هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريرا تحدثت فيه عن مدى قدرة مارين لوبان على كسب تأييد يهود فرنسا والفوز بأصواتهم خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة سنة 2022.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21" إن مارين لوبان أصبحت في الوقت الحالي أقرب من أي وقت مضى للفوز بمنصب الرئيس استنادًا إلى أحدث استطلاعات الرأي، حيث تتقدم بثلاث نقاط مئوية على الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون.
وقد تغلب ماكرون على لوبان عندما تنافسا في الانتخابات الرئاسية سنة 2017، بعد تعهده بإجراء إصلاحات عميقة في البلاد والانخراط بشكل أقوى في الاتحاد الأوروبي، لكن تعامله مع جائحة فيروس كورونا وسلسلة الهجمات التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية قد ترجح كفة لوبان في الانتخابات القادمة.
قانون مكافحة التطرف
وتعتقد لوبان أن محاولات ماكرون الظهور بصورة الزعيم اليميني وتبني مشروع قانون مكافحة الانفصالية تخدم مصالح حزبها. وتقول لوبان في حوار مع هآرتس: "تحدث ماكرون عن الأصولية الإسلامية لأنه لم يعد يستطيع تجاهلها. ولكن منذ فترة طويلة، كنا الطرف الوحيد الذي يدينها، وكانت لدينا الشجاعة لمحاربتها".
وأضافت الصحيفة أنه على الرغم من أن مشروع القانون يحظى بتأييد واسع في البرلمان (أقرته الجمعية الوطنية الشهر الماضي وتجري مناقشته حاليًا في مجلس الشيوخ)، تحاول لوبان الدفع نحو مشروع قانونها الخاص بـ"مكافحة التطرف".
ويجادل منتقدو مشروع لوبان بأن تعريف "الإيديولوجيات الإسلامية" ضمن القانون المقترح غامض للغاية ويمكن أن يمهد الطريق نحو حملة مناهضة لمسلمي فرنسا الذين يقدر عددهم بنحو 5.7 ملايين شخص.
وعندما سُئلت عما إذا كان قانونها يتعارض بشكل مباشر مع أحد الحقوق الأساسية في فرنسا - حرية الدين - وجهت لوبان أصابع الاتهام إلى مشروع قانون ماكرون الذي رأت أنه يتعارض بشدة مع قانون 1905.
وينص مشروع القانون الذي تتبناه لوبان على منع الموظفين العموميين من ارتداء الملابس ذات الطابع الديني في أماكن العمل لتجنب "الإخلال بالنظام العام"، ويمنع أي شخص يتبنى أيديولوجيات إسلامية من الترشح لأي منصب أو وظيفة عمومية.
اقرأ أيضا: بدء محاكمة ماري لوبان بفرنسا بتهمة نشر صور لتنظيم الدولة
في سنة 2017، دعت لوبان يهود فرنسا إلى التخلي عن ارتداء الكيباه في الأماكن العامة لمساعدتها في هزيمة ما تصفه بـ "الإسلام المتطرف"، مما أثار انتقادات واسعة النطاق داخل المجتمع اليهودي. وفي الوقت الحالي، تقول لوبان إن "مشروع القانون لا يستهدف اليهود الذين يرتدون الكيباه، بل يحارب عدوا واضحا، وهو الإسلام السياسي" على حد وصفها.
تغيير إرث لوبان الأب
لسنوات عديدة، لم يفكر معظم اليهود الفرنسيين في التصويت لحزب اليمين المتطرف، خاصة عندما قاده والد مارين، جان ماري لوبان.
وكان جان ماري لوبان يُنكر مقتل ستة ملايين يهودي في الهولوكوست، وهو ما جعله بعيدا عن كسب تأييد يهود فرنسا. وبعد أن انتزعت ابنته مارين لوبان زعامة الحزب سنة 2011، اعتمدت استراتيجية مغايرة، لدرجة أن عددا كبيرا من اليهود اليوم لم يعد لديهم أي مشكلة في التصويت لصالحها في الانتخابات.
تعدّ فرنسا موطنا لأكبر جالية يهودية في أوروبا، ويقدر عددهم بنحو 500 ألف نسمة، ومعظمهم يهود سفارديون. ووفقا لمسح أجرته المؤسسة الفرنسية للرأي العام، فقد صوّت حوالي 14 بالمئة من اليهود لفائدة لوبان سنة 2012. ويقول بول سيبي، محلل البيانات البارز في المؤسسة، إنه من غير المستبعد أن يبقى هذا المعدل على حاله السنة المقبلة أو يرتفع.
ويضيف سيبي: "لاحظنا أن اليهود الفرنسيين الذين تعرضوا للهجوم بسبب دينهم يميلون إلى التحول إلى اليمين. هذا ما حدث بين فترة الثمانينات وسنة 2012، عندما نأى يهود فرنسا بأنفسهم عن اليسار للتصويت لمرشحي اليمين على غرار حزب الجبهة الوطنية".
وحسب المراقبين، لا يزال من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت الهجمات التي وقعت في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فضلا عن تعامل ماكرون مع الجائحة، هي العوامل التي ترجح إلى حد الآن كفة لوبان في استطلاعات الرأي.
وتفيد تقارير أن عدد الأعمال والتهديدات المعادية للسامية بلغ 687 في سنة 2019، بزيادة قدرها 27 بالمئة مقارنة بالسنة السابقة. ويعكس عدد اليهود الفرنسيين الذين هاجروا إلى "إسرائيل" هذه المخاوف، حيث هاجر حوالي 38 ألف يهودي إلى إسرائيل خلال العقد الماضي.
وفي أعقاب الهجمات على صحيفة "شارلي إبدو" الهزلية ومتجر كوشير في باريس سنة 2015، أرسل بنيامين نتنياهو رسالة واضحة إلى اليهود الفرنسيين مفادها أن "دولة إسرائيل هي وطنهم".
أما لوبان، فإنها لا تشاطر نتنياهو الرأي بأنه ينبغي على اليهود الذين يشعرون بالتهديد في فرنسا، الهجرة إلى "إسرائيل". وتقول في هذا الشأن: "هجرة المواطنين اليهود من فرنسا لأنهم يخشون على حياتهم من شأنه أن يُضعف الدولة. أريد أن أقول لنتنياهو، ولليهود بشكل عام، إن صعود الإسلام الأصولي ليس أمرا حتميا. علينا أن نحارب هذه الأيديولوجية الإسلامية، والتي من الواضح أنها سبب تنامي معاداة السامية في بلدنا" على حد زعمها.
وفيما يمكن اعتباره محاولة أخرى للنأي بنفسها عن ماضي والدها المعادي للسامية، وعدت لوبان بضمان حماية الجالية اليهودية في حال انتخابها.
مواقف يهودية مناوئة
رغم كل تلك الجهود لكسب تأييد اليهود، فإن المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (كريف) لا يبدي أي تأييد لمارين لوبان، حتى أن الرئيس السابق روجر كوكيرمان حذّر قبل انتخابات 2017 من أن اليهود سيغادرون فرنسا في حال فازت لوبان، ولا تزال تلك المعركة محتدمة حتى يومنا هذا.
اقرأ أيضا: لوبان تتهم منظمي مسيرة ضد الإسلاموفوبيا بـ"التشدد"
وتقول لوبان ردا على المجلس: "لا أعتقد أنهم يمثلون يهود فرنسا أو ما يجول بخاطرهم. أتساءل عما إذا كانوا يحاولون طلب الصفح بسبب دفاعهم عن الهجرة الجماعية وإدانة أولئك الذين كانوا يشجبون الإسلام المتطرف، ويصفونهم بكراهية الإسلام والعنصرية وكراهية الأجانب. يجب عليهم الاعتذار، وأعتقد بشكل موضوعي أن المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية قد سهّل ظهور المشاكل التي نواجهها اليوم".
ورفض جيل طيب نائب رئيس المجلس انتقادات لوبان، وقال لصحيفة هآرتس إن المجلس ينصح اليهود الفرنسيين "بعدم التصويت لأي من المتطرفين، سواء كانوا من اليسار أو اليمين. إذا انتهى الأمر بماكرون ضد لوبان، فإننا ننصح اليهود بالتصويت لماكرون. ولمجرد أننا روجنا للهجرة إلى فرنسا، فهذا لا يعني أننا مسؤولون بأي شكل من الأشكال عن تعزيز وجود الإسلاميين الراديكاليين، مثلما تتهمنا لوبان".
ويوضح طيب أن الإشكال ليس في اسم "لوبان" في حد ذاته بل "يتعلّق الأمر بحقيقة أن مارين تتبع نفس الأيديولوجية العنصرية والمعادية للسامية التي كان يتّبعها والدها".
وفي هذا الشأن، يقول شيمون صامويلز، مدير العلاقات الدولية في مركز سيمون فيزنتال: "لا أعتقد أن اليهود الفرنسيين سوف ينسون بسهولة تصريحات والدها المعادية للسامية، لذا أعتقد أن الاسم ما زال ملوثا".
وحسب الصحيفة، فإن هناك في مقابل تلك الآراء المناوئة لمارين لوبان، أصواتا يهودية تدعمها، خاصة من جيل الشباب. ويرى جان ريتشارد سولزر، وهو يهودي وعضو قديم في حزب الجبهة الوطنية، أن هناك اختلافا بين جان ماري لوبان وابنته مارين لوبان، ويقول في هذا السياق: "كنت أعرف جان ماري لوبان شخصيا، لكن الحزب اليوم مختلف عما كان عليه في ذلك الوقت، وما بقي على حاله هو حرب مارين لوبان ضد الإسلاميين الراديكاليين. الجالية اليهودية في فرنسا ممزقة سياسيا، ولهذا السبب فإن المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (كريف) لا يمثل الجالية بأكملها".
وأشارت الصحيفة إلى أن أحد أكبر مخاوف اليهود الفرنسيين هو وعد لوبان بمنع ازدواج الجنسية، الأمر الذي سيجبر الكثيرين على الاختيار بين جنسيتهم الفرنسية أو الإسرائيلية. لكن لوبان تقول إن الهجرة من إسرائيل ليست جزءًا من "المشكلة" في فرنسا، لذلك فإن الأمور ستكون أكثر مرونة بالنسبة لليهود.
وتوضح لوبان في هذا الشأن: "أنا أتفهّم أن الجنسية الإسرائيلية لها معنى خاص، وهذا هو سبب انفتاحي على إمكانيّة مناقشة فكرة إبقاء هذا الخيار لليهود الفرنسيين".
علاقة معقّدة مع إسرائيل
وترى الصحيفة من جهة أخرى أن علاقة لوبان مع "إسرائيل" معقدة بعض الشيء مثلما هو الحال مع يهود فرنسا. وتقول لوبان في هذا السياق: "نعم، لقد كان من الصعب عليّ الحديث مع السلطات الإسرائيلية، ولن أخفي ذلك".
كان هذا العداء بارزا بوضوح عام 2011، عندما حضر سفير إسرائيل السابق في الأمم المتحدة، رون بروسور، إحدى المناسبات التي أشرفت عليها لوبان، وأكد لاحقا أنه حضر عن طريق الخطأ وغادر بمجرد أن أدرك أن لوبان هي من تستضيف الحدث..
تضيف لوبان: "لا أعتقد أنني فعلت أي شيء يستحق هذه المعاملة. أعتقد أن هناك علاقة خاصة تجمع بين إسرائيل وفرنسا، ويجب تعميقها في جميع القطاعات".
وحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن ما تقوم به لوبان حوّلها في نظر كثيرين من زعيمة يمينية متطرفة متهمة بالعنصرية، إلى شخصية سياسية مؤثرة تقترب شيئا فشيئا من رئاسة فرنسا. لكن ذلك يدل أساسا على تغيّر المواقف والميول المجتمعية في فرنسا، وليس تغيُّر سياسات لوبان، فهي ما زالت تريد إيقاف الهجرة وحظر ارتداء الحجاب وتجريم "الأيديولوجيات الإسلامية".