كتاب عربي 21

مرة أخرى قصة "المسلمون والإسلاميون"

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
دعا الرئيس التونسي قيس سعيد إلى التمييز بين مصطلحي المسلمين والإسلاميين، وذلك عند زيارته إلى جامع الزيتونة في أول يوم من شهر رمضان. قال حرفيا إن "الله توجّه إلى المسلمين والمؤمنين وليس إلى الإسلاميين''، متابعا: ''ربنا قال يا أيها الذين آمنوا.. وإبراهيم كان مسلما ولم يكن إسلاميا.. نحن مسلمون والحمد لله على نعمة الإسلام..''.

هذا التصريح الرئاسي، وإن بدا خارج السياق، إلا أن دلالاته عديدة ومثيرة للجدل. فالمسافة بين الرئيس سعيد وحركة النهضة تزداد اتساعا حتى تكاد تقترب من القطيعة السياسية وتتحول إلى مواجهة صريحة بين الطرفين، رغم أن زعيم الحركة راشد الغنوشي حريص على عدم الوقوع في مثل هذا السيناريو. إذ من الواضح أن حركة النهضة هي المقصودة بهذا التصريح وليس غيرها، وكأن الرئيس يتهمها ضمنيا باحتكار الدين، وتوظيفه لصالح أهدافها، وأنها تلعب على المصطلحات الدينية من أجل إثبات شرعيتها وتفوقها على منافسيها وخصومها.

مما زاد في الدفع بكلام الرئيس نحو منطقة التأويلات القصوى، أن الحدث تم مباشرة بعد عودة قيس سعيد من زيارته إلى مصر. هذه الزيارة الهامة التي حققت أهدافا عديدة، لكنها فجرت نقاشا حادا داخل تونس، وتحولت إلى عامل إضافي لتغذية الصراع السياسي والأيديولوجي بين التيار الإسلامي الواسع والتيار العلماني الراديكالي.

استند خصوم "النهضة" على توقيت الزيارة، وإدراج مسألة محاربة الإرهاب والتطرف الديني ضمن محادثات الرئيسين التونسي والمصري، وذلك للقول بأن الدولة المصرية قد نجحت في استقطاب سعيد وإقناعه بجدوى استراتيجيتها في مواجهة حركة الإخوان المسلمين. بناء على ذلك أوّلوا الزيارة ووضعوها في سياق تبني الرئاسة التونسية للنموذج المصري في ما يتعلق بمحاصرة الإسلام السياسي، دون أن يأخذوا بعين الاعتبار خصوصية كل بلد، والتباين الكبير بينهما حاليا خاصة في ما يتعلق بالنظام السياسي. فهذا التحليل كان يصدق على مرحلة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، لكنه أصبح الآن مستبعدا جدا في الوقت الراهن، نظرا للتحولات الكبرى التي أحدثتها الثورة في بنية النظام، إضافة إلى اختلاف قيس سعيد عن الرئيس المصري، حيث إن لكل منهما مسارا وسياقا مختلفا.

تكفي الإشارة في هذا السياق إلى مثالين يؤكدان الوجهة التي أراد خصوم النهضة دفع البلاد نحوها. كانت التدوينة الأولى لأحد الكوادر الأساسية لحركة الشعب وعضو البرلمان "هيكل المكي"؛ الذي علق على الزيارة بقوله: "رئيس الجمهورية قادم من المستقبل.. تنظيم الإخوان ذاهب إلى الزوال". وكأنه بذلك يعيد تنشيط ذاكرة الصراع المرير بين الناصريين والإخوان المسلمين، بحكم أن حركة الشعب ناصرية في خلفيتها الأيديولوجية.

أما التدوينة الثانية فهي للأستاذة ألفة يوسف التي علقت بدورها على الزيارة، وحذرت التونسيين بقولها "حذار، سبسي جديد بصدد التشكل.. ونحن في حاجة إلى سيسي"!!

ما جاء على لسان الرئيس سعيد محاولة لإعادة جدل تجاوزته حركة النهضة تحديدا، وهي عودة إلى السبعينيات التي شهدت ميلاد الحركة الإسلامية التونسية. هذا نقاش قديم حُسم بالتأكيد على أن الإخوان جماعة من المسلمين وليست جماعة المسلمين. صحيح أن اللبس والخلط بقي متواصلا لدى البعض بين مصطلحي الإسلاميين والمسلمين، وصحيح أيضا أن مرحلة الإسلام السياسي قد بدأ بتجاوزها الزمن، وأن المتغيرات الجارية منذ فترة تفرض على الحركات الإسلامية التخلص من المفاهيم والمصطلحات السابقة إذا أرادت أن تدخل مرحلة الديمقراطية، وأن تساهم من موقعها في تثبيت مدنية الدولة وتعميق الحداثة بمفهومها الإنساني والكوني.

على الجميع داخل تونس أن يسلموا بأن حركة النهضة ليست كائنا خرافيا، وأن الحوار معها أو الصراع يجب أن يتقيد بالتحديات الراهنة، مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي حصلت. فاجترار الماضي، وإعادة استهلاكه من جديد لن يتقدم بالبلاد، ولن يساهم في حماية التجربة الديمقراطية الناشئة والهشة. على العكس من ذلك، يمكن أن يشكل مثل هذا الجدل العقيم فرصة لأعداء الديمقراطية حتى ينجحوا في نسفها، أو يدخلوا تونس في حرب أهلية مدمرة للدولة والشعب.

لهذا السبب ثمّنت السيدة عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر، زيارة سعيد إلى مصر، وهي نادرا ما تفعل ذلك مع رئيس الجمهورية، واعتبرت أن أهم نقطة سجلت في هذه المحادثات الاتفاق بين الرئيسين على "محاربة الإرهاب وتنظيم الإخوان وفروعه التي تعاني منها تونس" في إشارة منها إلى حركة النهضة. وأوضحت أنه يجب على الرئيس التونسي قيس سعيد، بعد عودته إلى تونس، أن يقوم بإصدار قرارات عملية لمنع تغلغل جماعة الإخوان في المجتمع التونسي. أي العودة إلى سياسة التسعينيات، واستعمال القبضة الحديدية لتحجيم الإسلاميين والتخلص منهم. الزمن عند هؤلاء هو مجرد حركة دائرية بدون استيعاب دروس الماضي والحاضر.
التعليقات (0)