من المؤكد أن الجميع ينظرون لهذا الأمر بنظرة الوجوب، إلا أن الأمر قد يُنظر له من عده أوجه، وهذا يجعل الرئيس أمام مجموع من الخيارات، يحكمها الواقع البرلماني، والتكوين المجتمعي على حد سواء. فالأمر يختلف من بيئة مؤدلجة حزبية قائمة على البرامج الوطنية والمعتقدات السياسية والحزبية والدينية، وبيئة أُخرى تقوم على أساس اجتماعي خدماتي تنموي.
وهنا دعونا ننظر إلى القانون الأساسي
الفلسطيني، وعلى وجه الخصوص مادة (1/65) منه، التي تنص على: "فور تكليفه من قبل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، يتولى رئيس الوزراء تشكيل حكومته خلال ثلاثة أسابيع من تاريخ اختياره، وله الحق في مهلة أخرى أقصاها أسبوعان آخران فقط". فالمتأمل لهذا النص يجد أن القانون منح الرئيس تكليف من يراه مناسبا لتشكيل الحكومة، التي تضطلع بمسؤولية وضع البرنامج الذي تقره السلطة التشريعية موضع التنفيذ، إلا أن الإجابة على تساؤلنا لا يمكن بحال من الأحوال أن يعتمد على هذا النص فحسب، إنما الأمر يمكن النظر إليه من خلال عدة سيناريوهات.
السيناريو الأول: تشكل الحكومة وفقا للبرنامج الانتخابي الذي أعلنته الكتلة صاحبة
الأغلبية المطلقة (الأغلبية المطلقة هي 50% + 1) في البرلمان.
وهنا تكون الأغلبية البرلمانية محل اعتبار في المصادقة على ذات البرنامج التنفيذي الخاص بالحكومة المشكلة، وبناء عليه سيحصد البرنامج الأغلبية المطلقة بأريحية تمكنه من نيل الثقة أمام المجلس التشريعي، وممارسة مهامه التنفيذية والإدراية وفقا لذلك، وهذا الأساس الذي يتنافس عليه المتنافسون لتحقيق الأغلبية التي تؤهلهم من تشكيل حكومة بأريحية برلمانية.
السيناريو الثاني: تكليف شخصية بتشكيل الحكومة، دون النظر إلى الكتلة البرلمانية الحائزة على أغلبية مطلقة في البرلمان:
فإن كانت الأغلبية البرلمانية تنسجم توجهاتها ومعتقداتها مع ذاك البرنامج، فبكل تأكيد سوف تمنحه الثقة بأريحية مطلقة، إذا لم تنظر تلك الكتلة صاحبة الأغلبية المطلقة إلى التوجهات والمعتقدات الحزبية، بينما إذا كان هناك تغليب للمنهج الأيديولوجي والمصلحة الحزبية، فبكل تأكيد سيسقط هذا البرنامج، الأمر الذي يجعل الرئيس يختار شخصا آخر لتشكيل حكومة مرة أخرى، وفقا لنص المادة (65/2) من القانون الأساسي، التي تنص على نه "إذا أخفق رئيس الوزراء في تشكيل حكومته خلال الأجل المذكور أو لم يحصل على ثقة المجلس التشريعي؛ وجب على رئيس السلطة الوطنية استبداله بآخر خلال أسبوعين من تاريخ إخفاقه، أو من تاريخ جلسة الثقة حسب مقتضى الحال، وتنطبق على رئيس الوزراء الجديد الأحكام الواردة في الفقرة (1) أعلاه".
السيناريو الثالث: تكليف شخص بتشكيل الحكومة في ظل عدم وجود أي كتلة برلمانية تمثل أغلبية مطلقة.
وهنا، تذهب بعض الكتل لتحقيق الأغلبية وفقا لنظام التكتلات والتحالفات لتحقيق الأغلبية، المؤثر على قرار البرلمان، فإن نجحت في ذلك كان الأمر أشبه بما عليه الحال في السيناريو الثاني، وإلا فإننا سنكون أمام حكومة توافقية تعمل على دمج مجموعة من البرامج الخاصة بالكتل البرلمانية، أو تنظيم برنامج مستقل وخاص برؤية رئيس الوزراء المكلف التنموية.
المتأمل لنصوص القانون الأساسي الباب الخامس والخاصة بالسلطة التنفيذية، يجدها تخلو تماما من أي نص يلزم الرئيس بتكليف أي كتلة برلمانية بتشكيل الحكومة، ولكن اختصارا للوقت والنفقات وعدم إهدار جهد المجلس التشريعي في المناكفات السياسية والحزبية، فإن الرئيس يجد نفسه أمام التزام أخلاقي بضرورة تكليف الكتلة البرلمانية الحائزة على الأغلبية البرلمانية.
وبالرغم من ذلك، فإننا نرى أن التعددية الحزبية في البرلمان تجعل البرلمان كالكوب الشفاف يُرى ما بداخله من خارجه، وإننا أمام ذلك وفي ظل تعدد القوائم المرشحة في الجولة الانتخابية الحالية، نأمل أن نرى حكومة توافقية في القريب العاجل تضم جميع أطياف الشعب الفلسطيني، تعمل على إصلاح ما أفسدته سنوات الانقسام، وظهرت آثاره على المنظومة الرسمية وغير الرسمية والمجتمعية.