أفكَار

تجربة الإسلام السياسي.. تحفز على الاستمرار أم تدعو للانكفاء؟

أداء الإسلاميين على المستوى السياسي في الميزان.. قراءة في التجربة  (الأناضول)
أداء الإسلاميين على المستوى السياسي في الميزان.. قراءة في التجربة (الأناضول)

إيمانا منها بضرورة المشاركة في العمل السياسي عبر المؤسسات الدستورية والقانونية القائمة في كثير من الدول العربية والإسلامية، خاضت بعض الاتجاهات الإسلامية تجربة تأسيس أحزاب سياسية بمرجعيتها الإسلامية، ومارست العمل السياسي من خلالها، فشاركت في المجالس البرلمانية، وبعضها شارك في السلطة والحكم. 

بعد خوضها لتلك التجربة كيف يمكن محاكمة تجربتها وتقييمها؟ وهل نجحت في تحقيق بعض ما كانت تتمناه وتَعد به أم لم يزد وجودها على الوجود الشكلي؟ وهل تجاربها السابقة تحفزها وتدفعها للاستمرار والبناء على ما تم إنجازه، أم تدعوها للانكفاء والتوجه لرسم سياسات جديدة مغايرة لسياساتها القائمة؟

وفقا لباحثين فإن تجربة الأحزب السياسية ذات المرجعية الإسلامية لم تحظَ بمراجعة جادة لكافة مراحلها ومختلف مساراتها، ولم يجرِ تقييم شامل لكل تجربة من تجاربها المختلفة، وهو ما يعني بقاء الأخطاء على ما هي عليه، بل دوامها وتكرارها تحت ذرائع متهافتة، ومبررات غير سائغة.  

في هذا الإطار اعتبر الكاتب والإعلامي المصري، أحمد عبد العزيز "تأسيس هذه الأحزاب من حيث "الفكرة"، بأنه كان (و مازال ضروريا)، فالإسلام نزل ليحكم، لا ليكون متفرجا على انحرافات وضلالات المناهج الأخرى، وآخرها العلمانية، على اختلاف صورها". 

وأضاف: "ولا وصول إلى الحكم إلا من خلال انتخابات (حقيقية) إذا كانت البيئة السياسية تحترم نتائج الصندوق، أما من حيث (تجربة) هذه الأحزاب في العملية السياسية، فهي تجربة قاسية ومريرة، ولم تحقق أي إنجاز ذا قيمة؛ لسببين رئيسين: الأول: حداثة التجربة، والافتقار إلى الخبرة، وعدم بلورة رؤية متماسكة للحكم في (الدولة الوطنية)".

 


 
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "أما السبب الثاني فيتمثل في خوف الأنظمة (وكلاء الاستعمار المحليين) من الحكم بالشريعة الإسلامية التي لا يرون فيها إلا الرجم وقطع الأيدي، وجزّ الرؤوس، الأمر الذي يدفعهم لمحاربة أي (لافتة إسلامية) بلا هوادة" على حد قوله.
 
وحول مدى نجاح تلك الأحزاب في تحقيق ما كانت تتمناه وتعد به، لفت الإعلامي عبد العزيز، الذي شغل منصب المستشار الإعلامي للرئيس المصري، محمد مرسي إلى أنها "حققت الحضور، ولا شيء غير ذلك، وبعبارة أخرى، لم تحقق أيا مما وعدت به".

وتقييما لتجربة تلك الأحزاب إن كانت تحفزها للاستمرار أم تدعوها للانكفاء، شدد على أنه "لا مناص من الاستمرار في المحاولة، فهذا تكليف إلهي، قبل أن يكون ضرورة حياتية للشعوب؛ تضمن لها حياة آمنة كريمة".

واستدرك قائلا: "لكن هذا الاستمرار دون (مراجعة جادة) للشوط المقطوع حتى الآن، يعني عدم أهلية القائمين على المشروع اليوم، إلى أن يأتي جيل كفء، يقوم بما يجب القيام به، من مراجعة وتقييم، وينجز رؤية شاملة محكمة، تتعاطى مع الواقع، لتغييره لا لتستسلم له".

من جهته قال الكاتب والباحث السياسي العراقي، مجاهد الطائي في حواره مع "عربي21": "أثبتت تجارب الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية بشقيها السني والشيعي ـ خاصة في الحالة العراقية ـ أنها أحزاب سلطوية، دفعتها موازين القوى والصراع الداخلي للتخلي عن كثير من مبادئها المعلنة، وما نادت به طوال سنوات سابقة".

 


 
وتابع: "وبدأت تؤمن بالبراغماتية السياسية كمبدأ من أجل الاستمرار في السلطة؛ وقد أثبتت فشلها في إدارة الدولة وتنفيذ ما وعدت به جماهيرها أو ما تعلنه من أفكار، كما تجدر الإشارة إلى وجود انشقاقات ومشاكل داخلية في غالب تلك الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بدوافع السلطة والمنافع والمكاسب من جهة، والصراع بحكم الواقع البراغماتي الذي يُحتم على الحزب الممارسة السياسية البعيدة عن مبادئه الأصيلة من جهة أخرى".
 
ورأى الطائي أن "جميع الأحزاب، خاصة في الحالة العراقية أصبحت وبعوامل ذاتية وخارجية أحزاب سلطة، ترى المسؤولية العامة مجرد مصدر للتمويل الحزبي والشخصي والعائلي، وهذا يعني أن الفشل وصل إلى مرحلة الفشل الأخلاقي الذي يحتم إعادة النظر بكل المسيرة السياسية والفكرية وجدواها في ما يعلنونه من إصلاح وخدمة المجتمع".
 
من جانبه نبه الباحث والأكاديمي المغربي، الدكتور فؤاد هرّاجة إلى أنه "يَجمُل بمن يتناول تجربة الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية الانتباه لمعطيين هامين، الأول يتمثل في أن أغلب هذه الأحزاب هي امتداد لتيار الإخوان المسلمين، والثاني أن هذه الأحزاب لا تنحصر في الجغرافيا العربية بل لها رسوخ بارز في كل من باكستان وأندونيسيا وماليزيا وتركيا..".
 
وتابع: "بالتالي فإن تقييم هذه التجربة يقتضي استحضار الرهانات التي من أجلها دخلت هذه الأحزاب معترك السياسة، وأنا أرى أنها دخلت غمار السياسة بنَفَس إصلاحي يروم التغيير من داخل المؤسسات رافعة شعار العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد، مما جعل الجماهير التواقة للتغيير تتعاطف معها وتنتخبها في المجالس التمثيلية، غير أن هذه الأحزاب اصطدمت بعقبات جسام منها ما هو ذاتي يرجع إلى السطحية السياسية، وقلة الخبرة، ومشكلة التموضع السياسي، ثم محدودية البرامج والحلول".

 


 
وأردف في حديثه لـ"عربي21": "ومنها ما هو موضوعي يتعلق بنظام الحكم المستبد والمتماهي مع المناخ الدولي المعادي لأي تجربة إسلامية، مما يضع هذه الأحزاب بين كماشة ضيق هامش السلطة داخليا والخنق الاقتصادي خارجيا، كل هذه المعطيات تؤكد أن هذه التجارب لم تفشل بل تم إفشالها داخليا وخارجيا، حتى لو استدعى الأمر استعمال فزاعة الحرب والإرهاب كما هو الشأن في مصر وليبيا".
 
وحول أداء تلك الأحزاب ومدى نجاحها في تحقيق ما وعدت به أكدّ هرّاجة أن "مسؤولية هذه الأحزاب تبقى قائمة تجاه إخفاقاتها في تحقيق وعودها، فلا تنمية نجحت ولا عدالة تحققت، وأقصى ما وصلت إليه هذه الأحزاب أنها قبلت بدور الكومبارس بل تناقست من أجل أدائه، فظلت للأسف تتحمل أوزار فشل السياسات العامة التي لم تكن هي الواضعة لها بل كانت مملاة عليها من الحاكم المستبد".
 
وطبقا للباحث المغربي هرّاجة فإن "هذه التجربة التي تتبنى القبول بالوضع السياسي كما هو قائم، وتحلم وتسعى لتغييره من داخل مؤسسات فاسدة، قد أثبتت أن هذه الأحزاب هي التي تغيرت وحادت عن مبادئها وتخلت عن شعاراتها، وأصبحت صوتا من أصوات الحكم المستبد تضفي عليه المشروعية باسم الإسلام" حسب عبارته.

وخلص إلى القول: "لهذا كله وجب على هذه الأحزاب مراجعات جذرية بحيث تعود إلى أصولها القيمية والأخلاقية حيث الدعوة إلى الصدق والوضوح والمسؤولية، لتتصالح مع ذاتها ومع جماهيرها وقواعدها، فتعيد صياغة البوصلة السياسية نحو التعبئة الشاملة من أجل تغيير المناخ السياسي، وذلك بتغيير الدساتير والقوانين بما يتيح المشاركة السياسية الفعالة، حيث ربط المسؤولية بالمحاسبة، وحيث الفصل بين السلطات، وحيث أن الحاكم والمحكوم تحت سلطة القانون".
 
وختم حديثه بالتأكيد على أنه ما "لم تتحقق هذه الشروط فإن هذه التجارب مهما اصطبغت بشعارات الإسلام تبقى خبطة عشواء، وصرخة في واد، تؤجل كل تغيير حقيقي مرتقب، وتنفخ الروح في أنظمة حكم فاشلة، إذ كل المؤشرات تؤكد أنها آيلة للسقوط والزوال".

التعليقات (1)
ناصحوا امتهم
الخميس، 21-01-2021 06:54 م
يا بسام ناصر، نصك لا يعرّف القارئ أهو تغطية لمؤتمر او ندوة ام هو مقالة عن المشاركة السياسية للحركات الإسلامية وطفت فيها صورا لمؤتمر لا يمكن للقارئ ان يعرف من نظمه و متى و اين وقع، مع صو لشخصيات كذلك لا يمكن للقارئ ان يعرف اين و متى قابلتها. شيئا من الدقة يرحمكم الله.