فتحت المبادرة التي أعلنت عنها
السعودية لإنهاء الحرب في
اليمن، الاثنين، الباب واسعا أمام تساؤلات عدة حول دلالاتها، والدوافع التي تقف وراء إطلاقها.
وقال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان بن عبد الله، في مؤتمر صحفي، إن المبادرة تشمل وقف إطلاق النار في أنحاء اليمن، وتحت إشراف الأمم المتحدة.
وأضاف أن "التحالف سيسمح بإعادة فتح مطار صنعاء لعدد محدد من الوجهات الإقليمية والدولية المباشرة، وسيخفف حصار ميناء الحديدة، وإيرادات الضرائب من الميناء ستذهب إلى حساب مصرفي مشترك بالبنك المركزي".
فيما قال كبير المفاوضين
الحوثيين، محمد عبد السلام الحوثي، في حديث لوكالة "رويترز"، إن هذه الخطة "لا تتضمن شيئا جديدا"، متابعا بالقول: "المملكة "جزء من الحرب، ويجب أن تنهي الحصار الجوي والبحري على اليمن فورا".
وأشار إلى أن جماعته ستواصل الحديث مع السعودية وعمان والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق سلام.
" خطوة متقدمة"
وتعليقا على المبادرة، اعتبر وكيل وزارة الإعلام اليمني، عبدالباسط القاعدي، المبادرة السعودية "خطوة متقدمة، وأنها تشكل أرضية حقيقية لعملية السلام، خاصة أنها تضمنت أمورا لم يتم تضمينها في مبادرات سابقة، مثل فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة أمام السفن بكل البضائع والمشتقات النفطية.
وقال القاعدي، في حديث خاص لـ"عربي21"، إن أهميتها تكمن في أنه تم إعلانها من السعودية التي تقود التحالف في اليمن، وبالتالي، لديها أوراق قوية لتنفيذها إذا ما وافق الحوثيون.
وبين المسؤول الحكومي أن المبادرة أيضا ترفع الحرج عن الرياض، خاصة بعد تعرضها لضغوط من المبعوثين الأممي والأمريكي إلى اليمن.
وأكد المسؤول اليمني أن "المبادرة ستعري الحوثيين، وستقدمهم باعتبارهم طرفا مليشياويا إرهابيا رافضا لأي عملية سلام"، بحسب تعبيره.
"امتصاص الضغوط"
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبدالناصر المودع، أن "السعودية تتعرض للضغوط، خاصة من الإدارة الأمريكية"، مضيفا أن "هذه المبادرة تأتي في سياق امتصاص الضغوط ورمي الكرة في ملعب الحوثيين".
وبحسب ما قال المودع لـ"عربي21"، فإن "المبادرة لا يتوقع لها أن تغير المشهد على الأرض، وأفضل ما يمكن أن تفعله هو تجميد نسبي للمعارك، والدخول في ماراثون المفاوضات والتسوية السياسية التي ما زالت بعيدة جدا".
وأوضح أن هذه المبادرة هي صيغة أخرى لعرض وقف إطلاق النار الذي تقدمت به السعودية بداية جائحة كورونا ورفضها الحوثيون.
وختم حديثه قائلا: "الفرق هنا أن العالم، وبالتحديد أمريكا، مهتمة بوقف إطلاق النار في اليمن، ولهذا ستضغط على الحوثيين من أجل القبول بها، وعلى السعوديين لتحسينها".
"لا تختلف عن سابقاتها"
من جانبه، يعتقد الصحفي والناشط السياسي والحقوقي اليمني، محمد الأحمدي، أن "المبادرة السعودية المشروطة بقبول الحوثيين لا تختلف عن سابقاتها".
وقال في حديث خاص لـ"عربي21" إنها "تبدو مجرد ثمرة للضغوط التي مارستها الإدارة الأمريكية الجديدة"، مستدركا بالقول: "لكنها في المحصلة سوف تصطدم بتحديات عدة".
ومن تلك التحديات -وفقا للأحمدي- "استمرار حرب الحوثيين، وتفرغهم للحرب الداخلية في ظل شعورهم الآن بنشوة الانتصار، باعتبار أن هذه المبادرة السعودية محصلة للتصعيد العسكري الحوثي وهجماتهم على منشآت حيوية سعودية، ومحاولة فرض المزيد من الاشتراطات في حال الذهاب نحو آليات تنفيذية لوقف إطلاق النار".
وأشار الصحفي اليمني إلى "مخاوف اليمنيين من تحول الملف في ضوء هذه المبادرة إلى ورقة أمريكية في سياق التفاوض مع طهران بشأن ملفها النووي"، وهو تحد ثان، على حد قوله.
"استسلام وضغوط"
من جهته، لم يختلف أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، عادل الشجاع، عما طرحه المودع أن المبادرة السعودية جاءت تحت ضغوط أمريكية".
وقال في حديث خاص لـ"عربي21" إنها مبادرة استسلام دون مقابل، فقد اشترطت على الحوثيين أن يجلسوا مع الشرعية، ويحلوا الأزمة بعيدا عن إيران".
وبحسب الأكاديمي اليمني، فإن السعودية تعيش مأزقا تريد الخروج منه، فقدمت لها المبادرة الأمريكية لتعلنها باسمها حفظا لماء الوجه، بالرغم من أنه لا ماء ولا وجه لها، مؤكدا أن "تسليم الرياض بهذه الطريقة سيجعل طهران تضغط أكثر للحصول على مكاسب أكثر".
وأوضح أن المبادرة تحمل في طياتها تسليم اليمن لإيران، وأن المملكة كانت وراء هذا التسليم بممارساتها الخاطئة، التي اعتمدت على تفكيك الشرعية الدستورية واحتفاظها بشرعية الأفراد.
وجزم أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء أن المبادرة ستمضي؛ لأنه ليس من خيار للسعودية، لكنه استدرك قائلا: "الحرب ستستمر؛ لأن أسبابها ما زالت قائمة".
"تحولات وتبدلات"
أما الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، فأكد أن المبادرة السعودية هي محصلة تحولات إقليمية ودولية، وأخرى لها علاقة بسير المعركة والتبدلات الجذرية في طبيعة التحالفات داخل التحالف الذي تشكل للتدخل العسكري في اليمن.
وأضاف في حديث خاص لـ"عربي21": "وهي تعكس طبيعة الضغوط التي تتلقاها من إدارة بايدن، التي تريد أن تحقق إنجازا مهما في مسار الأزمة والحرب في اليمن خلال مئة يوم من رئاسته.
وبحسب التميمي، فإنه ليس هناك توقيت محدد ترتبط به هذه المبادرة، بل جملة تطورات، من بينها التقارير السلبية التي تأتي من واشنطن ولها علاقة بموقف الإدارة الأمريكية من ولي العهد السعودي.
واستطرد بأنها تأتي في ظل تصاعد الاستهدافات التي تتعرض لها السعودية في عمقها الجغرافي، على نحو يعكس الطبيعة الإقليمية للحرب، بالإضافة إلى الضغط العسكري الخطير للحوثيين على مدينة مأرب المعقل الرئيس للشرعية على الأرض اليمنية، التي إن سقطت فسيمثل هذا السقوط نهاية الدور السعودي، مقترنة بهزيمة ثقيلة يقابلها انتصار حقيقي لإيران.
ورأى السياسي اليمني أن المبادرة ليس فيها ما يرضي غرور الحوثيين، الذين ثبتتهم المبادرة على أنهم الطرف المتحكم بالداخل اليمني.
ومع ذلك، يشير التميمي إلى أنهم يريدون مبادرة يصبحون معها الطرف الذي ينجز الصفقة الكاملة مع السعودية، بحيث يتحررون معها من هيمنة التحالف في اليمن، والتحكم بالمنافذ والموانئ والمطارات، والتصرف كسلطة تحتكر التمثيل السيادي لليمن.
ورحبت الحكومة اليمنية، المعترف بها دوليا، بمبادرة السعودية لوقف إطلاق النار في اليمن وفتح مطار صنعاء.
وقالت وزارة الخارجية اليمنية، في بيان لها: "نذكّر بأن مليشيا الحوثي قابلت كل المبادرات السابقة بالتعنت والمماطلة".