ملفات وتقارير

تصريحات متضاربة.. هل ساهم العراق بهجوم واشنطن على سوريا؟

تسبب القصف الأمريكي بمقتل حوالي 22 من المليشيات الموالية لإيران
تسبب القصف الأمريكي بمقتل حوالي 22 من المليشيات الموالية لإيران

أثارت تصريحات وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، عن معلومات عراقية ساهمت في تحديد هدف الهجوم الأخير بسوريا، جدلا وردود فعل غاضبة من القوى والفصائل الشيعية الموالية لإيران في العراق.


وتسببت الضربة الجوية، ليل الخميس على الجمعة، بمقتل ما لا يقل عن 22 عنصرا من المليشيات الموالية لطهران، في أول عملية عسكرية لإدارة جو بايدن، ردا على الهجمات الأخيرة على مصالح غربية في العراق.


تضارب بالتصريحات

 

وفي تصريحات أعقبت الضربة بدقائق، تحدث أوستن عن دور عراقي في نجاح العملية، بالقول إن "واشنطن شجعت العراقيين على التحقيق وتزويدها بالمعلومات الاستخباراتية، وإن ذلك كان مفيدا جدا في تحديد الهدف".


لكن وزارة الدفاع العراقية أصدرت، الجمعة، بيانا نفت فيه تبادل معلومات مع نظيرتها الأمريكية، بالقول إنها تعبر عن استغرابها لما ورد في تصريحات وزير الدفاع الأمريكي والمتعلقة بحصول تبادل للمعلومات الاستخباراتية مع العراق سبق استهداف بعض المواقع في الأراضي السورية.


وأضافت: "إننا وفي الوقت الذي ننفي فيه حصول ذلك، نؤكد أن تعاوننا مع قوات التحالف الدولي منحصر بالهدف المحدد لتشكيل هذا التحالف، والخاص بمحاربة تنظيم الدولة، وتهديده للعراق، بالشكل الذي يحفظ سيادة العراق وسلامة أراضيه".


وفي اليوم التالي، تراجعت وزارة الدفاع عن تصريحات أوستن، حيث أعلن المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، أن الولايات المتحدة لم تستخدم المعلومات التي قدمها العراق، عند تحديد أهداف لضرباتها الجوية على مواقع داخل سوريا قرب الحدود مع العراق.


ونشر كيربي، السبت، عبر "تويتر" بيانا للبنتاغون جاء فيه: "كانت الحكومة العراقية تحقق في هوية الجهات التي أطلقت صواريخ على أراضيها في الأيام والأسابيع الأخيرة، لكننا لم نستخدم المعلومات العراقية لتحديد أهداف لهجماتنا تلك الليلة".

 

خلط للأوراق

 

  من جهته، قال الخبير الأمني والإستراتيجي العراقي، مؤيد الجحيشي، لـ"عربي21"، إن "المكان الذي قصف كان معبرا وهميا غير رسمي، وبناياته ليست مثبتة على خارطة العمليات والتخطيط العسكري في وزارة الدفاع العراقية".


ورجح الجحيشي أن "تكون المعلومات التي اعتمدها البنتاغون كان مصدرها حكومة العراق، لأنهم ليس لديهم هكذا معبر حدودي وهوية من يتواجد فيه"، متوقعا أن "تكون واشنطن قد طلبت من بغداد تزويدها بمعلومات عن عائدية المباني في تلك المنطقة، وبالتأكيد الأخيرة نفت صلتها بها، وبالتالي قصفت".


ورأى الخبير العراقي أن "تراجع البنتاغون وراءه لعبة وخلط للأوراق، لأن ما فهم من تصريحات أوستن أن الحكومة العراقية هي من أعطت المعلومات، وما أرادوا أن يصلوا إليه هو إثارة حفيظة القوى الشيعية، فهم يريدون ردة فعل إيرانية تستحق ضربة أعنف".


وتابع: "صحيح أن بايدن من الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه أوباما، وهم من دعم إيران وتمددها في المنطقة بتسليمهم اليمن وسوريا، لكن نهج الشخصين مختلف اليوم، لأن المعطيات تبدلت، ولا بد أن ترد الولايات المتحدة على الهجمات الإيرانية، للخروج من الحرج".


ولفت الجحيشي إلى أن "الحكومة العراقية أيضا في موقف حرج، فلا يمكن لها أن تحجب معلومات عن الولايات المتحدة إذا طلبت منها تزويدها بمعلومات عن الداخل العراقي، لا سيما أنها ملزمة كذلك أمام المجتمع الدولي بحماية قوات التحالف المتواجدين على أراضيها، ويتعرضون للهجمات".


وأعرب عن اعتقاده بأن "الأمريكيين سيقضون على المليشيات في العراق كما قضوا على تنظيم الدولة، لكن كيف الطريقة لا أحد يعرف، ومن غير المستبعد عقد صفقة مع الجانب الإيراني بخصوص ذلك".


ربما تكون أجهزة المخابرات والاستخبارات التابعة لإقليم كردستان العراق، وراء التعاون بمعلومات مع التحالف الدولي، لأنهم قطعوا أشواطا بعيدة كما هي عليه المخابرات العراقية، فأصبحت أجهزة قوية، وأكثر تطورا من الناحية التكنولوجية والمعرفية.


"دور كردي"


وفي السياق ذاته، قال الباحث في الشأن العراقي الدكتور أحمد رشيد لـ"عربي21"، إن تصريحات وزير الدفاع الأمريكي بخصوص المعلومات التي وصلتهم من الجانب العراقي، وساهمت باستهداف "كتائب حزب الله"، خلقت أزمة بين القوى الشيعية والحكومة العراقية.


وأوضح رشيد أن "الأزمة هذه أعادت حديث القوى الموالية لإيران عن الاتهامات التي وجهتها في وقت سابق لرئيس الحكومة الحالي، مصطفى الكاظمي، بالتعاون مع الولايات المتحدة في عملية اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس بغارة أمريكية، حينما كان رئيسا لجهاز المخابرات".


وبحسب اعتقاد الباحث، فإن "من زوّد الجانب الأمريكي بالمعلومات هي السلطات في إقليم كردستان العراق، لا سيما أن الضربة الأخيرة التي استهدفت قاعدة عسكرية قرب مطار أربيل كانت قوية، وربما تتكرر".


ورأى رشيد أن "الجانب الكردي لديه تعاون كبير مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في تبادل المعلومات منذ حرب تنظيم الدولة، ومن غير المستبعد تزويدهم بمعلومات عن الجهات التي استهدفت القاعدة الأمريكية قرب مطار أربيل".


وأشار إلى أن "ردة فعل القوى الشيعية الفصائلية أظهرت تصديقا لما صرّح به  أوستن، إذ طالب هادي العامري زعيم ائتلاف الفتح من الحكومة بالتحقيق في ما صرح به وزير الدفاع الأمريكي، إضافة إلى أن حركة النجباء توعدت من ساهم وسهل تنفيذها".


واستبعد رشيد أن "تأتي تصريحات أوستن من قبيل المصادفة أو زلة اللسان، فهو يعي ما يقول، ويعرف تفاصيل المعادلة السياسية والأمنية في العراق، كونه كان آخر قائد للقوات الأمريكية في العراق قبل انسحابها عام 2011".


غضب شيعي


وعلى إثر تصريحات وزير الدفاع الأمريكي، قال الناطق باسم مليشيا "سيد الشهداء" كاظم الفرطوسي، في تصريحات صحفية، السبت، إنه "لا يمكن تبرئة إقليم كردستان من الضلوع وراء العملية الأمريكية الأخيرة التي استهدفت الحشد الشعبي على الشريط الحدودي مع سوريا، لكن لا نمتلك الدليل عن ذلك".


وأشار إلى أن "ما حدث من قصف لا يحتاج إلى تحليلات كثيرة، على اعتبار أن واشنطن اعترفت بأنها حصلت على معلومات استخبارية من الجانب العراقي، ما ساعد في تنفيذ الضربات العدوانية ضد قطعات الحشد الشعبي المرابطة على الحدود مع سوريا".


ولفت الفرطوسي إلى أن "الحرب مع واشنطن مستمرة، ولم تتوقف منذ زمن بعيد، وبالتالي فإن الضربات الأمريكية بكل تأكيد مستمرة، وكان أبرزها عملية اغتيال القائدين أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني".


وأردف: "البعض يعتقد إن السياسة الأمريكية ستختلف وتتغير المعادلة مع مجيء الرئيس الأمريكي جو بايدن، لكن نحن نعتقد أن السياسة الأمريكية ثابتة ولا تتغير، لكن الأساليب والتوقيتات تختلف".


وقبل ذلك، دعا رئيس تحالف "الفتح" هادي العامري في بيان، الجمعة، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى التحقيق في الغارة الجوية الأمريكية، التي قال إنها "استهدفت قوات الحشد الشعبي".


وأضاف العامري: "المعلومات المتوفرة لدينا دلت على أن ذلك استهداف لقوات الحشد الشعبي المتمركزة في الحدود العراقية-السورية، وليس كما تدّعي وزارة الدفاع الأمريكية بأنه استهداف لفصائل المقاومة الإسلامية العراقية في الأراضي السورية".


العامري طالب الكاظمي بـ"التحقيق في الرواية الأمريكية التي تدّعي أن هناك تعاونا تمّ بين الحكومة العراقية والبنتاغون لتحقيق هذه الضربة"، مؤكدا أن "هذا تصريح خطير لزعزعة الوحدة والانسجام بين الأجهزة الأمنية، وللضرورة القصوى والأهمية الوطنية ننتظر الكشف عن نتائج هذا التحقيق لكي يطلع شعبنا على ما يجري".

 

اقرأ أيضا: صور من الفضاء تظهر آثار القصف الأمريكي للميليشيات في سوريا

 


التعليقات (0)