أفكَار

العلمانية في الأردن.. أفكار نخبوية وحضور جماهيري باهت (2من2)

لماذا فشل العلمانيون في الأردن في تحقيق حضور جماهيري؟ خبراء يجيبون  (الأناضول)
لماذا فشل العلمانيون في الأردن في تحقيق حضور جماهيري؟ خبراء يجيبون (الأناضول)

تختلف آراء الباحثين والمعنيين في تحديد أسباب عدم تمكن العلمانيين في الأردن من تحقيق حضور جماهيري قوي ومؤثر، فمن جانبه قال أستاذ الفلسفة الغربية المعاصرة بالجامعة الأردنية، توفيق شومر: "على الرغم من أن الفكر العلماني كان هو السائد في الأردن تاريخيا قبل عام 1980، إلا أن هذا الموروث العلماني بدأ بالتراجع بشكل كبير مع انتشار الفكر الوهابي في المنطقة، فقد برز نوع من الاستقطاب الديني الذي أثر على تمكن العلمانيين من التحول إلى حراك سياسي مؤثر". 

وعن توجهات علمانيي الأردن لتأسيس وإنشاء أطر تنظيمية لنشر أفكارهم من خلالها، أوضح شومر أنه "كانت مؤخرا بعض التوجهات الليبرالية، حاولت أن تؤسس لأحزاب فاعلة، ولكن نظرا لعدم الاتفاق بين التوجهات الليبرالية المختلفة في الأردن فشل الحراك السياسي لهم، ولم يتمكنوا من تأسيس حزب لهم".

وأضاف: "لكن ونظرا لهيمنة الفكر الوهابي على الشارع العام في الأردن، وإن كان جل المتأثرين بهذا الفكر غير مؤطرين في التنظيمات الدينية، فإن العلمانيين لم يتمكنوا من التوسع في حراكهم المجتمعي لدرجة تسمح لهم بتنظيم صفوفهم، فالبنود الدستورية في الأردن والوطن العربي بشكل عام كانت تؤكد أن دين الدولة الإسلام، وهذا يتم تحديده في أغلب هذه الدساتير ضمن المواد الخمس الأولى لها، وبالتالي فمن الطبيعي أن يكون العمل العلماني "مخالفا للدستور" مما تسبب في تأخير انتشاره الفعلي". 

 



وإجابة عن سؤال "عربي21" حول ما ينقص علمانيي الأردن حتى يكون لهم حضور وتأثير قوي، شدد شومر على أن "العمل العلماني لا بد له من التركيز على تعديل الدساتير أولا، وعلى التأكيد أن فصل الدين عن الدولة لا يعد فصلا للدين عن المجتمع، عندها فقط يمكن من حيث المبدأ أن تتشكل حركة علمانية تتمكن من السعي نحو بناء دستور مدني". 

وواصل: "فالعمل على توضيح أن العلمانية ليست معادية للدين، أي دين، سيساعد بالضرورة على استجلاء الهدف الأساسي للفكرة العلمانية ألا وهي فكرة فصل الدين عن السياسة وليس فصل الدين عن المجتمع، فالتشويه الذي تقدمه التيارات الدينية والإسلام السياسي لفكرة العلمانية، والتي يتم ربطها بمعادات الدين لهو مؤثر بشكل كبير في الجمهور المتدين للابتعاد عن فكرة العلمانية". 

ونبه شومر إلى أن "العلمانيين لم يتمكنوا بعد من توضيح أن العلمانية ليست معادية للإيمان، وليست معادية للتدين، إنها تسعى ـ فقط ـ لكي تتحول الدولة إلى دولة لكل مواطنيها بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو الفكرية".

بدوره رأى الكاتب الأردني، هشام البستاني أن "العلمانية بالمعنى الدّارج في التعبيرات السياسية لا وجود فاعل ومؤثر لها، لكن يمكن القول أن هناك عدة تيارات سياسية موجودة وفاعلة في الأردن هي تيارات (علمانية) في إطار الفهم العام لهذه الكلمة، أي أنها تيارات مرجعياتها ليست دينية، وتعمل من أجل تحقيق برامج سياسية أو مطلبيّة أو أيديولوجية لا تستند إلى الدين أو الموروث الديني أو المقدس الديني". 

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "وهذه التيارات تتنوع من اليمين الليبرالي وصولا إلى اليسار الماركسي، وبينهما تيارات وطنية وقومية و(مدنية)، ضمن هذا المفهوم تدعو هذه التيارات بأشكال مختلفة من العمق و / أو السطحية إلى مفهوم (المواطنة): أي مساواة جميع المواطنين بغض النظر عن الجنس أو الدين أو الإثنية أو الأصل.. في الحقوق والواجبات". 

وتابع: "كما تدعو إلى مساواة جميع المواطنين أمام القانون، وأن يكون تشريع القوانين من خلال البرلمانات، وأن هذه القوانين غير مقدسة لذاتها بل يمكن تغييرها وتبديلها بنفس الطريق البرلماني الذي أنتجها، وأن من يخالف القانون يكون مخالفا له فقط، لا خارجا عن (الملة) بالمفهوم الديني. وهذه المقاربات بخصوص شكل الاجتماع السياسي للمجتمع ليست حكرا على تيار سياسي بعينه، بلا تتشارك فيها عدة تيارات تختلف فيما بينها على أمور أخرى جذرية".

 



وانتقد البستاني ما "تقوم به بعذ الشخصيات العلمانية التي تقدم نفسها باعتبارها ـ حصريا ـ خصما للتيارات الدينية، وترى أن معركتها (التنويرية) هي في مواجهة هذه التيارات بالذات، ويخلقون ضجيجا بهذا الخصوص بين الحين والآخر" واصفا إياها بأنها "ذات تاثير محدود، وهي ـ في جانب ما ـ تقوم بعملية استبدال يتعلق بتجنب مواجهة مادية وموضوعية مع السبب الرئيسي لواقعنا البائس، أي تتجنب مواجهة السلطة التي تنتج فعليا القمع والفساد، وتعطل التنمية، وتجهّل الناس، وتحتكر الحكم".

وأبدى تحفظه الشديد على ما تقوم به تلك الشخصيات من تكريسها لواقع الاستبداد "عبر تحويل المواجهة إلى قضية شكلية، ثقافوية، هوياتية مع التيارات الدينية، والتي هي، حتى في أعنف تشكلاتها، هي رد فعل سياسي اجتماعي اقتصادي على السلطة، لذا فإن تحويل النظر عن جذر الفساد (السلطة) باتجاه أي تعبير سياسي آخر هو ليس فقط نوع من التضليل وحرف النظر عن المُسبب، بل هو تعزيز لدور السلطة الفاسدة القامعة المحتكرة للحكم والسياسة، وتقديمها على أنها (خيار أفضل)". 

ووصف ما تقوم تلك الشخصيات من تحويل مواجهة استبداد السلطة إلى قضية ثانوية بأنه "كارثة معرفية سياسية يعزّزها مثل هؤلاء" مؤكدا على أن "واقعنا البائس الموجود اليوم هو من إنتاج طرف واحد: المجموعات الحاكمة الفاسدة التي خلفها الاستعمار وراءه، والكيانات الوظيفية منزوعة السيادة والمولّدة للتبعية التي تشكل مجال سيطرتها، فالدخول في معارك هامشية ثقافوية الطابع لا معنى له إلا تعزيز دور هذه المنظومات المعوّقة واستدامتها".

وفي ذات الإطار أكدّ أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية أن "العلمانية تيار نخبوي في العالم العربي، ومن ضمنه الأردن، وهي في الحقيقة لا تلعب دورا مؤثرا في التغيير الاجتماعي والسياسي، ولكنها موجودة في مجالات متعددة كالتعليم والثقافة والإعلام، وهو ما قد يصبغ بعض وجوه الحياة بالعلمانية دون أن يتم الإفصاح عن ذلك". 

وأضاف: "العلمانية ليست تيارا سياسيا، وإنما هي تيار فكري، ما يعني إمكانية تشابه القومي واليساري والليبرالي في تبنيهم لأفكار ومقولات العلمانية، فهذا هو العامل المشترك في تبني مبادئ العلمانية والدعوة إليها، على ما بينهم من اختلاف في الأفكار والأيدلوجيات الخاصة بكل اتجاه منهم". 

 



وأشاد في حديثه لـ"عربي21" بالدولة الأردنية التي وصفها بأنها "واحة علمانية عربية إسلامية ولكن دون أن تحدد ذلك بشكل علني، إذ يعيش الجميع في ظل الدولة الأردنية في مناخ اجتماعي منفتح، يقبل بهم جميعا على اختلاف اتجاهاتهم السياسية، وتوجهاتهم الفكرية، فالدولة الأردنية تحترم كل الاتجاهات والتيارات".

وعن التحديات التي تواجه علمانيي الأردن، لفت الشلبي إلى أن "فكرة العلمانية في ذاتها تواجه تحديات وجودية في المجتمعات المحافظة، والأردن واحد منها، لذا فإنها تكون في العادة مرفوضة وغير مقبولة، وهو ما يتطلب مزيدا من الجهود التوعوية لبيان أن العلمانية ليست ضدا الدين، وليست دعوة للإلحاد، إضافة لبعض الممارسات السلبية لمن يدعون أنهم علمانيون، وهم في الحقيقة يسيئون إليها، ولا يعبرون عن حقيقتها".  

ولاحظ الشلبي في ختام حديثه أن ثمة فرصة قائمة للعلمانيين في الأردن، يحسن بهم استغلالها واستثمارها، وذلك بتقديم نموذج العلمانية التي تؤمن بحق الجميع، على اختلاف مكوناتهم الفكرية والسياسية، في الوجود والتعبير عن أفكارهم، القائمة على المواطنة، وليس على أي اعتبار آخر ديني أو عرقي أو قومي، فالعلمانية توفر مناخا للانفتاح وسبيلا للتعايش السلمي في ظل سيادة القانون في الدولة المدنية".

 

إقرأ أيضا: العلمانية في الأردن.. أفكار نخبوية وحضور جماهيري باهت (1ـ 2)


التعليقات (0)