مقالات مختارة

دروس ولاية تكساس للعالم

منار الشوربجي
1300x600
1300x600

ما جرى مؤخرا بولاية تكساس الأمريكية يحمل مجموعة من الدروس المهمة، ليس فقط للأمريكيين وإنما لدول العالم. فجوهر الأزمة يتعلق بجانب مظلم في نظام اقتصادي صار عالميا وبالديمقراطية المأزومة في كل مكان بالعالم.

فعندما تعرضت ولاية تكساس لموجة من العواصف الثلجية وانخفاض شديد في درجات الحرارة انهارت شبكة الكهرباء فيها وعاش أكثر من 4.5 مليون شخص بلا كهرباء ولا تدفئة لأيام متتالية في درجات حرارة تحت الصفر. ووسط كل ذلك، جاءت تحذيرات للسكان بضرورة غلي مياه الشرب، ثم عاشوا انقطاعها بالكامل. وشاهد العالم بالصوت والصورة تكسير أهل الولاية أثاث منازلهم لاستخدامه في التدفئة، وطوابيرهم الطويلة أملا في الحصول على طعام ومياه للشرب. والصادم في كل ذلك هو أن تكساس أكبر الولايات الأمريكية إنتاجا للطاقة عموما. فهي الأولى في إنتاج البترول والغاز الطبيعي فضلا عن الطاقة التي تولدها الرياح.

وأصل الحكاية أن ولاية تكساس من الولايات الجنوبية التي يتميز طقسها عادة بالدفء والاعتدال، مقارنة بولايات غيرها. لكن التغيرات المناخية العالمية أدت لتعرضها لتطرف في الطقس. فقد تعرضت مثلا لموجة صقيع مماثلة انقطع على إثرها التيار الكهربائي في 2011. والأزمة وقتها لم تكن بحدة ولا اتساع ما جرى مؤخرا، لكنها كانت جرس إنذار دفع الخبراء لحث المسؤولين بالولاية على ضرورة تحديث شبكة الكهرباء لمواجهة أزمات مماثلة. فالولايات الشمالية المعتادة على الانخفاض الشديد في درجات الحرارة لا تواجه أزمات مثل التي واجهتها تكساس، لأن شبكاتها مستعدة تكنولوجيا وتقنيا.. لكن في تكساس تجمدت توربينات الرياح، كما تجمدت المياه التي تحتاجها المصادر الأخرى لتوليد الكهرباء كالفحم والغاز والطاقة النووية.

لكن جوهر الأزمة كان أيديولوجيا لا فنيا. ففي تلك الولاية الجنوبية، يتولى اليمين أغلب المناصب المنتخبة.

.. فقرروا فصل شبكة كهرباء الولاية عن باقي الشبكات الأمريكية، لأن الربط معناه فرض الضوابط والمقاييس الفيدرالية. ونتيجة ذلك الانفصال لحظة الأزمة، كان غياب الإمدادات من شبكات الولايات المجاورة. وولاية تكساس- وفق منطق السوق الحرة- بها أكثر من شركة تتنافس في توليد الكهرباء، والمسؤولون بالولاية وضعوا الضوابط لتحديث الشبكة ولكنهم لم يفرضوها على تلك الشركات.. فالضوابط اختيارية وإن ربطوا الامتثال لها بحوافز، لكن الشركات وجدت ذلك التحديث مكلفا ويخفض من أرباحها، فامتنعت عن القيام به، فكانت النتيجة الأزمة التي تعرض لها سكان الولاية. وعقب انقطاع التيار ارتفع سعر الكهرباء بالولاية بشكل جنوني على حساب المواطن.

أما الدروس المستفادة، فيتعلق أولها بأزمة الديمقراطية. فالمنتخبون للمناصب التشريعية والتنفيذية لا يعبرون بالضرورة عن هموم المواطن ولا يمثلون مصالحه، فتنهار ثقته بالعملية الديمقراطية، ومن ثَم يعبر عن نفسه خارج قنواتها. وهنا، تمثل تكساس مثالا ممتازا للأزمات التي تسببت في محنة الديمقراطيات الغربية، والتي تناولها بالتحليل الكتاب الثمين الذي صدر مؤخرا للدكتور وحيد عبدالمجيد تحت عنوان «ديمقراطية القرن الحادي والعشرين».

والانتباه لأهمية الضوابط والقيود الحكومية في إطار نظام الاقتصاد الحر هو الدرس الثاني. فإطلاق الحبل على الغارب للسعي للربح لا يتحمل نتيجته سوى المواطن، فتتفاقم الأزمة.. ووقتها تصبح الحكومة عاجزة عن مساعدة المواطن، كما جرى في تكساس. فغياب الضوابط يجعل الحكومة بلا سلطة أصلا لحظة الأزمة.

ولعل الدرس الثالث والأهم هو أن تطرف المناخ الذي بات حقيقة كونية صار يستلزم استعدادا طويل الأمد في كافة المجالات وفي كل مناطق العالم لئلا يؤدي لكوارث كبرى كالتي شهدتها تكساس وربما أشد منها.

(عن صحيفة المصري اليوم)

0
التعليقات (0)

خبر عاجل