نشر
موقع "
المجلس الأطلنطي" تحليلا لكيفية تعامل إدارة الرئيس الأمريكي جوزيف
بايدن مع الملف السوري.
وقال
المبعوث الأمريكي السابق إلى
سوريا والزميل في "المجلس الأطلنطي" فردريك
سي هوف إن الشهر المقبل سيشهد الذكرى العاشرة على انطلاق التظاهرات السلمية المطالبة
بالإصلاح وقرار بشار الأسد شن حرب عليها. وهو قرار كما يقول أنتج أزمة لاجئين تدفقوا
على أوروبا وغيروا سياستها بطريقة أفرحت روسيا. وأدى قراره إلى تدمير الدولة السورية
وإلى ردود فعل أمريكية عمقت من الأزمة وأثرت على مصداقية أمريكا ليس في داخل سوريا
ولكن أبعد منها.
ويضيف:
على الإدارة الأمريكية الجديدة الآن التعامل مع المشكلة المستعصية فما هي فاعلة؟
ربما
كان الموقف الافتراضي لبايدن وفريقه هو محاولة إدارة الفوضى. وحتى نكون منصفين فإرث
سوريا من إدارة دونالد ترامب لم يكن مسموما كذلك الذي ورثته عن إدارة باراك أوباما.
ولأن الرئيس أوباما كان حريصا على عقد صفقة مع حليف الأسد الإقليمي إيران، فقد رفض
وبشكل مستمر أن يحرك ساكنا ويعاقب الأسد على المجازر التي ارتكبها ضد المدنيين كوسيلة
للحفاظ على السلطة في دمشق. ولم تتحرك الإدارة حتى عندما قررت إرسال قواتها وطائراتها
لمحاربة تنظيم الدولة في العراق وشمال سوريا. بل ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال"
رسالة من أوباما إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية يؤكد له أن العمليات الأمريكية
في سوريا لن تطال وكيله في دمشق.
وبعد
انهيار الخط الأحمر الذي أعلن عنه أوباما في 2013 شعر الأسد بالجرأة لكي يستخدم الشيك
المفتوح الذي حصل عليه. وقامت إدارة ترامب باللجوء إلى العمليات العسكرية مرتين لمعاقبة
نظام الأسد على استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، مما أثبت خطأ أطروحة باراك
أوباما أن معاقبة الأسد ومحاولة احتوائه لن تقود إلا إلى الغزو والاحتلال.
بل وثبت
عدم صحة "الانزلاق" الذي يقود للتصعيد عندما تم التصدي لهجوم روسي في غرب
نهر الفرات. وصعدت إدارة ترامب من الحرب ضد تنظيم الدولة بدرجة أدت لحرمانه من معاقله
المادية و"خلافته". وتم تخريب هذا الإنجاز بسبب السياسة السيئة التي انتهجتها إدارة ترامب وقبلها إدارة أوباما. فالقرار الطائش الذي اتخذته إدارة أوباما للتشارك
مع الفرع السوري الكردي لحزب العمال الكردستاني "بي كي كي" نفر تركيا وأطال
من أمد المواجهة ضد تنظيم الدولة. وتعاملت مع ميليشيا بدلا من مقاتلين محترفين في الحرب
ضد التطرف. ثم جاءت مكالمة ترامب العرضية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي تخلى
فيها عن الأكراد. وفي الوقت نفسه ناقش المسؤولون أن أمريكا لا تستطيع التعامل مع مرحلة
ما بعد المواجهات مع تنظيم الدولة وتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة. ومن هنا ستجد
إدارة بايدن التي وصلت إلى السلطة بعد أسبوعين من تمرد مسلح ضد الكونغرس مع حزمة من
التحديات النابعة من آثار فيروس كورونا صعوبة في جعل سوريا مركز عملياتها الأهم.
وتحاول
الأطراف التي تريد تعزيز فرصها السياسية بمن فيها نظام الديكتاتور السوري نفسه الاستفادة
من انشغالات الإدارة. ويناقش نظام الأسد وبشكل مستمر أن العقوبات الأمريكية، لا فساده
ووحشيته وعقمه هي السبب وراء الفشل الاقتصادي السوري.
ويدعم
مركز كارتر هذا النهج ويقوم بمضاعفة جهوده لرفع العقوبات عن سوريا والتعامل التدريجي
مع نظام الأسد، كما بدا في مقال رأي نشر في 2018 بصحيفة "نيويورك تايمز"،
مع أن الأسد هو أكبر مجرم حرب في القرن الحادي والعشرين حتى هذا الوقت.
وعلى
إدارة بايدن مراجعة العقوبات المفروضة على رجال النظام ومؤسساته والتأكد من أي شيء
تقوم بعمله وحتى لو كان صغيرا لا يزيد من معاناة الشعب السوري ويطيل أمد الحكم الفاسد.
ويرى
هوف أن العقوبات تكون أحيانا وسائل واضحة تؤدي إلى آثار غير مقصودة ولكن لا حاجة لأن
تستمع الإدارة الجديدة لتعليمات من أطراف تحاول تقوية الطرف الرئيسي الذي دمر سوريا.
ومن هنا فستظل سوريا في ظل إدارة بايدن بعيدة عن الاهتمامات الرئيسية أو خارج مطبخ
السياسة.
وستواصل
عوضا عن هذا تقديم الدعم الإنساني للاجئين السوريين الذين يعيشون خارج المناطق غير
الخاضعة للنظام. وقد يتغير هذا لو تحدت روسيا أو أي من المساعدين للنظام أمريكا عسكريا،
وعندها تتغير الحسابات. وبالتأكيد يجب التركيز على تقديم الدعم، وهذا ينسحب على الشركاء
لكل السوريين بعيدا عن أماكن إقامتهم. وكما اكتشفت الأمم المتحدة سابقا فمحاولة توفير
الدعم للسوريين في مناطق النظام صعب نظرا لحاشية النظام التي حاولت إثراء نفسها من
خلال الحصول على عقود لتوفير الدعم.
وعلى
مستويات العمليات وما يجب أن تعمله الإدارة في شمال شرق سوريا حيث تشترك القوات الأمريكية
مع المقاتلين المحليين لمواجهة تنظيم الدولة، فالمراجعة الداخلية مهمة جدا. واقترح
دبلوماسي أمريكي سابق تسليم مهمة مكافحة تنظيم الدولة إلى الروس والنظام السوري مع
المناطق المحررة من تنظيم الدولة في شمال- شرق سوريا. ويصلي تنظيم الدولة الباحث عن
طرق للعودة بأن تقبل واشنطن النصيحة. فهم يعرفون أن الخلافة لم تكن لتظهر لولا سوء
إدارة الأسد في سوريا ورئيس الوزراء نوري المالكي في العراق.
وتساءل
الكاتب عن البلد الذي ساهم في إحلال الاستقرار في اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية
الثانية، وعدم قدرته اليوم على العمل مع السوريين والشركاء الدوليين لتقوية نظام حكم محلي
في شمال شرق سوريا يكون بديلا عن نظام الأسد.
ويجب
على وزارتي الدفاع والخارجية التي لها رأي في وكالة التنمية الدولية مراجعة الوضع.
لكن أي قرار في شمال شرق سوريا يجب أن يتجنب النتائج الكارثية في العراق وليبيا. ويجب
ألا يحكم الأكراد العرب في سوريا، وبنفس المقام يجب ألا يحكم الأتراك الأكراد. لكن
النظام الوحشي في سوريا ظل يذكر الأقليات وحتى الغالبية السنية أن البديل عن نظام العائلة
الوحشي سيكون نظاما أكثر قسوة بقيادة تنظيم الدولة. وهنا يتساءل الكاتب إن كانت منطقة
شمال شرق سوريا هي المكان لإظهار خطأ المعتذرين عن النظام؟ ويجيب أن يظل إجراء نقل
للسلطة الهدف الأهم للسياسة، لكن هذا لن يحدث سريعا. إلا أن سوريا في ظل الأسد وحاشيته
لن تكون أقل من كونها تهديدا للسلام، وستظل شرا على جيرانها وداعمة للتطرف الإسلامي
والإرهاب ومنصة للهيمنة الإيرانية.
يؤكد
هوف أنه لا حل سريعا في سوريا والأخطر من هذا هو الاعتراف بانتصار الأسد. ومن المهم
مواصلة دعم جهود المبعوث الأممي إلى سوريا والالتزام بالبيان الختامي لمجموعة العمل
السورية حول نقل السلطة في 2012 وقرار مجلس الأمن الدولي 2254. ويجب مضاعفة جهود محاسبة
الأسد والمرتبطين به كما أوصت مجموعة دعم سوريا في 2019 والتحقيق بجرائم الحرب التي
ارتكبتها روسيا.
ويطالب
هوف الإدارة الحالية بالالتزام بالتحرك عسكريا ومعاقبة أي عملية للنظام ضد المدنيين.
وقد كان النظام والمحامون عنه في طريقهم للهزيمة عام 2013 عندما شطب أوباما خطه الأحمر.
وعبر
المسؤولون السابقون عن ندمهم بشأن سياسات أوباما تجاه سوريا. وسيتم امتحان مصداقيتهم
حالة استأنف النظام عملياته ضد المدنيين، سواء كانت بالسلاح الكيماوي أم بالبراميل
المتفجرة أو أي شيء آخر في ترسانته.
وكانت
تحركات أمريكا في سوريا وصمتها دليلا لأعدائها حول الكيفية التي يدفعون بها لتحقيق
أهدافهم في أوكرانيا وغيرها.
وبعد
مرور عشرة أعوام ربما سرى شعور أن السياسة الأمريكية السيئة قد جعلت من الانضباط والتفكير
وتحديد الأهداف أمرا لا قيمة له. ولكن نظام الأسد لا يحضر لإفراغ سجونه والترحيب باللاجئين
أو التشارك بالسلطة بل وينتظر بفارغ الصبر استسلام الغرب. ويجب على إدارة بايدن تجنب
تغيير النظام العنيف بسوريا ولكن عليها ألا تتعايش معه أبدا.