هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الوقت الذي يحذر فيه سياسيون وناشطون وحزبيون من انفجار الأوضاع في الأردن، جاءت فاجعة مستشفى السلط التي راح ضحيتها سبعة أشخاص، لتثير تساؤلات حول دلالاتها وتداعياتها، وهل ستكون عود الثقاب الذي يشعل نار الاحتجاجات الشعبية في طول البلاد وعرضها.
وقضى سبعة مرضى بفيروس كورونا في مستشفى السلط الحكومي، السبت، جراء انقطاع الأكسجين عنهم، ما أثار غضبا شعبيا واسعا.
ورغم زيارة ملك الأردن عبدالله الثاني للمستشفى عقب الحادثة، وتوجيهه بإقالة وزير الصحة ومدير المستشفى، وبوقف مدير صحة محافظة البلقاء عن العمل، وتوقيف خمسة أشخاص، وتحويلهم إلى المدعي العام بتهمة التسبب بالوفاة بالاشتراك؛ إلا أن مسيرات احتجاجية خرجت في محافظات عمان والسلط ومادبا والكرك والزرقاء، مخترقة حظر التجول الجزئي الذي فرضته الحكومة مؤخرا.
وبث نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، قالوا إنه هجوم من قبل غاضبين على سيارة رئيس الديوان الملكي يوسف العيسوي، حيث قاموا بتكسير زجاج السيارة بالحجارة والأحذية، وأجبروه على العودة من أمام مستشفى السلط.
"الانفجار الشعبي قادم"
وقال الناشط البارز في الحراك الشعبي الأردني، سعد العلاوين، إن فاجعة مستشفى السلط ربما تكون الشرارة التي ستشعل الاحتجاجات في البلاد، لافتا إلى أن المؤشرات تدل على أن الانفجار الشعبي قادم لا محالة.
وأضاف من أمام مستشفى الحسين بالسلط أثناء مشاركته في اعتصام احتجاجي، أن ثمة احتقانا شديدا في صفوف المواطنين الذين وصلوا إلى حالة من "القرف"، متابعا: "المحتجون هنا خرجوا بعفوية في محاكمة شعبية لنهج الحكم الذي أوصل الشعب الأردني إلى مرحلة التجويع والإفقار والإذلال".
وأكد العلاوين لـ"عربي21" أن الفجوة بين السلطة والشعب ستزيد بسبب هذه الفاجعة، مستشهدا بإقدام المحتجين الغاضبين على تكسير زجاج سيارة رئيس الديوان الملكي وطرده.
وأضاف أن النظام الصحي يشير إلى عدم وجود أي اهتمام بصحة المواطن الذي بات يعيش في خطر يهدد حياته، "فأزمة كورونا تتسع، وأعداد المصابين والمتوفين تزداد يوما بعد يوم، والمستشفيات تضج بالذين يطلبون العلاج، والمستلزمات الطبية غير متوفرة بشكل كاف في المستشفيات الحكومية".
ورأى العلاوين أن الأفضل لحكومة بشر الخصاونة أن تسارع بالاستقالة، مرجحا ألا يصدر شيء يُذكر عن جلسة النواب الطارئة لمناقشة "الفاجعة" التي ستعقد الأحد؛ "لأنها ستكون بداعي التنفيس عن الغضب الشعبي ليس أكثر".
اقرأ أيضا: وفيات بالأردن بنقص الأوكسجين.. وزير يستقيل والملك يتدخل
خياران لا ثالث لهما
وفي المقابل، توقع النائب ينال فريحات أن تكون جلسة النواب "ساخنة"، مشددا على أنه لا مفر من أن يقوم النواب بإسقاط الحكومة وحجب الثقة عنها.
وقال لـ"عربي21" إن فشل مجلس النواب بالتعبير عن مطالب الشعب المحتقن بسبب فاجعة السلط، وسوء إدارة الحكومة لأزمة كورونا، ربما يؤدي إلى تحرك الشارع بعد يأسه من وجود أحد يمثله بصدق وقوة.
وأوضح فريحات أن فاجعة السلط جاءت متزامنة مع حالة من انعدام الثقة بالجهات الرسمية، وزادت الغضب والألم الشعبي جراء سياسات حكومية متراكمة، وترهل إداري، مرجحا أن تكون هذه الحادثة "نقطة انطلاق نحو مسيرة إصلاحية وتصحيحية يفترض أن تشمل نهج الحكم وليس الشخوص فقط".
ورأى أن المسؤولية السياسية كانت تحتم على رئيس الحكومة أن يقدم استقالته للملك، مضيفا أن "وزيرين أُقيلا مؤخرا لحضورهما عشاء جماعيا، مخالفين بذلك أمر الدفاع، فهل يعقل بعد وفاة هذا العدد من الأردنيين أن يُقال وزير الصحة ويُغلق الملف؟".
وأضاف: "أمامنا اليوم خياران؛ الأول هو إسقاط الحكومة من قبل مجلس النواب، والثاني خيار الشارع والشعب الأردني الذي سيحدد هو متى وكيف سيتحرك".
وأكد فريحات أن التقصير الذي وقع في فاجعة السلط سيؤثر على ثقة المواطن في الحكومة وروايتها الرسمية فيما يتعلق بجميع تفاصيل جائحة كورونا، مفسرا إحجام غالبية الأردنيين عن التسجيل في منصات أخذ اللقاح بانعدام هذه الثقة.
غضب مؤقت
من جهته، استبعد مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أحمد عوض، أن تؤدي فاجعة السلط إلى حدوث احتجاجات مؤثرة في عموم المملكة.
وقال لـ"عربي21": "سيغضب الناس ليومين أو ثلاثة، ثم ترجع الأمور إلى ما كانت عليه، تماما كما حدث في وقائع أخرى نجمت عن أخطاء وسوء إدارة، كفاجعة البحر الميت التي راح ضحيتها 21 مواطنا".
وأعرب عوض عن أمله في أن تؤدي فاجعة السلط إلى إجراء إصلاحات في الإدارة العامة، مستدركا بالإشارة إلى أنه "لا يمكن أن تتم هذه الإصلاحات إذا لم تتغير آلية تشكيل الحكومات والتعيينات في المراكز العليا، والتي تعتمد على المحسوبيات، لا على الكفاءة والطرق الشرعية".
وأكد أن ما جرى في مستشفى السلط سيوسع الفجوة بين الحكومة والمواطنين، لافتا إلى أن الأزمة في البلاد تتعمق مع تزايد نسب البطالة والفقر، وضعف الخدمات العامة، واستمرار جائحة كورونا، دون أن تقوم الحكومة بتقديم دعم مباشر للمتضررين.
وأضاف أن "استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى الانفجار يوما ما، لكن لا أحد يعلم متى سيكون هذا الانفجار، في الوقت الذي تعالج فيه الحكومات الأزمات والمشكلات من خلال مرور الوقت، والتعويل على ذاكرة الشعب القصيرة".
ورجح عوض عدم إقدام الحكومة الأردنية على الاستقالة جراء فاجعة السلط، "لأن البلاد تعيش أصلا حالة استقالة وإقالة وتعبير عن عدم الاستقرار"، لافتا إلى أن "المشكلة تكمن في الآليات، وطالما لا يوجد مؤسسات سياسية وحزبية ورقابية متينة وراسخة، فسنبقى ندور في حلقة مفرغة".
وكان رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، قد أعلن عن تحمل حكومته كامل المسؤولية عن فاجعة السلط، وقال إن "ما يؤلمنا هو أن ثقة الأردنيين التي نعمل وعملنا على استعادتها بكفاءة الإدارة العامة، قد تم مسها بفعل مأساة اليوم".
وأضاف أن ما حدث كان خطأ جسيما وفادحا، "وأنا أشعر بالخجل تجاهه، كما تشعر هذه الحكومة حياله، وهو خطأ نحن لسنا بصدد تبريره (...) ونتحمّل كامل المسؤولية المترتبة على ذلك".