامية التي تخرج منها عام 1988 بعد أن حصل على درجة البكالوريوس في العلوم.
وانخرط "الضيف" في صفوف حركة "حماس"، واعتقلته قوات الاحتلال عام 1989 خلال "الضربة الكبرى الأولى" للحركة التي اعتقل فيها الشيخ أحمد ياسين، وقضى "الضيف" 16 شهرا في سجون الاحتلال موقوفا دون محاكمة بتهمة العمل في الجهاز العسكري لـ"حماس"، الذي أسسه الشيخ صلاح شحادة، وكان اسمه وقتها "المجاهدون الفلسطينيون".
بعد خروج "الضيف" من السجن، كانت كتائب عز الدين القسام بدأت تظهر كتشكيل عسكري لـ"حماس"، وكان الضيف من مؤسسيها، وبقي "الضيف" مجهولا كناشط عسكري إلى أن اندلعت الخلافات عام 1992 بين "حماس" و"فتح" بسبب اتفاقات "أوسلو".
فكشفت حادثة إطلاق نار بين أحد أعضاء "فتح" وأحد أعضاء "القسام" عن دوره، فغضب "الضيف" لذلك غضبا شديدا، ووبخ ذلك الشاب، وقام بسحبه من المكان، صارخا: "إن رصاصنا لا يوجه إلا للعدو فقط"، ومن وقتها علم الجميع أن "الضيف" هو أحد قادة "القسام"، وتوارى عن الأنظار.
وبرز دوره كقيادي عسكري بعد اغتيال القيادي في "الكتائب" عماد عقل عام 1993.
وفي هذه المرحلة بدأت رحلة "الضيف" مع المطاردة الإسرائيلية، واستطاع خلالها التغلب على واحد من أقوى أجهزة مخابرات العالم والنجاح في الإفلات من محاولات الاعتقال والاختطاف والاغتيال، ونجح في كسر الحصار حوله وتوجيه العديد من الضربات للاحتلال ومخابراته.
واستنادا إلى القصاصات والأخبار التي تنشرها الصحف عنه، يضم أرشيف المخابرات الإسرائيلية ملفا مكونا من آلاف الأوراق يتضمن كل صغيرة وكبيرة حول شكله وملامحه وصفاته، والأماكن المتوقعة لوجوده.
وعزت المخابرات فشلها في اغتياله أو القبض عليه إلى شخصية "الضيف" الذي قالت إنه يتمتع بـ"قدرة بقاء غير عادية"، ووصفه الإعلام العبري بأنه "ابن موت"، كما أنه يحسن انتقاء رجاله المقربين بدقة وبطريقة يصعب اختراقها.
وهو شخص يحيط به الغموض، ولديه حرص شديد على الابتعاد عن الأنظار، حتى تصفه بعض المصادر الإسرائيلية بأنه "قادر على الذوبان بين الناس والتخفي" و"تغيير لونه مثل الحرباء" بحسب الإعلام الإسرائيلي.
وتقول الروايات إن "الضيف" يستطيع العيش في حفرة صغيرة في جوف الأرض أو قبو مغلق، دون استخدام وسائل اتصال حديثة، فقد كيّف الرجل نفسه على التخفي في مواجهة قدرات الاحتلال الاستخباراتية والتكنولوجية العالية، التي أدت إلى اغتيال عدد من قادة الجناح العسكري لـ"حماس".
وأدى موقع الرجل المؤثر إلى جعل اعتقاله جزءا من صفقة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال تنص على قيام الأولى باعتقاله، مقابل أن تعطيها الثانية سيطرة أمنية على ثلاث قرى في القدس.
وحدث ذلك بالفعل فقد اعتقلت السلطة "ضيف" ودخل السجن عام 2000، لكنه تمكن من الإفلات من سجانيه بداية الانتفاضة الثانية، واختفت آثاره منذ ذلك اليوم، وحتى محاولة اغتياله الفاشلة عام 2002 نجا منها بأعجوبة، حيث فشلت صواريخ طائرات الأباتشي في قتله رغم أنها أصابت السيارة التي كان داخلها، وأدى الحادث إلى استشهاد اثنين من مرافقيه، وأشارت مصادر فلسطينية وقتها إلى أن "الضيف" فقد إحدى عينيه.
وفي إحدى محاولات اغتيال "الضيف" عام 2014 استشهدت زوجته وطفله علي، في غارة جوية استهدفت منزلا في حي الشيخ رضوان في مدينة غزة.
وفي إحدى محاولات الاغتيال أصيب "الضيف" إصابة مباشرة جعلته مشلولا يجلس على كرسي متحرك، وفق تقارير إعلامية، وتقول تقارير أخرى، إنه فقد يدا ورجلا.
وتتحدث تقارير عن إدارة "الضيف" للعمليات من على مقعده المتحرك بعد إصابته عام 2006، عندما استهدف صاروخ إسرائيلي سيارته، وتفيد بأنه أصيب في عينه أيضا، ولكن ذلك لم يؤكد أبدا، إذ لا توجد له سوى صورة تعود إلى أكثر من 20 عاما يظهر فيها وجهه نحيفا وغير ملتح.
وذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي حاول اغتيال "الضيف" مرتين على الأقل خلال 10 أيام من العدوان الأخير على قطاع غزة الذي أطلقت عليه المقاومة اسم "سيف القدس"، لكنه نجا منها بنجاح.
كان "الضيف" رجلا وحدويا يؤمن بالوحدة الفلسطينية وضرورة نبذ الفرقة، وكان من بين تعليمات "الضيف" المشددة خلال الفترة العصيبة التي تعرضت فيها "حماس" للملاحقة من قبل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية ما بين عامي 1995 و2000 رفض التصدي لقوى الأمن الفلسطينية التي كانت تعتقل أعضاء "القسام" وذلك حقنا للدم الفلسطيني.
وفي المفاصل اللاحقة من ملف غزة، بعد فوز حماس بالانتخابات البلدية والتشريعية عام 2006، وبدء الحصار العربي الإسرائيلي على غزة، وأسر الجندي شاليط، والحروب التي شنتها "إسرائيل" على غزة منذ عام 2008 وحتى الحرب الحالية، كان "الضيف" حاضرا بأفعاله وليس بشخصه، يخطط ويقود دفة المقاومة، وهذا ما دفع الإعلام الإسرائيلي إلى اتهام الاستخبارات الإسرائيلية بأنها أخفقت في اكتشاف منظومة القيادة والتحكم لدى "حماس"، والعثور على مكان اختباء قادتها.
وحين هتف المقدسيون باسمه في مظاهراتهم الأخيرة، سواء داخل المسجد الأقصى، أو في مناطق أخرى من البلدة القديمة لمدينة القدس المحتلة، بات شعار "إحنا رجال محمد الضيف" من أكثر الشعارات ترديدا في مظاهرات الشباب المقدسيين وفي جميع المظاهرات والمواجهات التي شهدتها الضفة الغربية، بل وصل ذكره إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
وكثيرا ما طلبت قوات الاحتلال من المحتجين الفلسطينيين عدم ذكر اسمه في المظاهرات، وعدم رفع العلم الفلسطيني، وذلك حتى لا تقمع المظاهرات، وفق ما ذكرت مصادر إعلامية متطابقة.
وجاء ترديد اسم "الضيف"، عقب تحذيره سلطات الاحتلال والمستوطنين أنه "إن لم يتوقف العدوان على أهالي حي الشيخ جراح في القدس المحتلة والأقصى في الحال، فإن كتائب القسام لن تقف مكتوفة الأيدي، وسيدفع الاحتلال الثمن غاليا".
وعندما أصدر "الضيف" تصريحه المكتوب النادر، علمت سلطات الاحتلال أنه سينفذ إنذاره بتوجيه ضربة صاروخية ردا على ممارستها في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، وهو ما حدث فعلا، وصدق الرجل وعده.
"حول الضيف" الجناح العسكري لـ"حماس" تنظيم صغير يركز على أعمال المقاومة الخاطفة، لحالة أشبه بجيش صغير يطور أسلحته الخاصة، ويتدرب طوال فترات "الهدنة"، ليقاتل في حرب تلائم طبيعة غزة المزدحمة، وقادر على منع الاحتلال من البقاء، لدرجة أنه نفذ عملية كوماندوز بحرية في حرب عام 2014.
الاستخبارات الإسرائيلية تعتبر "الضيف" العقل المدبر الذي يقف وراء استراتيجية "حماس" العسكرية ومنها تصنيع وإطلاق الصواريخ.
وهو بالتأكيد بات رمزا، ليس لفلسطين فقط، وإنما للأمة العربية والإسلامية، فقد تبادل الجميع التهاني بانتصار المقاومة التي أجبرت بنيامين نتنياهو على الوقوف على قدم واحدة في مواجهة صواريخ المقاومة التي لم تترك مدينة في فلسطين المحتلة إلا ودكتها.