حذرت قوى دولية ومحلية عراقية من احتمالية اندلاع صدام مسلح بين الفصائل الشيعية في
العراق، وذلك مع اقتراب موعد
الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 10 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، وتصاعد حدة الاتهامات، والصراع على منصب رئيس الوزراء.
وأبدى السفير البريطاني في بغداد، ستيفن هيكي، الخميس، قلقه من تحول التنافس الانتخابي إلى صراع مسلح قبل أو بعد الانتخابات المبكرة في العراق، مشيرا إلى أن "ذلك ممكن نظريا لكن عمليا لا".
صراع وارد
وتعليقا على ذلك، قال السياسي العراقي، أثيل النجيفي، في حديث لـ"عربي21"؛ إن "أي صراع يحدث في العراق لن يصب في مصلحة العراقيين، لأنه يؤدي إلى تناحر كبير وفقدان الأمن في البلد".
وأضاف النجيفي: "نأمل أن يكون هناك جو من التعقل بين جميع الأطراف حتى نجتاز مرحلة الانتخابات بصورة صحيحة، وإذا لم يحدث هذا، فإن الوضع سيكون صعبا على العراق ككل، وليس على الشيعة فقط".
من جهته، رأى رئيس مركز "التفكير السياسي" الدكتور إحسان الشمري، أن "احتماليات التصعيد أصبحت واقعية، خصوصا في ظل التلويح بالسلاح وتبادل الاتهامات من بعض الأطراف الشيعية، لذلك فإن إمكانية حدوث احتكاك قد يبدو أمرا واقعا، ولا سيما أن القوى الشيعية التقليدية لا تزال تحاول فرض إرادتها والإمساك بالعملية السياسية".
وتوقع الشمري في حديث مع "عربي21" أن "تتصاعد حدة الاتهامات خلال الأيام المقبلة"، مشيرا إلى أنه "ليس من مصلحة هذه القوى تأجيل الانتخابات، لأنهم سيكونون في مواجهة مع الشارع العراقي الراغب بإجرائها، لذلك أتصور أنهم قد يضطرون إلى خوض الانتخابات في تشرين الأول/أكتوبر المقبل".
الدور الإيراني
وعن مدى تأثير إيران على الأطراف الشيعية المتصارعة، بعد غياب الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قال النجيفي؛ إن "دور إيران قد تراجع كثيرا، ليس بسبب غياب سليماني، وأبو مهدي المهندس اللذين كان لهما تأثير مباشر على الفصائل فحسب، وإنما أيضا بتضارب المصالح بين الفصائل نفسها".
وأوضح السياسي العراقي أنه "أصبح الآن من الصعب على أي قوى سواء كانت إيران أو غيرها أن تقنع هذه الفصائل بالتخلي عن مصالحها، التي بدأت بالتضارب فيما بينها".
أما الشمري، فقد رأى أن "غياب سليماني دفع باتجاه تشظي أكبر داخل البيت السياسي الشيعي، وأن إمكانية تطويق هذه القوى وطموحاتها وصراعاتها، أصبح ليس من السهولة، لأن إيران فقدت السيطرة إلى حد ما على هذا البيت".
وأشار إلى أن "إيران تضع في حساباتها تعويض غياب سليماني والاستمرار بالتأثير على القوى الشيعية، لكن بمستويات تختلف وليست بالمستوى الذي كان يضغط به سليماني".
ولفت الشمري إلى أن "إيران ستحاول مرة أخرى الوصول إلى تهدئة هذه الأطراف الشيعية ومنع احتكاكها، ثم إعادة تموضعها من خلال البيت السياسي الشيعي الذي طرحه سليماني سابقا، وأتصور أنه سيستمر هذا كنهج وفكرة ورغبة إيرانية خلال الأيام المقبلة".
الإشراف الأممي
وحول الخلافات القائمة بين القوى الشيعية بخصوص رغبة بعضها بإشراف أممي على الانتخاب، ورفض أخرى، قال النجيفي؛ إن "من يرفض الإشراف الأممي هو الذي يعول على التزوير ويعتقد أنه قادر على الاستفادة من الحالة نفسها التي كان عليها العراق عام 2018 وتكرار تلك الحالة السابقة".
ورأى النجيفي أن "كل الأطراف تدرك أنه من الصعب الاستمرار بالحالة نفسها التي ظهرت بعد 2018، وأن هذه الحالة قد تؤدي إلى صراع كبير في داخل العراق، وانهيار لكثير من المؤسسات الحكومية الرسمية نتيجة لهذا الصراع".
وأردف: "من يتخوف من الإشراف الأممي هي الجهات التي جنت مكاسبها بعد انتخابات عام 2018، سواء كان عن طريق التزوير أو استغلال السلاح والاستفادة من انهيار المنظومات السياسية الأخرى في أعقاب الحرب ضد تنظيم الدولة".
وبرأي النجيفي، فإن "القوى غير الواثقة من نجاحها في الانتخابات، تحاول عرقلتها في حال كان هناك إشراف دولي، لكن هل ستنجح أو هل سيكون الإشراف والتدخل الدولي حاسم لمنع هذه الفصائل من التلاعب، أعتقد من المبكر الإجابة عن هذه التساؤلات".
وفي السياق ذاته، رأى رئيس مركز "التفكير السياسي" أن "الحكومة قد حسمت أمرها وتقدمت بطلب إلى مجلس الأمن الدولي لمراقبة الانتخابات، لكن الإشكالية ما بين القوى الشيعية في موضوع الإشراف".
وأوضح الشمري، قائلا: يبدو أن الإشراف الأممي الآن أصبح أيضا من الأمور التي يمكن أن تدفع بها الحكومة، خصوصا أنه من مطالب "تشرين" كثورة وانتفاضة وتشكيلات سياسية، وأيضا للمرجع الشيعي، ويبدو أن الصدر بدأ يتناغم مع هذه الطروحات.
وأردف: "لذلك أتصور قد تكون مقبولة من الأطراف التي ستدعم الحكومة، لكن في المقابل فإن القوى التقليدية تدرك بأن الإشراف الأممي بالنهاية سيعمل على تقويض نفوذها ووجودها في البرلمان المقبل، وهذا قد يكون واحدا من الأزمات المقبلة".
رئاسة الوزراء
وبخصوص تصاعد التنافس على رئاسة الوزراء، وحديث التيار الصدري عن حتمية حصوله على المنصب، قال النجيفي؛ إنه "لا يُعد حسما للأمر، لكنه أطلق من باب التوقع وتشجيع جمهورهم للاطمئنان إلى وضعهم ويتقدمون للانتخابات بقوة، لأنهم يعتقدون أنهم سيحصلون على أغلب أصوات الشارع".
وأكد النجيفي أن "من يحسم هذا الأمر (رئاسة الوزراء) هو نتيجة التحالفات السياسية، وإذا لم تكن هناك تحالفات سياسية ودخلت كل الأحزاب للانتخابات على وضعها الحالي، فبالتأكيد التيار الصدري سيكون له ثقل أكبر من البقية، لكن حصلت تحالفات سياسية قبل الانتخابات وحدث إمكانية تشكيل كتلة أكبر، فقد لا تكون رئاسة الوزراء لأي جهة ولا تحسم إلا ما بعد الانتخابات".
وكان القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي، قد صرح الثلاثاء الماضي، أن "ذهاب كرسي رئاسة الوزراء إلى جهة أخرى غير التيار الصدري، فهذا يعني أن الانتخابات مزورة"، لافتا إلى أن "هذا المنصب (هذه المرة) هو استحقاق للتيار الصدري، وأنه سيحصل على نحو 100 مقعد بالبرلمان".
يأتي ذلك بعدما طرح زعيم ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، نفسه مجددا لمنصب رئاسة الوزراء، في حين أعلن تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، ترشيح الأخير للمنصب ذاته، متوقعا الحصول على 50 - 60 مقعدا في البرلمان المقبل.