كتاب عربي 21

خيارات بايدن الصعبة في أفغانستان

حسن أبو هنية
1300x600
1300x600
يواجه الرئيس الأمريكي جو بايدن خيارات محدودة وصعبة في التعامل مع ملف أفغانستان، فقد وعد بمراجعة الاتفاقية المبرمة مع حركة طالبان، والتي كانت الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب قد توصلت إليها في 29 شباط/ فبراير 2020، في العاصمة القطرية الدوحة، مع ممثلين عن حركة طالبان، وتقضي بانسحاب القوات الأمريكية وحلفائها من البلاد.

وكانت إدارة ترامب أعلنت في 15 كانون الثاني/ يناير الماضي خفض عديد الجيش الأمريكي في أفغانستان إلى 2500، وهو أدنى عدد للقوات الأمريكية منذ 2001، وهو قرار لم يحظ آنذاك بشعبية بين الضباط العسكريين وخبراء الدفاع الأمريكيين. وأشارت التقارير إلى أن إدارة بايدن بصدد مراجعة الاتفاق والبحث في خيارات بشأن تعديله، أو ربما التراجع عن الانسحاب بشكل كامل.

في هذا السياق، أبلغت إدارة الرئيس بايدن السلطات الأفغانية برغبتها في مراجعة الاتفاق الموقع بين واشنطن وحركة طالبان. وينص الاتفاق الموقع في الدوحة ولم تصادق عليه حكومة كابول التي لم تشارك في المفاوضات؛ على أن تسحب الولايات المتحدة كل قواتها من أفغانستان بحلول أيار/ مايو 2021 مقابل تعهد طالبان بعدم السماح لمجموعات إرهابية بالعمل من المناطق التي تسيطر عليها. وقد أكدت حركة طالبان أنها ما زالت مصممة على الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق الموقع مع واشنطن، وأعلنت التزامها بتنفيذ كافة بنود اتفاق الدوحة، مؤكدة في بيان لها أن أي محاولة للبحث عن بديل للاتفاق ستؤدي إلى فشل جهود السلام.
تبدو خيارات بايدن في أفغانستان محدودة للغاية، فقد تحدثت وسائل إعلام أمريكية عن ثلاثة خيارات قدمها فريق بايدن العسكري والأمني بخصوص التعامل مع اتفاق السلام مع طالبان

تبدو خيارات بايدن في أفغانستان محدودة للغاية، فقد تحدثت وسائل إعلام أمريكية عن ثلاثة خيارات قدمها فريق بايدن العسكري والأمني بخصوص التعامل مع اتفاق السلام مع طالبان. وينص الخيار الأول على الالتزام ببنود الاتفاق الذي وقعه ترامب، وهو ما يعني سحب باقي القوات الأمريكية بحلول أول أيار/ مايو القادم، والخيار الثاني هو الدخول في مفاوضات مع طالبان للسماح بتمديد مهلة بقاء القوات الأمريكية وباقي قوات التحالف لعدة أشهر أخرى، أما الخيار الثالث فهو التملص تماماً من الاتفاق الذي وقعه ترامب، ومواصلة العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان، وهي خيارات ثمة إجماع على أنها سيئة ولها سلبياتها.

إن خيارات بايدن المحدودة في أفغانستان نتيجة منطقية لحقيقة واضحة ترفض واشنطن الاعتراف بها، وتتمثل بالإقرار بهزيمتها والتسليم بفوز طالبان، إذ لم تتخل حركة طالبان عن خياراتها الأيديولوجية، وهي تؤكد على التمسك بنهجها التاريخي بعدم الإيمان بالدستور الأفغاني والعملية الديمقراطية واعتبارهما من أنظمة الكفر والردة، وتشدد على عدم المساومة على عودة الإمارة وتطبيق الشريعة. فالاتفاق الذي أبرمته واشنطن مع طالبان لا يقوم على التفاوض بشأن السلام وإنما يتعلق بانسحاب وخروج الولايات المتحدة من أفغانستان، وهو لا يعني الفشل والهزيمة في أفغانستان فقط، بل يشير إلى فشل "الحرب على الإرهاب" التي تم شنها غداة أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001.
خيارات بايدن المحدودة في أفغانستان نتيجة منطقية لحقيقة واضحة ترفض واشنطن الاعتراف بها، وتتمثل بالإقرار بهزيمتها والتسليم بفوز طالبان، إذ لم تتخل حركة طالبان عن خياراتها الأيديولوجية، وهي تؤكد على التمسك بنهجها التاريخي بعدم الإيمان بالدستور الأفغاني والعملية الديمقراطية

لا جدال في أن حركة طالبان تتصرف ببساطة كقوة منتصرة تفرض شروطها على الاحتلال الأمريكي، ويدرك كافة الخبراء أن التزام بايدن بالخيار الأول، أي الانسحاب الأمريكي في موعده يعني على الأرجح أن طالبان ستتغلب على الحكومة الأفغانية برئاسة أشرف غني، المدعومة أمريكيا وتسيطر على البلاد. وأما الخيار الثاني، بإعادة التفاوض بغرض البقاء فترة أطول في أفغانستان، فسوف يقضي على أي رصيد دبلوماسي لواشنطن مع حركة طالبان، وهو ما يعرض القوات الأمريكية في البلاد لخطر التعرض لهجمات الحركة، والتي تم إيقافها منذ التوصل لاتفاق السلام قبل عام، بينما الخيار الثالث، وهو التملص نهائياً من بنود الاتفاق الموقع مع ترامب، والبقاء عسكرياً في أفغانستان، فيعني أن طالبان سوف تعاود حملتها لطرد القوات الأمريكية من البلاد، وتعود الأمور إلى نقطة الصفر مرة أخرى، وهو ما يتناقض مع تعهد بايدن طوال حملته الانتخابية بإنهاء "حروب أمريكا إلى الأبد".

يشير مصطلح الحرب "إلى الأبد" أو "التي لا نهاية لها" التي يجب التخلص منها، والتي يرددها بايدن ومن قبله ترامب، ببساطة إلى حروب أمريكا على مدى العقدين الأخيرين عقب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر تحت مسمى "الحرب على الإرهاب"، باعتبارها حربا مفتوحة في الزمان والمكان، فهي "الحرب إلى الأبد" أو "الحرب التي لا تنتهي" كما يسميها كثيرون، وتستند أساساً إلى مجموعة واسعة من الأعمال العسكرية.

وقد كان واضحاً منذ البداية أن الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر سوف تستخدم ذريعةً لإطلاق العنان للقوة العسكرية الأمريكية على مستوى العالم، الأمر الذي مهد الطريق أمام حقبة جديدة من "الحرب الشاملة طيلة الوقت"، حيث شنَّت الولايات المتحدة بالفعل حرباً على عدوٍّ غير مرئي يسمى الإرهاب. وأخبرنا وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، دونالد رامسفيلد، أنه "لم يكن في أفغانستان فقط"، بل في العراق كذلك، ويتواجد في "50 أو 60 دولة، وتجب ببساطة تصفيته".

كان وزير الخارجية في إدارة بايدن أنتوني بلينكن قد أكد خلال جلسة تثبيته في مجلس الشيوخ على القول "نريد إنهاء ما يسمى الحرب الأبدية"، وربما يكون من الصعب على الأشخاص الذين وُلِدوا منذ الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر أن يتخيَّلوا مدى التغيير بعد أحداث سبتمبر. فبعد خمس سنوات، وحربين لا نهاية لهما في الأفق، دخلت أمريكا حالة الحرب الدائمة، ووصف ما كان يسمَّى آنذاك بالحرب على الإرهاب بأنه "صراع أجيالٍ شبيه بالحرب الباردة، وهو نوع الصراع الذي قد يستمر لعقودٍ من الزمن، حيث يعمل الحلفاء من أجل استئصال الإرهابيين في جميع أنحاء العالم ومحاربة المتطرِّفين الذين يريدون حكم العالم".

وحسب موقع "ريسبونسيبل ستيت كرافت" الأمريكي، فإن لا شيء في تاريخ بايدن يشير إلى أنه هو أو أيٍّ من الأشخاص الذين عيَّنهم بالفعل في فريق الأمن القومي لديه أدنى ميل لزعزعة استقرار ذلك الميثاق الإمبراطوري الديمقراطي- الجمهوري. لكن الإمبراطوريات لا يدعمها الميول وحده، ولا تدوم إلى الأبد، إنها توسِّع نفسها وتتعفَّن من الداخل.
مصطلح "الحرب" باعتباره حلا أخلاقيا لاستئصال "الشر"، راسخ في الاستخدام الأمريكي، وهو مطابق للتصورات الإمبريالية التقليدية التي ترى تختزل العالم ثنائياً إلى فضاء للسلام وفضاء للحرب

ولطالما أصرت أمريكا على أن حروبها الدائمة التي شكلت أفغانستان إحدى محطاتها كانت "حرباً من أجل الخير"، وهو تصور يستند إلى مقولات اللاهوت السياسي، فمصطلح "الحرب" باعتباره حلا أخلاقيا لاستئصال "الشر"، راسخ في الاستخدام الأمريكي، وهو مطابق للتصورات الإمبريالية التقليدية التي ترى تختزل العالم ثنائياً إلى فضاء للسلام وفضاء للحرب. ورغم بداهة ارتباط الحروب الأمريكية بالنزعة الإمبريالية، فإنها تصر على أن حروبها تسعى إلى تعزيز الديمقراطية والمجتمع المدني وإحلال السلام وتحرير النساء. فقد أكد مستشار البيت الأبيض للأمن القومي على "دعم الولايات المتحدة لحماية المكاسب الاستثنائية التي حققتها النساء والفتيات والأقليات الأفغانية كجزء من عملية السلام"، وهو ما كرره بلينكن بتأكيده على ضرورة "حماية التقدم الذي تحقق للنساء والفتيات في أفغانستان في السنوات العشرين الأخيرة".

خلاصة القول أن خيارات بايدن في أفغانستان محدودة، وعلى إدارته أن تعترف بالهزيمة على يد حركة طالبان التي تمكنت من فرض شروطها في النهاية. وتبدو طالبان واثقة من نصرها ومستعدة لخوض حرب بلا نهاية، وهو أمر لا تحتمله أمريكا في ظل بروز قوى إقليمية ودولية صاعدة منافسة كالصين. ولا يعدو الحديث عن إنهاء الحروب الأمريكية الدائمة عن كونه صياغة ملطفة للاعتراف بالهزيمة، والالتفاف على الأهداف الإمبريالية التي كانت خلف هذه الحروب. إذ لم تكن الحروب الأمريكية لنشر السلام والخير والعدل والديمقراطية وتحرير النساء، بل كانت في إطار رؤية استراتيجية لما بعد الحرب الباردة، يشكل ما أطلق عليه الحرب على الإرهاب (الإسلامي) ذريعة للهيمنة والسيطرة.

وفي ظل المخاطر الجديدة تبحث الولايات المتحدة عن صيغة جديدة للتخلص من تبعات منظورات الحرب الأبدية المتعلقة بما سمي بالإرهاب، للتفرغ للمخاطر التي تفرضها القوى الصاعدة، لكنها لن تغادر منظورات الحرب.

twitter.com/hasanabuhanya
التعليقات (1)
ابو عبدالله القرشي
الثلاثاء، 09-03-2021 05:19 م
والله يا دكتور تعلم أن طالبان قد تخلت عن كل ما كانت تدعيه، وأنها تحالفت مع أمريكا على الحرب على الإرهاب (isis) وهذا هو جوهر الاتفاق، وإلا متى أعلنت طالبان انها تكفر بالديموقراطية وهي التي تعتبر إيران ال.راف..ضة شقيقتها الإسلامية ومن بين قادة طالبان هزارة??????