قضايا وآراء

التلاعب بالتاريخ ونحن عليه شهداء

أميرة أبو الفتوح
1300x600
1300x600
يقولون إن التاريخ يكتبه المنتصر، ولكن متى يكتبه؟ أيكتبه وهو في أتون أحداثه، وشهوده لا يزالون أحياء؟ أم يكتبه بعد موت ورحيل شهوده؟

لقد عانينا طويلاً من قصص زائفة وروايات كاذبة رويت لنا ولأجيال سبقتنا على أنها حقائق تاريخية، أراد أعداؤنا أن يشوهوا بها تاريخ الأمة المُشرف، والإساءة إلى رجال عظام، ورموز مضيئة، أضاءت وجه الأمة وأخرجتها من الظلمات إلى النور، ولكنهم سكبوا عليها سيلا من أكاذيب المستشرقين ليطفئوا نورهم في نفوس أقوام عديدة جاءت من بعدهم، ليعشوا أزمنة عديدة في وهم الهزيمة والانكسار واليأس..

كما لجأ الحكام الطغاة على مر التاريخ إلى كتابة انتصارتهم الزائفة، وتبرير أعمالهم الإجرامية، من خلال مؤرخين يكتبون بألسنتهم ما يريدون توثيقه وإيصاله للناس. ولعب الفن دوراً هاماً في إيصال رسالة الحاكم للناس، ولعل حقبة جمال عبد الناصر خير مثال على ذلك، بما حملت من أعمال فنية عديدة، سواء كانت أفلاماً أو مسرحيات أو أغاني، تمجد في شخصه وتعظم من إنجازاته، وفي الوقت ذاته تشوه الحقبة الملكية التي سبقته، وتسيء للملك فاروق إساءة بالغة وتحمله ذنوباً كثيرة لم يرتكبها، إذ جعلته سكيراً يلعب القمار وزير نساء، وحملته هزيمة الجيش في حرب فلسطين 1948 بتلك الفرية التي أطلقوها وهي الأسلحة الفاسدة، والتي لا يخلو فيلم إلا وأقحموها فيه، حتى صدقها الناس ورددوها في مجالسهم الخاصة..

وجعلوا من هزيمة 1956 الساحقة انتصاراً على العدوان الثلاثي، ومن هزيمة 1967 النكراء مجرد نكسة، إلى آخره ذلك من الأكاذيب ومن قلب الحقائق التي ملأوا بها الشاشات وسجلوا بها الأشرطة وطبعوا بها الكتب، لتلاحق الناس أينما ولّوا وجوههم..

لقد كان النظام بعد انقلاب تموز/ يوليو 1952، يتبني نموذج الدعاية الشيوعية المعروفة، وهي قل أي شيء وكرره كثيراً ولا تدع الناس يسمعون غيره أو يشاهدون غيره، ولا تسمح بوجود أي صوت معارض.. انشر أكاذيبك بكل جرأة وقوة، كي يتحول التكرار إلى اعتياد ثم قبول ثم تصديق، سيصدقك سواد الناس وقد يصدقك أيضا بعض خصومك سعيا إلى الاتساق مع الرائج، وهي تتناغم مع نظرية جوبلز، وزير الدعاية النازية في عهد هتلر، "اكذب ثم اكذب واستمر في الكذب حتى يصدقك الناس"، وهي نظريات تلعب على العوامل النفسية للبشر لتكوين الفكر الجمعي للشعوب..

ولكن هل لا تزال تلك النظرية صالحة للاستخدام في عصرنا الحديث، وخاصة بعد ثورة الاتصالات الهائلة التي حدثت في تسعينيات القرن المنصرم، والتي جعلت من العالم قرية صغيرة تتناقل أخبارها في التو واللحظة بين كل دول العالم؟!

لقد جاءت ثورة الاتصالات المذهلة والتكنولوجية لتضع حداً لهذه الأكاذيب، ولتصحح كثيراً من التاريخ المزور، ليصبح صعباً على الساسة والكتاب اختلاق الروايات الكاذبة، التي من الممكن أن يصدقها الناس وهم شهود علي الأحداث، وإن كان البعض من سواد الناس، ممن غُسلت أدمغتهم وجُرفت عقولهم وألغي فكرهم، لا يزالون يصدقون لغوهم. وقديماً قالوا إنك تستطيع خداع كل الناس بعض الوقت، وتستطيع خداع بعض الناس كل الوقت، ولكنك لا تستطيع خداع كل الناس كل الوقت.. فحتماً سوف يظهر الحق وستنكشف حقيقة الظالمين على الملأ يوماً ما، عاجلاً أو آجلاً..

لكن النظام في مصر لا يعترف بثورة الاتصالات، ولم تدق على أبوابه بعد، فهو لا يزال يعيش في أحضان الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، وتحنط إعلامه في قالب الدعاية الروسية. ولا يزال إعلاميوه يسيرون على خطي المذيع "أحمد سعيد"، والصوت الواحد المزور، الذي يجب أن يسمعه جل الناس ويصدقه الجميع. وحينما لم يصدق الناس رواياتهم المزورة عن اعتصامي رابعة والنهضة، رغم امتلاكهم ترسانة إعلامية هائلة جاهدوا بها على مدار سبعة أعوام، بأنه اعتصام مسلح، ويمارس فيه "جهاد النكاح"، وأن هناك كرة أرضية تحت منصة رابعة يخفي فيها المعتصمون جثث قتلاهم، أقدموا على إنتاج مسلسل "الاختيار 2" ليرووا فيه رواياتهم الرسمية المنسوجة بالأكاذيب والأضاليل وتزوير الحقائق عن مذبحة فض رابعة، أبشع مذبحة حدثت في مصر في العصر الحديث..

لا تزال مذبحة رابعة والنهضة عالقة في أذهان كل من لديه ضمير حي ويأبى وجدانه أن يغادرها، رغم مرور كل هذه السنوات. فقد رأيناها صوتاً وصورة أمام أعيننا، فقد كانت تنقل لنا على الهواء مباشرة، لذلك لم تستطع السنون أن تطويها بين صفحاتها. فهي صفحة ليست كباقي الصفحات التي مرت في حياتنا، إنها صفحة لا مثيل لها في التاريخ المصري، صفحة سوداء غامق لونها وتشع بالسواد على كل من حولها، صفحة مات فيها الضمير المصري وشُيع أمام العالم أجمع، مات ضمير من خطط ودبر هذه المذبحة، ومن علم بها ووافق عليها.

كيف ننسى أبشع مجزرة في التاريخ المصري الحديث؟ آلاف القتلى في ساعات معدودات بأيدي أبناء الوطن؟ كيف ننسى الخديعة الكبرى التي روجوا لها والتي أطلقوا عليها "الممر الآمن"! كيف ننسى نزع الأجهزة الطبية عن المصابين في المستشفى الميداني؟ كيف ننسى حرق المستشفى الميداني مع جثامين الشهداء بداخله؟ كيف ننسى حرق المسجد نفسه؟! كيف ننسى الجرافات التي حملت جثث الضحايا؟ كيف ننسى صراخ الأطفال والرعب والفزع الذي أصابهم من الرصاص وألسنة اللهب المتطايرة؟ كيف ننسى الأم المسنة التي تحتضن ابنها وهي تبكي وتقول "قتلوك مايعرقوش إنك سندي من بعد أبوك الله يرحمه؟ كيف ننسى الطفل الصغير الواقف أمام جثمان أمه ويقول لها "أستحلفك بالله أن تصحي"؟! كيف ننسى.. أو ننسى.. أو ننسى كل هذه المآسى وغيرها التي يشيب لها الولدان؟!

لقد توقف بي الزمن عند هذا اليوم الأسود في تاريخ مصر، والذي لم تشهد مجزرة مثلها من قبل عبر تاريخها الحديث!!

فهل يستطيع مسلسل مهلهل ورديء فنياً أن يمحوها من التاريخ، وأن يحذف الفيديوهات المرقمة بالدقيقة والثانية من يوتيوب، والتي كان المسلسل سبباً في إخراجها وعرضها من جديد في وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الملايين من رواده؛ لفضح رواية المسلسل؟

مذبحة رابعة ألم في الصدور، وجرح عميق في النفوس لا يزال ينزف، أراد المسلسل أن يمحو ذكراها، فزاد من نزيفه، وأشعل الفتنة وعمّق الانقسام بين الشعب، بعد أن كاد يلتحم من جديد ليواجه التحديات التي تمر بها البلاد، وأهمها أزمة سد النهضة، وما ستتعرض له مصر من مخاطر جسام؛ تفرض على المصريين أن يكونوا على كلمة سواء، توحدهم لمواجهتها معا، ولكن النظام اتبع سياسته الأزلية فرق تسد..

وأخيراً، إن رابعة كانت الصرخة الأخيرة في وجه المشروع الإقليمي المضاد للثورات، لقتل ثورات الربيع العربي، وعلى رأسها ثورة 25 يناير التي أخرسوها، ليقضوا على أحلام الشعوب العربية بالحرية والكرامة والعدل وليعيدوهم إلى سيرتهم الأولى!

حتى اسم الميدان تم تغييره وأطلقوا عليه اسم النائب العام "هشام بركات" الذي وقع على قرار الفض. واليوم يقدمون مسلسلاً ليكملوا المهمة، بعد أن تأكدوا أن الذكرى لا تزال حية!

twitter.com/amiraaboelfetou
التعليقات (1)
جراح ما زالت تنزف
الأربعاء، 28-04-2021 11:38 م
لقد نكأت جراحا لم تندمل واظنها لن تندمل فما قام به مجموعة من السفلة والاوغاد في هذا اليوم ما زال جاثم امام عيني لم يفارقها. احداثا مرت علي دقيقية بدقيقة وثانية بثانية وانا جالس امام الشاشة ارى مدى اجرام ووحشية هؤلاء العسكر الاوغاد غير مصدق ما يحدث ليس لاني كنت احسن الظن بهم حاش لله فانا اعلم انهم مجموعة من السفلة والمنحطين الذين تم اغتصابهم في حروب مع الكيان الصهيوني وفقدوا شرفهم وكرامتهم واصبحوا مرضى نفسيين يحاولون استعادة توازنهم عبر اثبات رجولتهم المشكوك فيها على الضعفاء والعزل من شعوبهم بسادية سوداوية لعلها . تشفي ما تهتك من عرضهم الممزق على يد جيش الكيان الصهيوني وهو يستعرض قادتهم وضباضهم بملابسهم الداخلية .بعد ان قام باسرهم وقبل ان يمر بدباته على اجسادهم ما فعلة زعيم الهزائم العبد الخاسر وما فعله اعوانه السفلة بالمصريين في سجونه من اغتصاب الرجال والنساء والتنكيل بهم وتعليقهم كالذبائح من ارجلهم وهو ما سار عليه من اتي بعده حتي وصلنا الى عهد حسني مبارك ورأينا كيف تعامل مع احداث الامن المركزي واستخدام الطيران في قصف معسكرات الجنود الذين احتجوا على اشاعة سربها قادة الجيش لهم تفيد مد خدمتهم وكان هدفهم من احداث تلك الفوضى هو التخلص من وزير داخلية حاول مقاومة امبراطورية المخدرات التي يديرونها. اقول لم اكن اتوقع كم هذا الاجرام الذي حدث في رابعة والنهضة ليس حسن ظن بالاوغاد الذين اشرفوا على تلك المذبحة ولكن لاني اعلم ان اجبن خلق الله ويخشون من عقاب سادتهم بعد ايؤدوا المهمة القذرة التي اوكلوها لهم لعلمي ان نفاق الغرب سيدفعة لايقاف تلك المجزرة في عند حدود معقولة حتى لا تنكشف عورات هذا الغرب الحقير لكن يبدوا ان فضائح الغرب في العراق و سجن ابوغريب و سجن جوانتانامو جعلته مفضوحا بشكل بشع لا يجدي معه تمرير محاولاته الكاذبة واداعاءته الباطالة حول الحرية وحقوق الانسان التي يتاجر بها لتخدير ضحاياه قبل ان ينقض عليهم.