هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "ايكونوميست" تقريرا أشارت فيه إلى إن شعار "بريطانيا العالمية"، اكتسب رواجا لأول مرة في الأشهر التي أعقبت تصويت البلاد على مغادرة الاتحاد الأوروبي في عام 2016.
وأشارت المجلة في تقرير ترجمته "عربي21"، إلى أن تيريزا ماي استخدمت عبارة "بريطانيا العالمية" خمس مرات، عندما ألقت كلمة أمام مؤتمر حزب المحافظين لأول مرة كرئيسة للوزراء. وبعد أيام، كان هذا هو عنوان أول خطاب حول السياسات لبوريس جونسون كوزير خارجية في حكومة ماي. وبقي ما يعنيه ذلك من الناحية العملية، عدا عن محاولة طمأنة البريطانيين بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يعني الانعزال الاقتصادي، ضبابيا.
وأخيرا يتم تجسيد الفكرة. في 16 آذار/ مارس، نشرت حكومة جونسون "بريطانيا العالمية في عصر تنافسي"، وهو "مراجعة متكاملة" مؤلفة من 114 صفحة لسياسات الدولة الخارجية والأمنية والدفاعية والمساعدات، ووصفت بأنها المراجعة الأكثر جذرية من هذا النوع منذ نهاية الحرب الباردة، وتتحدى التوقعات من نواح كثيرة. فالنص خالٍ من روح "الشوفينية الحماسية" التي يحبها جونسون ووزراؤه، وكان العديد من المراقبين توقعوا الابتعاد عن أوروبا، حيث تخوض بريطانيا حربا دبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي، نحو القوى الصاعدة في آسيا.
وفي الواقع، فإن "الميل" المتبجح تجاه دول الهندي والهادئ متواضع نسبيا، ومن ثم واقعي بشكل منعش، على الرغم من زخرفته بزيارة يقوم بها جونسون للهند الشهر المقبل والإرسال الوشيك لحاملة طائرات إلى المنطقة، حيث يعدّ ذلك "أهم نشر عسكري في وقت السلم منذ 25 عاما"، كما يشير نائب الأدميرال السير بن كي، رئيس العمليات المشتركة في بريطانيا.
وستسعى بريطانيا أيضا إلى أن تصبح عضوا في الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة العابرة للمحيط الهادئ (cptpp)، و"شريك الحوار" في رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان)، وهو نادٍ يضم عشر دول في جنوب شرق آسيا.
اقرأ أيضا: بريطانيا تطلق استراتيجية ضد الصين وتتحدث عن "مخاطر أخرى"
أشارت المجلة، إلى أنه يخيم على تلك الجهود البريطانية والمراجعة ككل، الصين التي يوصف صعودها بأنه "إلى حد بعيد العامل الجيوسياسي الأكثر أهمية في العالم اليوم"، لخيبة أمل العديد من أعضاء البرلمان من حزب المحافظين،
ولفت النائب البريطاني، إلى أن الصين تشكل "تحديا منهجيا ... لأمننا وازدهارنا وقيمنا"، لكنه يحذر من أن بريطانيا "يجب أن تظل منفتحة على التجارة والاستثمار الصيني".
وتشير المراجعة بوضوح إلى أن الجوار المباشر لبريطانيا، المنطقة الأوروبية الأطلسية، لا يزال يمثل الأولوية، "حيث سيظل الجزء الأكبر من التركيز الأمني للمملكة المتحدة".
وتكتسب اللغة الطموحة للمراجعة مصداقية من خلال الزيادة الكبيرة لميزانية الدفاع التي أُعلن عنها في تشرين الثاني/ نوفمبر. وسيتم نشر التفاصيل الكاملة للاستثمارات (لا سيما مجالات التكنولوجيا العالية) والتخفيضات (التي تقع على عاتق الجيش بشكل كبير) في "ورقة قيادة" دفاعية منفصلة في 22 آذار/ مارس، وما هو واضح هو أن بريطانيا تقوم بإصلاح موقفها العسكري.
وتابعت المحلة، بأن القوات المسلحة ستنتشر على نطاق أوسع في جميع أنحاء العالم، مع تعزيز المنشآت العسكرية في عمان وسنغافورة وكينيا، وزيادة بمقدار الثلث في عدد الملحقين العسكريين، ستتمركز سفينة أو اثنتان من سفن الدوريات البحرية بشكل دائم في آسيا، تليها فرقاطات بريطانية من الجيل التالي في وقت لاحق من هذا العقد.
وذكرت أن الفكرة أيضا هي استخدام هذه القوى بشكل أكثر نشاطا وغير متوقع في وقت السلم.
ويقول الأدميرال كي، مشيرا إلى إرسال بريطانيا لسفن حربية إلى القطب الشمالي ومظليين إلى أوكرانيا العام الماضي: "نحن نقوم بأشياء في وقت ومكان لم نكن نفعله عادة، لنرى ما إذا كان ذلك سيظهر رد فعل".
ومع ذلك، فإن الموضوع الذي يوحد المراجعة ليس طموح التجارة الحرة لبريطانيا ولا قوتها العسكرية، ولكن تطلع الحكومة إلى الاعتراف بالدولة باعتبارها "قوة عظمى في مجال العلوم والتكنولوجيا" بحلول عام 2030، و"ستكون التكنولوجيا هي المقياس الأساسي لقياس النفوذ الوطني على مدى العقد المقبل "، كما يقول مسؤول مشارك في المراجعة. ولهذه الغاية، تعد بزيادة الاستثمار على مستوى الاقتصاد في البحث والتطوير من النسبة الحالية البالغة 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي - وهو أقل بكثير من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية - إلى 2.4% بحلول عام 2027، مدعوما بتمويل قدره 15 مليار جنيه إسترليني لوزارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية.
ولفتت المجلة إلى أن التكنولوجيا كانت حاضرة في جميع جوانب المراجعة. وستتركز الجهود المبذولة لتشكيل النظام الدولي على "الدبلوماسية التنظيمية" للتأثير على المعايير التي تحكم "الحدود المستقبلية للفضاء السيبراني ... البيانات والفضاء"، مثل السلوك بشأن الأقمار الصناعية.
وفيما يتعلق بتغير المناخ، الذي يوصف بأنه "الأولوية الدولية الأولى لبريطانيا"، سيتم تخصيص مليار جنيه إسترليني لاحتجاز الكربون وتكنولوجيا الهيدروجين. فيما يتعلق بالأمن، تم تخصيص 6.6 مليار جنيه إسترليني للبحث والتطوير العسكري لـ "الذكاء الاصطناعي والتقنيات الأخرى المساعدة على الانتصار في المعارك"، وحوالي 700 مليون جنيه إسترليني لوكالات الاستخبارات.
الفكرة هي أنه في بعض المجالات، مثل شبكات الجيل الخامس وشبكات الهاتف المحمول المستقبلية، ستهدف بريطانيا إلى "المشاركة في إنشاء" تكنولوجيا محورية مع الحلفاء، ليس أقلها لصد الهيمنة الصينية. ولكن في حالات أخرى، مثل الحوسبة الكمومية والبيولوجيا التركيبية والذكاء الاصطناعي، يجب أن تمتلك بريطانيا القدرات السيادية "من الاكتشاف إلى التصنيع على نطاق واسع والتسويق"، ويشير هذا إلى تحول في الاقتصاد السياسي البريطاني، نحو دولة أكثر نشاطا وتدخلا – أشبه بفرنسا إلى حد ما، كما يقول أحد المسؤولين.
اقرأ أيضا: كيف تأثر سوق لندن بعد أكثر من شهر على "بريكست"؟
وأكدت أن كل هذا مرتبط بأجندة جونسون المحلية لـ "رفع مستوى" المناطق المحرومة وتقوية الاتحاد المحاط بالمخاطر: وسوف تعِد استراتيجية صناعية دفاعية جديدة ببناء سفن في إسكتلندا، ومركبات مدرعة في ويلز وأقمار صناعية في أيرلندا الشمالية. وسيكون المقر الرئيسي للقوة الوطنية الإلكترونية الجديدة في شمال إنجلترا.
ولقيت المراجعة ترحيبا حارا بين شركاء بريطانيا في أمريكا وأوروبا وآسيا، ويقول مسؤول ياباني إنه "شامل وجيد". وعلق دبلوماسي فرنسي قائلا: "مسرور بعودة المملكة المتحدة". ومع ذلك حذر مستشار الأمن القومي السابق، بيتر ريكيتس، أن هناك "توترات لم يتم حلها".
ولعل التناقض الأكبر هو بين قرار بريطانيا المفاجئ بالتراجع عن عقود من التخفيض وتوسيع مخزونها من الأسلحة النووية، دون الكثير من التفسير، وبين دعمها لعدم انتشار الأسلحة النووية ونزعها.
وعلى الرغم من الالتزام المفرط للمراجعة بالأمن الأوروبي، فإن معالجتها المقتضبة للاتحاد الأوروبي جديرة بالملاحظة، وفي 15 آذار/ مارس، بدأ الاتحاد الأوروبي دعوى قضائية ضد بريطانيا بشأن الانتهاكات المزعومة لاتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسط خلاف أوسع حول اللقاحات ووضع بعثة الاتحاد الأوروبي في لندن.
ويقول اللورد ريكيتس: "لا يمكنك حقا تصوير نفسك على أنك المحرك الأساسي للأمن الأوروبي، وتشكيل النظام الدولي، لا يكون لديك علاقة فعالة مع الاتحاد الأوروبي"، وفي كل أولوية بريطانية، من تنظيم التكنولوجيا إلى تغير المناخ، سيكون من الصعب تجاهل الكتلة المجاورة.