هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن التحضيرات التي امتدت لعشر
سنوات، من أجل معرض كبير في الذكرى الـ500 لوفاة ليوناردو دافنشي، غابت عن
افتتاحه اللوحة التي حظيت بأعلى سعر بيع لعمل فني، وهي لوحة سالفادور موندي.
وتساءلت الصحيفة في تقرير ترجمته
"عربي21": "هل استنتج متحف اللوفر أن اللوحة لم تكن في الواقع من
عمل ليوناردو، كما يصر عدد قليل من العلماء؟ وهل رفض المشتري -الذي ورد أنه ولي
العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، رغم أنه لم يعترف بذلك مطلقا- إدراجها في
العرض خوفا من التدقيق العام؟".
وأضافت: "الفكرة المحيرة القائلة بأن
الأمير السعودي المتهور، ربما راهن بثروة على لوحة مزورة، قد ألهمت بالفعل كتبا
وأفلاما وثائقية وأعمدة الشائعات الفنية في عالم الفن، وحتى اقتراح مسرحية موسيقية
في برودواي".
في الواقع، قام ولي العهد بشحن "سالفاتور
موندي" سرا إلى متحف اللوفر قبل أكثر من عام، في عام 2018، وفقا للعديد من
المسؤولين الفرنسيين وتقرير فرنسي سري عن أصالتها حصلت عليه صحيفة نيويورك تايمز. ويذكر
التقرير أيضا أن اللوحة تخص وزارة الثقافة السعودية، وهو أمر لم يعترف به السعوديون
أبدا.
قام فريق من العلماء الفرنسيين بإخضاع اللوحة
غير المؤطرة للفحوص الأثرية لمدة أسبوع باستخدام بعض من أكثر التقنيات تقدما
المتاحة لعالم الفن، وفي تقريرهم الذي لم يكشف عنه، أعلنوا بتأكيد أكبر من أي
تقييم سابق أن اللوحة بدت كأنها أحد أعمال ليوناردو.
وقالت الصحيفة: "ومع ذلك، فقد حجبها
السعوديون، لأسباب مختلفة تماما، مثل خلاف حول مطالبة سعودية بوجوب تعليق رسوماتهم
ليسوع بجانب الموناليزا"، كما قال العديد من المسؤولين الفرنسيين الأسبوع
الماضي، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لأن المحادثات كانت سرية.
وبعيدا عن الخلاف حول قيمتها الفنية، يبدو أن
سحب اللوحة كان سببه مسائل تعود إلى النفوذ والغرور.
ويقول بعض المتشككين في عالم الفن إنهم يشتبهون
في أن السعوديين لم يكونوا جادين أبدا بشأن تضمين اللوحة في المعرض الفرنسي،
وأرادوا إبقاء العمل طي الكتمان؛ لزيادة الفرص التجارية لتثبيتها لاحقا في موقع
سياحي مخطط في المملكة. وعلى الرغم من ذلك، يقول المسؤولون الفرنسيون الحاليون
والسابقون إن السعوديين كانوا حريصين على تعليق اللوحة التي حصلوا عليها حديثا في
متحف اللوفر، طالما تم وضعها بجانب اللوحة الأكثر شهرة في العالم.
ورفض الفرنسيون بدورهم هذه المطالب، باعتبارها
غير منطقية وغير عملية، ورفضوا الإعلان عن تقييمهم الإيجابي لأصالتها، إلا إذا سمح
السعوديون بإدراج "سالفاتور موندي" في معرض اللوفر، الذي تشرف عليه
الحكومة الفرنسية.
وقد أدت الخلافات الدبلوماسية الناتجة بين
الفرنسيين والسعوديين إلى إبقاء اللوحة بعيدة عن الأنظار، مع استمرار تضخم سحابة
التخمينات التآمرية حولها.
وقال لوك سايسون، مدير متحف فيتزويليام في كامبريدج، إنجلترا، أمين المعرض
الذي أشرف على معرض ليوناردو 2011 في المعرض الوطني في لندن، والذي تضمن
"سلفاتور موندي": "بصراحة، أعتقد أنه كان يمكن لكل هذه التفاهات أن
تتبخر". موضحا أنه لو تم عرض اللوحة فقط، "يمكن للناس أن يقرروا بأنفسهم
من خلال رؤيتهم الصورة".
ويُعتقد أنه تم رسم اللوحة حوالي عام 1500، وكان
"سالفاتور موندي" أحد عملين مشابهين مدرجين في قائمة جرد مجموعة الملك
تشارلز الأول ملك إنجلترا بعد إعدامه في عام 1649. لكن السجل التاريخي لملكية
اللوحة انتهى في أواخر القرن الثامن عشر.
بعد ذلك، في حوالي عام 2005، اكتشف زوجان من
تجار الأعمال الفنية في نيويورك خلال بيع ممتلكات في نيو أورلينز لوحة تم ترميمها
بشكل سيئ، وطليت جزئيا فوق الطلاء الأصلي، واشتبهوا بأنها قد تستحق نظرة فاحصة. لقد
حصلوا عليها بأقل من 10000 دولار، وأحضروها إلى متخصص ماهر؛ لإزالة طبقات الطلاء
اللاحقة، واستعادة النسخة الأصلية.
وأشارت الصحيفة إلى أنه تم تغييرها عدة مرات
منذ ذلك الحين، وتم تعليقها على أنها لليوناردو في معرض عام 2011 في المعرض الوطني
في لندن. ولكن كان الثمن القياسي في عام 2017 -البالغ 450 مليون دولار- هو الذي
حول "سالفاتور موندي" إلى عناوين الصحف في الصفحة الأولى، خاصة بعد أن
ذكرت صحيفة التايمز أن المشتري المجهول
اشتراها بتكليف من لولي عهد السعودية.
الآن احتل الجدل عناوين الصحف مرة أخرى مع
إصدار فيلم وثائقي فرنسي جديد، الأسبوع الماضي، يدعي أن متحف اللوفر قد خلص إلى أن
ليوناردو قد "ساهم فقط" في لوحة "سالفاتور موندي". يعرض
الفيلم الوثائقي الذي تم عرضه على التلفزيون الفرنسي يوم الثلاثاء شخصيتين
مقنّعتين، تم تحديدهما على أنهما مسؤولان حكوميان فرنسيان، مؤكدين أن ولي العهد
الأمير محمد لن يعير اللوحة لمعرض الذكرى؛ لأن متحف اللوفر رفض إسناد العمل بالكامل
إلى ليوناردو.
وفي مقابلة هاتفية، قال مدير الفيلم الوثائقي،
أنطوان فيتكين، إنه يتمسك بمزاعمه، قائلا إن رئيس متحف اللوفر رفض التعليق على حكم
المتحف على "سالفاتور موندي". وقال فيكتين إن متحف اللوفر أصر على أن
التقرير عن أصالة اللوحة "غير موجود".
على الرغم من إنكارهم، فقد أعد أمناء متحف
اللوفر سرا ملخصا لامعا من 46 صفحة على غرار المجلات لاستنتاجات الفحص الأثري
للوحة. وتم الإبلاغ عن وجوده لأول مرة في آذار/ مارس 2020 عن طريق أليسون كول من
صحيفة آرت نيوزبيبر. كما أصبحت النسخ
الممسوحة ضوئيا من التقرير السري ممتلكات ثمينة بين خبراء ليوناردو البارزين في
جميع أنحاء العالم، وحصلت صحيفة نيويورك تايمز على نسخ متعددة.
واستخدم الخبراء في مركز الأبحاث والترميم
للمتاحف في فرنسا، وهو معهد مستقل لوزارة الثقافة، أشعة سينية الفلورسنت ومسح
الأشعة تحت الحمراء والكاميرات الرقمية، من خلال مجاهر عالية الطاقة؛ لمطابقة تفاصيل
المواد والتقنيات الفنية في المستخدمة في لوحة "سالفاتور موندي"، مع
روائع ليوناردو الأخرى في متحف اللوفر.
وكان اللوح الخشبي الرقيق الذي رسم عليه
"سالفاتور موندي" هو نفس نوع خشب الجوز من لومباردي الذي استخدمه
ليوناردو في أعمال أخرى. وقام الفنان بخلط الزجاج الناعم في الطلاء، كما فعل
ليوناردو في سنواته الأخيرة.
وخلص التقرير إلى أن آثار الرسم المخفي تحت
الطبقات المرئية، والتفاصيل الموجودة في خصلات شعر المسيح، وظلال اللون القرمزي
اللامع المستخدم في الظلال، تشير جميعها إلى يد ليوناردو.
وكتب فنسنت ديليوفين، أحد القيّمين على معرض
الذكرى السنوية، في مقال مطول يصف الفحص: "كل هذه الحجج تميل إلى تفضيل فكرة
عمل موقّع بالكامل"، مشيرا إلى أن اللوحة "للأسف أصيبت بالضرر؛ بسبب
سوء الحفظ وعمليات الترميم القديمة والقاسية للغاية".
كان جان لوك مارتينيز، رئيس متحف اللوفر، أكثر
تحديدا. كتب في المقدمة: "تسمح لنا نتائج الدراسة التاريخية والعلمية المقدمة
في هذا المنشور بتأكيد إسناد العمل إلى ليوناردو دافنشي". (من المقرر أن
تنتهي فترة ولايته الحالية هذا الشهر، وقد تأخر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن
الإعلان عما إذا كان سيمدد فترة ولاية مارتينيز أو يعين شخصا جديدا).
قال مسؤولون إن متحف اللوفر كان حريصا جدا على
إدراج "سالفاتور موندي" في معرض الذكرى السنوية، حيث خطط القيمون على
اللوحة لاستخدام صورة من اللوحة في مقدمة كتالوجها.
لكن المسؤولين الفرنسيين قالوا إن إصرار السعوديين
على توأمة "سالفاتور موندي" مع "الموناليزا" كان طلبا غير
معقول.
الإجراءات الأمنية غير العادية المحيطة بـ"الموناليزا" تجعل من الصعب للغاية نقل اللوحة من مكانها على قسم خاص في
وسط قاعة الدول، وهو معرض واسع في الطابق
العلوي. وجادل المسؤولون الفرنسيون بأن وضع لوحة بجانبها سيكون مستحيلا.
وقال المسؤولون الفرنسيون إن فرانك ريستر، وزير
الثقافة الفرنسي في ذلك الوقت، حاول لأسابيع التوسط، واقترح أنه كحل وسط، يمكن أن
تقترب لوحة "سالفاتور موندي" من "الموناليزا" بعد فترة في عرض
الذكرى.
وحتى بعد افتتاح المعرض من دون "سالفاتور
موندي" في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، واصل المسؤولون الفرنسيون المحاولة.
وتم تعيين الأمير بدر بن فرحان آل سعود، وهو
صديق قديم لولي العهد الأمير محمد الذي ناب عن الأمير في شراء "سالفاتور
موندي"، لاحقا وزيرا للثقافة في السعودية. وقال المسؤولون الفرنسيون إنه
عندما صادف أن زار باريس، قاده وزير الثقافة الفرنسي ورئيس متحف اللوفر في جولة
خاصة بالمتحف والمعرض؛ في محاولة لإقناعه بإعارة اللوحة.
ورفض متحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن
التعليق.
وتمت إزالة قسم مخطط له للكتالوج يوضح بالتفصيل
تأكيد مصداقية اللوحة قبل النشر، وأمر المتحف بالإغلاق على جميع نسخ التقرير في
المخزن.
وقالت صوفي غرينج، المتحدثة باسم متحف اللوفر،
إن مسؤولي المتحف سيمنعون من مناقشة أي وثيقة من هذا القبيل؛ لأن اللوائح الفرنسية
تحظر الكشف عن أي تقييم أو توثيق لأعمال غير معروضة في المتحف.
قالت كورين هيرشكوفيتش، محامية فنون فرنسية
رائدة، إن هذه "التقاليد الراسخة" تم "إضفاء الطابع الرسمي عليها
بموجب القانون في عام 2013، في مرسوم يحدد مكانة من يقومون بالمحافظة على
التراث"
لكن مع رفض الفرنسيين الحديث عن اللوحة ورفض
السعوديين عرضها، فإن الأسئلة المتكاثرة حول اللوحة قد أثرت، كما قال روبرت سيمون،
تاجر فنون في نيويورك مشارك في إعادة اكتشاف "سالفاتور موندي"، وقال:
"إنها ملوثة بطريقة ما، بسبب كل هذه التكهنات غير المبررة".