ملفات وتقارير

هل انتهى خلاف مصر والسودان حول "حلايب" بتقاسم المثلث؟

 نبرة جديدة تماما، إذ كانت المواقف السابقة تؤكد على رفض المساومة بهذه القضية- أرشيفية
نبرة جديدة تماما، إذ كانت المواقف السابقة تؤكد على رفض المساومة بهذه القضية- أرشيفية

أطلقت السلطات السودانية مؤخرا تصريحات مغايرة لمواقفها السابقة حول منطقة حلايب وشلاتين وأبو رماد الحدودية، التي تشكل بؤرة خلاف مع مصر، وتخضع للأخيرة سياسيا وإداريا.

وقال رئيس المجلس السيادي السوداني، عبدالفتاح البرهان، قبل أيام، إن "الخرطوم لديها تفاهم مع القاهرة بشأن قضية حلايب وشلاتين، ولا نريدها أن تكون شوكة في حلق علاقاتنا"، وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية.

ويشير ذلك إلى نبرة جديدة تماما، إذ كانت المواقف السابقة تؤكد على رفض المساومة بهذه القضية.

 

وفي هذا الصدد، صرح البرهان سابقا، في آب/ أغسطس 2020، بأن القوات المسلحة "لن تفرط في شبر من أرض السودان"، وأكد أن هذا "حقنا لن نتراجع عنه ولن ننساه حتى يتم رفع علم السودان في حلايب وشلاتين".

وتأتي التهدئة في الملف الشائك إثر سنوات من النزاع بين القاهرة والخرطوم على الأحقية بالمنطقة التي تبلغ مساحتها أقل من 21 كيلومترا مربعا، حيث تتقدم السودان سنويا، منذ شباط/ فبراير 1958، بشكوى لدى مجلس الأمن ضد مصر بشأن المثلث، وكانت آخرها في شباط/ فبراير الماضي.

ويبدو أن تبريد ملف حلايب بين الجارتين العربيتين شركاء أزمة حوض النيل، بدأ قبل شهر فقط خلال زيارة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك إلى القاهرة في 11 آذار/ مارس الماضي، والتي دعا خلالها للتفاهم مع مصر حول الملف الذي وصفه بالمسكوت عنه.

وفي خطوة قد تؤكد حدوث التفاهم بين البلدين بل وتقاسم ثروات المثلث؛ طرحت وزارة البترول السودانية مزايدة عالمية للبحث عن البترول والغاز، في 22 آذار/ مارس الماضي، في 26 مربعا، إحداها ما يعرف بالمنطقة 16، في حلايب وشلاتين، وذلك دون أي اعتراض مصري.
 
ويأتي الموقف السوداني الجديد من أزمة حلايب في وقت تتفاقم فيه أزمة السد الإثيوبي ويتصاعد الخلاف مع أديس أبابا حول مياه النيل، مقابل تقارب مع القاهرة بالملف وفي غيره من القضايا.


عبر عن ذلك وزير المالية المصري محمد معيط، بقوله إثر زيارة اقتصادية ناجحة للخرطوم الاثنين، إن السيسي كلف بوضع كل إمكانات مصر تحت أمر السودان بما يُسهم في ترسيخ دعائم الشراكة التنموية بين شعبي وادي النيل، ويصب لمصلحة البلدين.

"تفاهم يفرضه الواقع"

السياسي المصري وليد مصطفى، قال إنه "لا أحد يعلم ما يتم تحت الطاولة؛ ولكن حقنا كمصريين في الأرض والثروات والمياه ثابت؛ وعلى النظام رغم ما فعله من قتل واستيلاء على السلطة دفع ثمنه المصريون، أن يفعل واجبه نحو ملف المياه".

عضو حزب "الوسط" المصري المعارض، أضاف في حديثه لـ"عربي21"، أنه "على السودان أن يقوم بتفاهمات مع مصر بكل الملفات وبينها حلايب، وفق هدف ومشروع واحد وهو الحفاظ على حقوقنا الاستراتيجية والتاريخية بالمياه، وطبيعي ألا يكون مقابل ذلك تنازلات أو لي ذراع أو تفرقة بين البلدين مقابل هذه المواقف".

 

اقرأ أيضا: النزاعات الحدودية بالقارة السمراء.. أزمات زرعها الاستعمار (خريطة)

وأعرب مصطفى عن اعتقاده بأن "النظامين بموقف حرج؛ ويجب أن يكونا على قدر المسؤولية، والسد الإثيوبي الذي وافقا عليه باتفاقية تقلل حقوقنا؛ لو تم الملء الثاني ولم نعرف كيفية التشغيل ومن يملكه، ومن يتحكم بكمية المياه، فهنا كارثة".

وأكد مصطفى أنه "لا يقبل من النظامين تمرير ملء المياه واعتبارنا ممرا مائيا رغما عنا لدول أخرى؛ فلو تم الملء الثاني فإن السد يصبح قنبلة موقوتة يستخدمها من أراد تدمير البلدين".

وأضاف: "ولذلك فعلى النظامين التفاهم حول حلايب وشلاتين، وما يثار عن اقتسام الثروات الطبيعية فهو مثله مثل الأرض ومياه النيل؛ لا يجب التنازل عنها بل الحفاظ عليها، وبخاصة أن هذه الأنظمة داست على الجميع للوصول للحكم".

وتابع بأن تلك الأنظمة "عليها الآن أن تثبت أنها تستطيع الحفاظ على أمن واستقرار البلاد؛ الحجة التي وصلوا بها إلى الحكم، وليس التنازل عن الثروات والأرض والمياه أو إخضاعها لشروط، أو تمرير المياه لدول أخرى".

"اقتسام بوساطة أمريكية"

وفي رؤيته لمدى الارتباط بين ملف مياه النيل وملف حلايب، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني حسن إبراهيم، إن "ملف مياه النيل هو ما أدى إلى التفاهم حول ملف حلايب؛ الذي يزداد تعقيدا بدخول الإمارات في جملة الشركات التي تتلهف على شرق السودان".

وأشار إبراهيم في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن هذا التفاهم مع مصر يأتي في وقت تواجه فيه الحكومة السودانية حالة من عدم الاستقرار والتناحر الداخلي؛ ما يهدد بتفجر الأوضاع في البلاد".

ويعتقد أن الموقف السوداني الجديد تجاه مصر في حلايب يؤكد وجود تفاهمات حول المثلث، بل إن حجم تلك التفاهمات قد يصل إلى احتمال تقاسم القاهرة والخرطوم الثروات المعدنية والوقود الغنية بهما حلايب.

وألمح الصحفي السوداني، إلى وجود "وساطة أمريكية جارية اعتمدت على مبدأ تقسيم حلايب"، موضحا أنه "بحسب الخرائط المعترف بها دوليا فإن معظم المثلث يقع ضمن الحدود السودانية، لكن حقول النفط والغاز تقع بين البلدين".

وقال إنه "لو اعتمدت مصر خريطتها فإن جزءا من حقول النفط والغاز سيقع ضمن الحدود السودانية، وحال اعتماد الخريطة السودانية فإن جزءا من حقول النفط والغاز سيقع ضمن الحدود المصرية".

وتابع بأن "الوساطة تلعب على هذا التداخل؛ خاصة أن القبائل في حلايب متداخلة بين البلدين وجذورها من منطقة شمال كردفان مثل العبابدة والبشارية".

 

اقرأ أيضا: البرهان: لن تكون حلايب "شوكة" بالعلاقات بين السودان ومصر

"طموح عسكر البلدين"

الباحث والمحلل السياسي السوداني عباس محمد صالح، قال إن "الحياة السياسية بالسودان يسيطر عليها الشفاهية والارتجال؛ لذا لا يتردد كبار المسؤولين والرسميين في الإدلاء بتصريحات لا يسندها دليل أو يمكن إثباتها، أو بتصريحات وفق (ما يطلبه المستمعون) خاصة بحالة الحشود واللقاءات الجماهيرية".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، "يجب أن تفهم هذه التصريحات في سياق طموحات حكام البلدين؛ فمعسكر السيسي يسعى للظفر بأي إنجاز بملف سد النهضة، ويرى أن استمالة مكونات الحكم الانتقالي، خاصة المكون العسكري، عامل مهم بهذه المعركة".

وتابع: "ومن هنا ومن أجل تعزيز أوراق المكون العسكري لا أستبعد أن يتم طرح تفاهم ما حول موضوع حلايب وشلاتين بين المؤسستين العسكريتين بالبلدين، باعتباره أحد مجالات التعاون والتنسيق المشترك".

ولفت إلى أنه في المقابل، "يلهث عسكر السودان وراء السلطة بكل ما أوتوا من قوة، وبالتالي فإن ورقة حلايب وشلاتين بالنسبة إليهم قد تشكل رأسمال لبلوغ هذا الهدف حتى لو تم استخدامها كشعار فقط".

وألمح إلى أنه "بما أن العسكر هم الممسكون بمقاليد أمور البلدين، فربما حدثت تفاهمات ما حول الموضوع؛ لأن الإبقاء على موقف ثابت ودائم من السودان يكون داعما لمصر بالسد الإثيوبي يبدو محل شك لدى العديد من الدوائر المصرية، ولذلك استبعد تكرار تجربة تيران وصنافير، أي التسليم أو التنازل".

"يجب غلق الملف"

الأكاديمي المصري الدكتور عادل دوبان، رأى أن توقيت تغير الموقف السوداني من حلايب في ظل أزمة السد الإثيوبي والخلاف حول مياه النيل، يثير علامات استفهام كثيرة.

وأضاف عبر "فيسبوك"، أنه لا يجب أن يكون هناك خلاف مع السودان أو تتعرض العلاقات بين البلدين للخطر خاصة بهذا التوقيت الحرج، وأنه يجب أن تتوافق الحكومتان حول الموضوع ويتم غلق هذا الملف.

 

التعليقات (0)