أخبار ثقافية

"العملاق الكونغولي" رياضي سمين يكسر الصورة النمطية

 السمنة ليست عائقاً أمام التفوق الرياضي إذا كان اللاعب قادراً على المحافظة على لياقته البدنية- جيتي
السمنة ليست عائقاً أمام التفوق الرياضي إذا كان اللاعب قادراً على المحافظة على لياقته البدنية- جيتي

انتهت بطولة العالم لكرة اليد في نسختها السابعة والعشرين بنتيجة متوقعة هي فوز منتخب الدنمارك بكأس العالم للمرة الثانية على التوالي.

 

غير أن البطولة تميزت بأكثر من ميزة استثنائية بغض النظر عن النتائج المتوقعة، فهي أول بطولة لكأس العالم تقام في بلد أفريقي هو مصر.

 

وارتفع عدد الدول المشاركة فيها إلى اثنتين وثلاثين دولة بعد أن كان الأمر مقتصراً على أربع وعشرين في البطولات السابقة.

 

وانسحب منها قبل انطلاقها منتخبا الولايات المتحدة والتشيك بسبب إصابة الكثير من لاعبي الفريقين بفيروس كورونا.

 

ولم تقف ظلال شبح الجائحة عند هذا الحد، بل فرضت على الجهة المنظمة أن تحرم عشاق اللعبة من متعة الجلوس في المدرجات، وحرمت الفرق الرياضية من الاستماع إلى هتافات مشجعيها الحماسية.

عين الجمهور في مصر والعالم لم تغفل عن مجريات البطولة برغم الحظر، وسرعان ما التقط المتابعون ظاهرة استثنائية متحركة على أرضية الملعب في صفوف المنتخب الكونغولي؛ كتلة بدنية بشرية ضخمة (110كغم/192سم)، تتحدى قوانين الجاذبية، وتعلو عن الأرض مسافة تزيد على المتر، وتسبح في الهواء مثل حوت في محيطه الطبيعي، وتشق طريقها بين أكتاف المدافعين المتراصة، وتطلق قذائفها لتهز شباك المرمى، وتهبط من دون أضرار بعد كل قذيفة.

 

ونجح صاحب الكتلة البدنية العملاقة في تسجيل اثني عشر هدفاً، من دون أن يخطئ رمية واحدة نحو المرمى، في المباريات الثلاث التي خاضها فريقه أمام منتخبات الأرجنتين والدنمارك والبحرين.

وسرعان ما أطلق المتابعون لقب "العملاق" على اللاعب الكونغولي السمين، واسمه الحقيقي "جوتيه مفومبي"، ويبلغ من العمر ستة وعشرين عاماً، ويلعب في أحد الأندية الفرنسية لكرة اليد.

 

وقوبل ظهور لاعب بوزن زائد على نحو ملحوظ، في أهم بطولة لكرة اليد، باهتمام واحتفاء كبيرين من قبل وسائل الإعلام.

 

وكان لفوزه بجائزة أفضل لاعب في مباراة بلاده أمام المنتخب البحريني دور كبير في تسليط الأضواء عليه بوصفه نموذجاً للياقة البدية، ومهارة الأداء، المناقضين لكل معايير الرشاقة الواجب توفرها في جسم الرياضي المحترف.

البطن البارزة والدهون الفائضة لا تجتمع في شخص مع الخفة والرشاقة والسرعة. هذا ما رسخته في الأذهان المراكز الصحية والطبية، وربطت التفوق الرياضي برشاقة الجسم وخلوه من الدهون خلواً تاماً.

 

لكنّ "العملاق الكونغولي" أثبت عملياً أن الوزن الزائد لا يعيق التفوق في الأداء في بعض الرياضات، كرفع الأثقال، والمصارعة، والملاكمة، وكرة اليد، بل يمكن للوزن الزائد أن يشكل رديفاً للكتلة العضلية المحورية في الجسم، ويمكن أن يمنح الجسم الرياضي رسوخاً أكبر، وثباتاً أشد، في مواقف المزاحمة والتدافع خلال المباريات.

 


 

وكان واضحاً عجز لاعبي الدفاع عن وقف اندفاعة "العملاق الكونغولي" نحو المرمى. وقد ساعدته اندفاعاته القوية في تسجيل هدف في كل اندفاعة قام بها، من دون أن يتمكن المدافعون من اعترض طريقه، أو خطف الكرة من ذراعيه القويتين.

تذكرنا المعايير البدنية "للعملاق الكونغولي" بمصارعي رياضة السومو اليابانية، وأوزانهم الثقيلة التي قد تتجاوز المئة وخمسين كغم، ومنهم المصارع الشهير "كيسينوساتو يوكاتا" بوزنه البالغ مئة وسبعة وسبعين كغم.

 

ويتشابه تكنيكه الحركي مع مصارعي السومو في قدرته على إفراغ الدائرة من أي عائق يمنع اندفاعه نحو المرمى، وتوجيه طاقته البدنية في اتخاذ وضعية الرمي، وإطلاقها في لحظة واحدة بمنتهى السرعة والقوة، مستفيداً من طوله الفارع وضخامة جسمه، الذين يمنعان أذرع المدافعين من الإحاطة به، أو الالتفاف حوله لصد الكرة.

 

ولأن طول ملعب كرة اليد لا يزيد عن الأربعين متراً، وعرضه عن العشرين، وزمن الشوط الواحد من شوطي المباراة ثلاثين دقيقة فقط، وتتخلله أوقات مستقطعة، لا يحتاج اللاعب السمين، في هذه المساحة الصغيرة والزمن القصير، إلى بذل مجهود كبير في الركض لسبق اللاعبين الأقل وزنا.

المقاييس البدنية الاستثنائية يمكن أن تنجح في الرياضة، بخلاف القواعد الرياضية الشائعة، التي لا ترى فيها إلا عائقاً يحول دون التفوق الرياضي.

 

ويستطيع اللاعب الواثق من قدراته أن يكسر حاجز الوصمة والسخرية، ويحوّل استهجان الجمهور لمعاييره البدنية غير الرشيقة، إلى إعجاب وتأييد.

 

ويتمسك " مفومبي" بهذه المحاججة، ويرفض توجيهات مدربيه بإنقاص وزنه حسب المعايير النموذجية، ويصرّ على أن وزنه الزائد يمنحه أفضلية على اللاعبين الخصوم في الملعب. 

السمنة ليست دليلاً قاطعاً على الكسل والمرض والممارسات الغذائية غير الصحية كما تجزم الأوساط الطبية، وكما تدل سيرة لاعب كرة القدم الأشهر "مارادونا"، الذي انقلب نمط حياته بعد الاعتزال، واستسلم للكسل والخمول مع إفراط في الأكل والشرب، وصار مثالاً للفشل والتدمير الذاتي والإدمان على العادات المضرة بالصحة، وصار ظهوره بالزي الرياضي مثاراً للسخرية والشفقة، وهو يجاهد لالتقاط انفاسه اللاهثة خلف الكرة. 

ما دام الرياضي قادراً على إبهار العالم بمهاراته فإن مقاييسه البدنية يجب أن لا تكون محط سخرية أو استهجان.

 

ويحضر مثال آخر من رياضة الكونغ فو على إمكانية نجاح الإنسان السمين في خرق المعايير النمطية للرشاقة.

 

والمثال يتعلق بلاعب الفنون القتالية، والإكروباتي، والراقص "سامو هَنغ" المولود في هونغ كونغ سنة 1952. واشتهر في السينما مع "بروس لي" و"جاكي شان" كأحد أبرز الأبطال في أفلام الكونغ فو.

 

وإذا كان "لي" و "شان" معروفان بجسد نحيل وخصر ضامر وعضلات مشدودة، وهي المعايير المثالية في هذا النوع من الأفلام، فإن "هنغ" عرف بوزنه الزائد، ومحيط خصره الواسع جداً، ووجناته العريضة، إلا أن هذه المقاييس البدنية غير المألوفة لم تمنعه من إدهاش جمهور السينما بقدرته على أداء أصعب الحركات القتالية، بل إنه نافس نجاح "بروس لي" في الفلم الشهير "دخول التنين"، ببطولته لفيلم كوميدي باسم "دخول التنين السمين". 

السمنة ليست عائقاً أمام التفوق الرياضي إذا كان اللاعب قادراً على المحافظة على لياقته البدنية. بينما يمكن أن تكون المعايير النمطية للجسم الرشيق عائقاً أمام الإنسان الراغب في احتراف الرياضة، لأن الفكرة المسيطرة على أذهان القائمين على الرياضة ستعمل ضده بآليات التمييز السلبي، والإقصاء والحرمان من فرصة المنافسة وإثبات الجدارة.

 

وسيجد الرياضي الموهوب أن المراكز الطبية، ومقاييس الجسم الرشيق الدعائية، والنظرة الجمالية الهوليودية المنحازة للخصر النحيل والعضلات البارزة، والشركات المصنعة للملابس الرياضية الضيقة، كلها تدفعه نحو للتخلي عن حلمه الرياضي، والاستسلام للكسل "المارادوني" القاتل.


التعليقات (1)
sandokan
الثلاثاء، 09-02-2021 09:52 م
طوال معظم تاريخها الممتد لأكثر من 100 عام ، كانت كرة القدم الإيطالية تعج بالقوالب النمطية. لقد كان ينظر إليه على أنه دفاعي ، وساخر ، ويفتقر إلى "اللعب النظيف". وغالبا ما تنطبق هذه الصور النمطية على الشعب الإيطالي بشكل عام ولم يتم استخدامها فقط من قبل الأجانب. جادل الصحفي الرياضي الإيطالي العظيم جياني بريرا بأن الإيطاليين كانوا أضعف من أن يلعبوا كرة القدم المهاجمة ، وعليهم التركيز على الدفاع القوي والهجوم المضاد ، وهو "نظام" أصبح معروفًا في جميع أنحاء العالم باسم إيطالي - كاتيناشيو - في الخمسينيات 1960s. ومع ذلك ، فإن الكثير من هذا كان دائما خطأ. الخلط الأساسي هو بين كرة القدم "الدفاعية" و "أن تكون جيدًا في الدفاع". كان المدافعون الإيطاليون متقدمين تقنيًا على العديد من البلدان الأخرى في فترة ما بعد الحرب ، وخاصةً منذ الخمسينيات ، عندما طورت الأندية الإيطالية أساليب تدريب معقدة وقواعد ولوائح تنظيمية تتعلق بسلوك اللاعب. اكتشف اللاعب الإنجليزي جيمي غريفز هذا الأمر على حسابه عندما ذهب إلى ميلانو في أوائل الستينيات ، وحصل على قائمة بالأنشطة اليومية عند الوصول ، بما في ذلك وقت نومه. واستمر عشر مباريات فقط. لذا أصبح الإيطاليون بارعين في الدفاع - وهذا يعني أن فرقهم كانت صعبة الهزيمة. المدافعون الإيطاليون لم يمسحوا الكرة بل مروا بها. لكن إذا احتاج العمل القذر إلى القيام بذلك ، فيمكنهم القيام بذلك أيضًا. تم الاحتفال بالدفاع في ثقافة كرة القدم الإيطالية. قد يكون جميلًا ، كما هو الحال في الأناقة الشديدة لـ Gaetano Scirea ، أعظم الكاسحات ، الذين طافوا عبر العشب ؛ وقد يكون ذلك وحشيًا ، كما هو الحال مع زميل سكريا في الفريق كلاوديو جنتيلي ، الذي رفض السماح لمارادونا باستلام الكرة في كأس العالم 1982. لقد "ألغى" الشاب مارادونا من خلال نسخة متطرفة من الوسم ، بمساعدة حكم متسامح. هذا ساعد إيطاليا على الفوز باللعبة ، وفي النهاية البطولة أيضًا. كان صحيحاً أن الإيطاليين لم يحجموا عن أي أفكار كورنثية عن اللعب النظيف. كان الشيء المهم هو الفوز ، مهما كان الأمر. ربما في هذا الاختلاف "الأخلاقي" يمكننا أن نرى أصول بعض الصور النمطية عن كرة القدم الإيطالية. رأى الإيطاليون دائمًا أن الخطأ التكتيكي ضروري - كجزء من اللعبة ، تمامًا مثل الأهداف والمساعدة. كانت التكتيكات السابقة حاسمة (ما نسميه ألعاب العقل) ، وكذلك استخدام وسائل الإعلام ، وفي بعض الأحيان ، الحيل القذرة من جميع الأنواع. لم يكن أي من هذا مستهجنًا طالما أنك ربحت. في الواقع ، ليس لدى الإيطاليين عبارة تُترجم إلى "اللعب النظيف" - وغالبًا ما يستخدمون المصطلح الإنجليزي بدلاً من ذلك. الصور النمطية عن كرة القدم الدفاعية مخطئة أيضًا من ناحية أخرى. كان المدرب الإيطالي ، أريجو ساكشي ، الذي حول كرة القدم العالمية في أواخر الثمانينيات والتسعينيات. من خلال تقديم لعبة ضغط عالية السرعة وإلغاء نظام الكناس بشكل فعال ، قام بتهيئة tikka-takka والطريقة التي يلعب بها العديد من الفرق اليوم. دافعت فرق Sacchi عن المقدمة ، فاضغطت على المساحة وأنتجت لعبة مثيرة وسريعة ومارة. احترق نجم Sacchi ببراعة ، لكنه تلاشى سريعًا (لقد كان كثيرًا من الأصوليين التكتيكيين ليدوم طويلاً) ولكن بعد Sacchi ، لم يكن هناك شيء على الإطلاق. احتل فريق Sacchi في ميلانو أوروبا ، وأدت ثورته التكتيكية إلى فترة من هيمنة النادي الإيطالي التي تلاشت مؤخراً. استمر المنتخب الوطني في التنافس على الساحة العالمية - حيث فرضت عليه عقوبات فقط تمنع تقدم كأس العالم (في 1990 و 1994 و 1998) قبل أن يفوزوا في النهاية في الفوز بلقبهم الرابع في عام 2006. في الملعب ، إنه وقت ممتع لكرة القدم الإيطالية. جيل جديد من النجوم يأتي. من المقرر تألق صانعي الألعاب اللامعين (ماركو فيراتي ، 21 عامًا) والمهاجمون الشباب المثيرون (سيرو إيموبيل ، 24 عامًا ، ولورنزو إينسيني ، 22 عامًا ، جنبًا إلى جنب مع ماريو بالوتيلي الزئبقي الذي لا يزال عمره 23 عامًا فقط) في كأس العالم. مهاجرون من الجيل الثاني يقتحمون الفرق الكبيرة ، ويخلقون النسخة الإيطالية المضطربة من "أمة قوس قزح". خارج الملعب ، لا تزال كرة القدم الإيطالية تعاني من مشاكل هيكلية تعكس قضايا الدولة الإيطالية والاقتصاد الإيطالي - الفساد والتدخل السياسي ونقص الإصلاح. لكن على أرض الملعب ، يبدو المستقبل آمناً. يلعب Cesare Prandelli في إيطاليا للفوز ، وفريقه مليء بالمواهب الشابة والزئبقية بالإضافة إلى عبقرية أنطونيو كاسانو - اللاعب الذي يمكنه فعل الأشياء التي يحلم بها فقط. كرة القدم الإيطالية: مملة؟ ساخر؟ رقم التكتيكية؟ تقني؟ ذكي؟ نعم نعم نعم .