هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن مطالبة الحكومة الجزائرية لباريس بتحمل مسؤولياتها عن الأضرار الصحية والبيئية الناجمة عن التجارب النووية في الصحراء.
وتطرقت الصحيفة في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إلى قضية محمد محمودي، الذي استشهد برسالة من وزارة الدفاع الفرنسية مؤرخة في سنة 2013، ترفض طلبه بتعويضه عن الأضرار الصحية التي يعاني منها بسبب عمله في موقع تجارب نووية فرنسي سابق في الصحراء.
وأوضحت الصحيفة أن محمودي عمل طيلة تسعة أشهر خلال سنة 1992 على حراسة نفق في رقان الواقعة في الصحراء الكبرى، حيث أجرت فرنسا تجارب جوية (1960-1961) واختبارات أخرى تحت الأرض (1961-1966). وقد عاد إلى منزله وهو يعاني من عدد من الأمراض، أبرزها الأمراض العصبية التي يسببها التعرض للإشعاعات.
ورفضت السلطات الفرنسية طلب التعويض بحجة أن ملفه لا يستوفي أحد المعايير الثلاثة التي تخول له التمتع بالحق في التعويض، المنصوص عليه في قانون مورين لعام 2010: وهي المعاناة من مرض "ناتج عن الإشعاع" بسبب العمل في موقع تجارب نووية (الصحراء الجزائرية، بولينيزيا الفرنسية) خلال فترة الاختبارات أو بعدها مباشرة (1960-1967 في الحالة الجزائرية).
اقرأ أيضا: ماكرون يرفض الاعتذار للجزائر عن جرائم الاستعمار الفرنسي
لكن محمودي ليس الجزائري الوحيد الذي رُفض طلب تعويضه، فلطالما كانت فرنسا صماء أمام أصوات الضحايا الجزائريين المتضررين من "جرائمها النووية" في الصحراء، على حد تعبير عمار المنصوري، الباحث في الهندسة النووية، وأحد رموز "المجتمع المدني" الجزائري الناشط في محاسبة فرنسا.
تمييز عنصري أم تجاهل؟
وذكرت الصحيفة أن لجنة تعويض ضحايا التجارب النووية التي أنشأها "قانون مورين"، وافقت على تعويض حالة واحدة من إجمالي 545 حالة حتى الآن. وهو ما دفع الجزائريين للتساؤل عما إذا كان ما يحدث تمييزا عنصريا أم عدم اكتراث لمصير الضحايا.
ومن جهته، يقول محمودي؛ إن قضايا التعويض تُرفض مبدئيا لأسباب، على غرار أن الملفات غير مكتملة أو لا تتطابق مع الشروط.
وأكدت الصحيفة أن آلاف الجزائريين من البدو والقرويين الذين يقيمون بالقرب من رقان أو عين عكر، والذين عملوا سابقا في مواقع التجارب النووية ما بين 1960-1967، يستوفون الشروط اللازمة، لكن ملفاتهم بالكاد تصل إلى لجنة تعويض ضحايا التجارب النووية.
وبحسب الباحث الفرنسي ألان كريستناخت، لم تلق هذه المسألة اهتماما كبيرا في الجزائر على خلاف "بولينيزيا" الفرنسية، وهي مجموعة من أرخبيلات تقع في جنوبي المحيط الهادي وتتبع فرنسا.
وأوضحت الصحيفة أن المشكلة تكمن في غياب إشراف سياسي أو نقابي يدعم موقف الضحايا الجزائريين. ولا تنشط في هذا المجال سوى بعض جمعيات على غرار "جمعية 13 فبراير 1960" في رقان أو "جمعية ضحايا تاوريرت"، لكنها تفتقر إلى الوسائل اللازمة لأداء عملها ومن الواضح أن الدولة الجزائرية لا توفر لها الدعم الكافي.
اقرأ أيضا: الجزائر: فرنسا صنعت الصابون من عظام شهدائنا
وبالنسبة لمقترحات التعاون الفرنسي الجزائري في هذا المجال، فإنها بالكاد تجد أي صدى. ومن جهته، يأسف جان لوك سانس، الرئيس الفخري لجمعية قدامى المحاربين في الاختبارات النووية -التي نجح الناشطون فيها في فرض مسألة مناقشة التعويض في فرنسا- على هذا الوضع.
وأكد: "لقد اقترحنا مساعدة الجمعيات الجزائرية ماديا، ولكن لم نتلق أي رد".
وتساءلت الصحيفة عن الأسباب التي تفسر الجمود الجزائري في قضية التعويضات؟ ويتمثل السبب الأول في الإحراج التاريخي الناتج عن هذه السلسلة من التجارب النووية، الذي يعدّ انتهاكا صارخا للسيادة الجزائرية حتى عام 1967.
ففي حين أن اتفاقيات إيفيان الموقعة في آذار/ مارس 1962 لا تتضمن إحالة واضحة على التجارب النووية، فإن أحد بنودها يسمح لفرنسا "باستغلال" مواقع في الصحراء الكبرى مثل عين عكر ورقان وكولومب بشار وحماقير لمدة "خمس سنوات"، التي جرت فيها سلسلة من التجارب النووية.
أسرار دولة
في الفيلم الوثائقي "الجزائر، ديغول والقنبلة" للمخرج العربي بن شيحة، لخّص أحد مفاوضي جبهة التحرير الوطني، رضا مالك، عقلية الوفد الجزائري في مواجهة مطالب الفرنسيين، قائلا: "إذا كان لديهم شيء ليفجروه، فدعهم يفعلون ذلك بأسرع ما يمكن، ولن يتم التطرق لذلك مطلقا".
وأشارت الصحيفة إلى أن فرنسا لم تغادر الصحراء بالكامل بعد تفكيك المواقع النووية في سنة 1967، بل تفاوضت سرا مع نظام هواري بومدين للاحتفاظ بقاعدة "بي 2- ناموس" حتى عام 1978 لإجراء تجارب الأسلحة الكيماوية، وذلك بحسب ما صرح به الصحفي في المجلة الأسبوعية "لو نوفيل أوبسرفاتور" فينسينت جوفير في سنة 1997.
واستمرّ الوجود الفرنسي في قاعدة "بي2- ناموس" حتى سنة 1986، وذلك وفقا لما كشف عنه الجنرال الجزائري رشيد بن يلس في كتاب نُشر في الجزائر العاصمة سنة 2017.
لطالما اعتبر هذا النوع من أسرار الدولة محظورا، سواء في باريس أو في الجزائر، وقد كانت هذه القضية حساسة جدا في "العشرية السوداء" - أي في التسعينيات.
وتحوّلت هذه المراكز الصحراوية ذات الإشعاع النووي إلى معسكرات اعتقال للمتطرفين، بحسب ما كشفه فيلم وثائقي بعنوان "في الوطن" للمخرجين إليزابيث لوفري وبرونو حاجي.
والتزمت الجزائر الصمت بشأن التجارب النووية الفرنسية في الصحراء حتى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وذلك رغم التحركات المتزايدة للجمعيات والضحايا في بولينيزيا الفرنسية وفرنسا.
في شباط/ فبراير 2007، اختُتِم مؤتمر نظمته وزارة المجاهدين وذوي الحقوق حول هذا الموضوع في الجزائر العاصمة، ويتذكر أحد المشاركين فيه، الناشط المناهض للأسلحة النووية ومدير "مرصد التسلح" باتريس بوفري: "كان الأمر مزعجا للغاية، وبدأت وسائل الإعلام تتحدث عنه".
وبعد تسعة أشهر، طرح الطرف الجزائري -لأول مرة- ملف التجارب النووية والكيميائية بشكل سري خلال زيارة الرئيس نيكولا ساركوزي إلى الجزائر العاصمة.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي فرنسي كان ضمن الوفد الذي شارك في هذه الزيارة: "أراد الجزائريون إعادة فتح القضية، وأن نكون شفافين. وجدنا أن طلبهم مشروع؛ لأنه كان هناك ضحايا في الجزائر. لكن في هذه المرحلة، لم يكن هناك أي مطالب بتعويض مالي".
من جهته، يرى المهندس المختص في المجال النووي عمار المنصوري، أنه يجب على فرنسا "تعويض الدولة الجزائرية، التي يتحتم عليها التكفل بهؤلاء الضحايا"، وأن يكون التعويض شاملا وليس فرديا.