هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قرر رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي إعفاء خمسة وزراء من مهامهم وتكليف آخرين بالنيابة، وسط رفض من قبل الرئيس قيس سعيّد لتمرير تعديل يشمل 11 حقيبة، من أصل 25، من خلال رفضه استقبال الوزراء الجدد لحلف اليمين الدستوري أمام الرئيس.
ورأى مراقبون أن القرار جاء لتخطي أزمة اليمين الدستوري، حيث أقال المشيشي وزراء يعتقد أنهم محسوبون على الرئيس، دون تعيين وزراء جدد، وانتفاء الحاجة للقسم الدستوري بالتالي.
وكانت الأزمة قد اشتعلت بين الجانبين إثر سعي المشيشي لإجراء تعديل وزاري واسع، صادق عليه مجلس النواب نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي، فيما رفض "سعيّد" دعوة الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية.
والاثنين، أقدم المشيشي على إعفاء خمسة من الوزراء الـ11، وتعيين آخرين بالنيابة، ما أشعل غضب الرئاسة، فيما يبقى أفق الأزمة غامضا، وسط اتهامات متبادلة بتجاوز الصلاحيات الدستورية، وغياب محكمة دستورية، تعطل تشكيلها لأكثر من 5 سنوات بسبب غياب التوافق بين الكتل البرلمانية، للبت بالقضية.
واختلفت التأويلات في فهم قرار المشيشي
بين من يعتبره خطوة لحلحة الأزمة وبين من يعتبره حلا مؤقتا، ومثال ذلك قول رئيس
البرلمان راشد الغنوشي إن الإعفاء يمكن أن يزيد من تعميق الأزمة وبين من يقرأ
القرار على أنه هروب إلى الأمام.
وبين الحلحلة وتعميق الأزمة والهروب، تظهر
في العلن رسالة من المشيشي مفادها أن الحل موجود وفقا للقانون ورئيس الحكومة ليس
عاجزا عن ضبط الأمور ولكن يد الحوار مفتوحة أيضا.
حل أم عبث
اعتبر رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان
راشد الغنوشي في تصريح لـ"عربي21" أن "هذا حل مؤقت للخلاف الدائر
بين رأسي السلطة التنفيذية، نحن في المجلس نتمنى أن تستقر الحكومة وتركز جهدها على
حل الأزمات التي تعيشها البلاد اقتصاديا واجتماعيا وصحيا".
وأكد الغنوشي أن الحل الوحيد والقابل
للبقاء على المدى الطويل هو "احترام الدستور وإرساء المحكمة الدستورية التي
ستكون الحكم إن كان هناك خلاف".
من جانبه قال النائب عن التيار
الديمقراطي نبيل حجي في تصريح لـ"عربي21" إنه "يبدو أن العبث
متواصل والعقل غائب، وعندما يغيب العقل فالأزمة تتعمق أكثر، ولا بد من السعي إلى
وساطة وتقريب وجهات النظر وحل الأزمة من كلا الطرفين".
وتابع حجي: "دمج عدد من الوزارات
من أعقد العمليات وخاصة ونحن في ظرف استثنائي، الدمج يكون في وضع الاستقرار وعبر
رؤية واضحة".
واعتبر النائب أن خطوة الإعفاء هي
"ردة فعل وتسجيل نقاط على الرئيس والرئيس يسجل من جهته ولا أحد يمكنه أن
يتراجع خطوة للوراء للأسف".
مقابل ذلك رأى رئيس كتلة حزب "قلب
تونس" أسامة الخليفي في تصريح لـ"عربي21" أن الأمر "خطوة في
الاتجاه الصحيح، الدولة يجب أن تستمر لا أن تتوقف في انتظار وجود حل دائم أساسه
الحوار وإرساء المحكمة الدستورية".
وعن فرضية أن تكون خطوة إعفاء الوزراء
تعقيدا للأمور رد الخليفي: "رئيس الحكومة متحمل لمسؤوليته، ما قام به في إطار
المسؤولية وحسنا فعل، لا بد من قرار".
من جهته وصف الأمين العام لحركة الشعب
زهير المغزاوي قرار المشيشي "بالهروب إلى الأمام نحو مزيد من تعقيد الوضع
المتأزم".
طبيعي أم هروب؟
وفي قراءة تحليلية لـ"عربي21"
أفاد الباحث والمحلل زهير إسماعيل بأن هذا الحل "يبدو أنه من وحي خبراء
القانون الدستوري الذين اجتمع بهم المشيشي مؤخرا".
ووصف الباحث قرار الإعفاء بـ"الإجراء
الذي لن ينهي الجدل والسجال بين رأسي السلطة التنفيذية، وإذا لم يرد رئيس
الجمهورية بالفعل فإنه بالإمكان تجاوز الأزمة جزئيا، غير أن هذا مستبعد فشخصية
رئيس الجمهورية الانفعالية وتشخيصه للأزمة سيحمله على ابتداع اعتراضات".
وأردف الباحث: "رغم أنّ ما قرره رئيس الحكومة يبدو منسجما مع ما يتيحه له الدستور من صلاحيات، فهذا الإجراء تفوّق
أخلاقي بدرجة ما لأنه ينهي عملية التعطيل التي تعرفها مؤسسات الدولة بسبب امتناع
أداء القسم لرفض رئيس الجمهوريّة".
وحمل الباحث الرئيس المسؤولية قائلا: "رئيس الجمهوريّة يمثل عملية إرباك خطيرة لمؤسسات الدولة في أحلك فترات تمر
بها البلاد".
من جانبه يعتبر الأستاذ والمحلل عبد
اللطيف دربالة في تصريح لـ"عربي21" أن "كل طرف متمسك برأيه، ومن الواضح أن الأزمة متصاعدة، وبقرار رئيس الحكومة إعفاء الوزراء أراد أن يبعث برسالة
لرئيس الدولة بأنه لن يتراجع وأن تحفظات الرئيس لا تتعلق بشبهات فساد تحوم حول بعض
الوزراء".
وفسر عبد اللطيف قائلا: "قيس سعيد
يعترض على إقالة الوزراء المحسوبين عليه ورئيس الحكومة بالإعفاء أنهى عمل هؤلاء
الوزراء".
غير أن الكاتب والسياسي عبد الحميد
الجلاصي يؤكد في حديث لـ"عربي21" أنه "شكليا رئيس الحكومة يرى أن
الأزمة مستمرة فأراد العمل بالبديل بالإعفاء وتعويض الشغورات بالنيابة وهو إجراء
عادي".
واستدرك الجلاصي قائلا: "لكن
المشيشي قام بإعفاء الوزراء المقربين من الرئيس سعيد وبالتالي يمكن فهم ذلك على أنه
مواصلة للحرب ولي الذراع وهو هروب إلى الأمام".
وخلص عبد الحميد الجلاصي: "يبدو
أننا أمام استمرار لمنهج المغالبة ولا حل إلا الحوار السياسي، كيف يمكن لوزير أن
يشتغل في أكثر من وزارة؟ لا أستغرب أن يتم تكليف الوزراء الجدد بخطة مستشار
والقيام بالوظائف على الوزارات وبالتالي هو تحايل وهروب إلى الأمام".