فنون منوعة

فيلم "The Invention of Lying" | الكذب راقك أنه متجمل.. والصدق ساءك أنه عريان

3202119123355716427573
3202119123355716427573

تنبيه: المادة تشمل حرقا جزئيا لأحداث الفيلم لكنه لا يفسده

نعرف جميعا أول جريمة قتل حصلت على الأرض، حينها تعلم الإنسان معنى أن يقتل أحدهم الآخر، لكن لا يعلم أحد على وجه التحديد متى كانت أول كذبة، ومن الذي علّم الناس الكذب حتى يومنا هذا.

في فيلمنا "اختراع الكذب"، أو لنقل "الكذبة الأولى"، كانت الكذبة الأولى من نصيب مارك الذي يؤدي دوره الممثل والمخرج ريكي جيفريه، في عالم لم يكن يعرف الكذب، ولم ترد الكلمة على لسان أبطال الفيلم ولا حتى مرة واحدة، لأنها لم تكن مفردة معروفة.

وكأي اختراع آخر، طور الإنسان الكذب، ولونه، وحسنه، وجعله قابلا للتداول على نطاق أوسع، بعد أن كان حكرا في الفيلم على مارك وحده.

فيلم يجعلك تفكر في شكل الحياة التي نعيش، هل هي كما نراها؟ هل نفرق فيها بين الصادق والكاذب فيها؟ هل تقنعك فيها الكلمات المغرية في الإعلانات؟ هل تصدق مجاملات زملائك في العمل؟ هل أنت صادق حين تقول لجميع من تقابل: "سعدت بمعرفتك"؟ وهل تضحك بصدق على نكاتهم التي قد تكون سمجة أحيانا؟

فيلم يدفعك للتساؤل: "هل أصبح الصدق ميزة تعجبك في الأشخاص؟ أليس من المفترض أنه الأمر الطبيعي؟!".

 

اقرأ أيضا: جزيرة شاتر: الهروب إلى الخيال.. والمنارة التي تحجب العقل

تدور أحداث الفيلم في عالم لم تتطور بعد لدى الجنس البشري فيه القدرة على الكذب، ليس "مدينة فاضلة"؛ فهناك اللص، والحاسد، والمتنمر، لكن لا أحد يكذب، يقول الناس فيه الحقيقة حتى لو كانت مزعجة أو فظة، لا يملكون من أمرهم شيئا، فهم مطبوعون على الصدق الخالص.

يقولون أمورا مخجلة، قاسية، بذيئة، في وجوه بعضهم البعض بابتسامة عريضة، لا يخجلون، ولا يكلفون أنفسهم عناء تجميل الكلمات، يقولون الصدق، والصدق فقط.

 

مدينة لا يكذب فيها صاحب السلعة لكي يبيعها، يطلب من الناس شراءها بكل بساطة، دون أي خداع أو مواربة.

في المقابل، لا يجد الطرف الآخر أي انزعاج، ولا يتصرف بناء على مشاعر مجروحة، أو تنمر، بسبب الكلمات الصادقة الجارحة، فهو لم يجرب بعد "لذة الكذب" وتصنع المشاعر، وإخفاء الحقيقة، والالتفاف على الواقع.

دار المسنين في هذا العالم ليست مكانا جميلا، بل مكتوب على بابها "مكان كئيب لكبار السن اليائسين".

يعيش بطل الفيلم مارك حياة عادية، ليس غنيا، ولا جذابا، فاشلا في الحصول على شريكة حياة، معدما بعد أن خسر وظيفته، ولا يملك تكلفة العيش في شقة صغيرة.

كادت تدفع الظروف مارك إلى الشارع، بعد أن فقد وظيفته وشقته المستأجرة، لأن النصوص السينمائية التي يكتبها  لا تجذب الكثير من المشاهدين، لكن ما ذنبه إن كان مكلفا بالكتابة عن القرن الرابع عشر، لقد كان قرنا سيئا عرف الناس فيه الطاعون، وكاتب التاريخ لا يكذب (آنذاك).

عالم لا يصورون فيه أفلاما مبنية على روايات متخيلة، أو قصصا مختلقة، يرون التاريخ فقط، وأحسن من مارك حالا زميله المنافس؛ لأنه يكتب عن القرن الثامن عشر والثورة الصناعية التي يحبها الناس، وليس لأن مهارته في الكتابة أفضل.

 

اقرأ أيضا: "سوبرمان".. توبة الشيوعي الأحمر بطل موسكو قبل متروبوليس

يخالف مارك منطق المدينة عندما يصل إلى البنك الذي تعطل فيه الحاسوب، ليسحب من رصيده 800 دولار تنقذه من النوم في الشارع، رغم أن حسابه لم يتجاوز 300 دولار، وتصدق موظفة البنك مارك، وتكذب الحاسوب، لأن الإنسان لا يمكن أن يكذب، ولا يعرف مارك حتى الآن كيف ارتجفت شفتاه حين طلب المبلغ الذي لا يملكه.



لم يعرف مارك ما الذي فعله، حاول أن يخبر أصدقاءه أنه فعل أمرا جديدا، لكنه لا يعرف المفردة التي تعبر عنه، فقد اخترعه للتو، ويبدو أن الاختراع الجديد أعجبه.

لم يصنع الصدق منه رجلا نافعا في 40 عاما، لكنه أصبح بالكذب ثريا في ليلة واحدة، فقط لأنه في هذا العالم كان الكاذب الوحيد، لم يكن هنالك من ينافسه، ولم يكن بحاجة إلى اختراع كذبة مقنعة، لقد كانت كذباته ساذجة!.

بعد أن رأى مارك تأثير الكذبات على حياته، بدأ بتوزيع اختراعه الجديد هنا وهناك لتحسين حياة الآخرين، غير حياتهم بكذبات صغيرة، لكن مفعولها كبير، فما بالك بالكذبات الكبيرة!.



الكذبة الكبيرة الأولى التي بدأ بها مارك كانت تزوير التاريخ لكي يعود إلى عمله، وينقذ سمعته، زور القرن الرابع عشر، غزو فضائي للأرض، مركبات تهبط في بابل، وجيش من النينجا يقاوم، ونساء من الأمازون، وأفراح على كوكب المريخ! لم ينتبه أحد إلى الكذبة الكبيرة، لم يكن هنالك مقياس يقول إنها كذبة كبيرة.

واكتشف مارك أيضا أن الكذب مريح حتى بعد الموت، أخبر أمه الخائفة التي ترى الموت انتقالا للعدم إلى ما لا نهاية، بأن بعد الموت حياة جميلة، وفي قصر كبير إلى جانب من نحب، فماتت مبتسمة.

تشجعه صديقته على أن يستمر فيما يفعل لأن كلماته تجعل الآخرين سعداء، وتجعله يشعر بالرضا، وأن عليه ألّا يبقيها لنفسه بكلمات أخرى تقول له: "تخيل ماذا يمكنك لكلماتك أن تفعل بتلك الجموع من البشر إنهم يحتاجون لسماعها، ما تفعله سيغير وجه البشرية إلى الأبد".



يحتاج الواحد منا أحيانا إلى سماع ما يطمئنه، ويدخل السرور إلى قلبه: "قل لي ولو كذبا كلاما ناعما"، كما يقول نزار قباني.

لم يتعلم أحد في عالم مارك كيف يكذب، حاول أن يشرح لهم، لم يفهمه أحد، استمروا في التصديق فقط، لكنه ورث جين الكذب إلى ابنه الصغير الذي أخبر أمه أن طعامها السيئ لذيذ الطعم.

لا أحد يعرف أين ومتى ولد مارك، لكن جيناته تسري فينا جميعا، شئنا أم أبينا.


التعليقات (0)