هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مع دخول إيران في الإسلام، تمتع العرب المسلمون بمنصة جغرافية استراتيجية سمحت لهم بالتوسع في العمق الآسيوي.
كانت بداية دخول الإسلام إلى الهند عبر التجار العرب الذين استوطنوا على شواطئ الهند الغربية في القرن الثامن.
وفي العصر الأموي أرسل الحجاج بن يوسف الثقفي حملة لفتح الهند، نجحت فقط في ضم أجزاء من باكستان وتأسيس مملكة مسلمة في ذلك الجزء الذي كان تابعا للهند أنذاك.
على خطى الأمويين، استمر العباسيون في إرسال الحملات إلى الهند، وأصبح في أطراف وشمال الهند عدة ولايات إسلامية، تطورت لاحقا إلى إمارات مستقلة.
تأسيس دولة المغول
كان جوجي خان أحد أبناء جنكيز خان قد دخل في الإسلام وغير اسمه إلى بركة خان، ومن سلالته نشأ ظهير الدين بابور الذي ورث عن والده مملكة صغيرة في أفغانستان في بداية القرن السادس عشر.
طموحات بابور دفعته إلى غزو الهند والسيطرة على ممالك في شمالها، وهكذا نشأت إمبراطورية المغول المسلمة في الهند.
حافظ بابور على التنوع الديني الكبير في الهند، وقد أوصى بعد وفاته عام 1530 لابنه همايون بالحفاظ على هذا التنوع وعدم التدخل في الشؤون الدينية.
غير أن هذه الإمبراطورية ستشهد ذروة عظمتها مع الإمبراطور التاريخي جلال الدين محمد أكبر، الذي أصبح بلاطه ملتقى لرجالات الدين على اختلاف مذاهبهم، والفلاسفة والأدباء والشعراء والعلماء، بمن فيهم عبقري الموسيقى الهندوسي العظيم تانسن.
جلال الدين أكبر
ولد أكبر عام 1542 في إحدى قلاع السند، بينما كان والده السلطان همايون قد غادر مملكته بعدما نجح الأفغاني شير شاه في الاستيلاء على الهند، ولم يقدر لهمايون أن يرى ولده جلال الدين أكبر إلا بعد قرابة 13 عاما، بعد أن عاد من منفاه ويبدأ في استرداد عرشه.
هكذا نشأ أكبر في قندهار متخفيا عن الأنظار، ولم يتلق أي قدر من التعليم، فنشأ أميا لا يعرف القراءة أو الكتابة بأي لغة من لغات البلاط المغولي، ولكنه رغم ذلك كان حاد الذكاء محباً للعلم والعلماء ويقبل على مجالستهم والتحاور معهم.
حكم أكبر (1556- 1605) دولة الهند لخمسين عاما، أكمل خلالها السيطرة على كامل بلاد هندوستان (باكستان وشمال الهند) وزحف إلى الشرق حتى البنغال، ثم أدخل كل الدول الإسلامية وغيرها تحت سلطته.
كان أكبر أحد الأباطرة الطموحين والنشيطين الذين لم يكونوا مستعدين للتسليم بكامل نظامهم ما لم تصبح الكتلة التي كانوا يرونها بلدا واحدا خاضعة لحكمهم الموحد.
لم يكتف الإمبراطور بتأكيد أولوية التسامح، بل أصر على إرساء الأسس الرسمية لبنية حقوقية ولحياد الدولة على الصعيد الديني.
وحين كان أكبر يكتب عن التسامح الديني في آغرا عام 1592 كان جوردانو برونو يتعرض للاعتقال بتهمة الهرطقة، ثم ما لبث أن حرق عام 1600 في روما.
رتب أكبر لاجتماعات للحوار العام أواخر القرن السادس عشر، شارك فيها أعضاء من طوائف دينية مختلفة، ومع أنه من الممكن إرجاع الخلفية التاريخية للعلمانية الهندية إلى زمن أبعد، إلا أن السياسة العلمانية حظيت بدفعة هائلة جراء اضطلاع أكبر بحمل راية التعددية العليا، مع إصراره على حيادية الدولة.
آخذا بتنوع الهنود الطائفي، أرسى أكبر أسس العلمانية وحياد الدولة الديني، الذي يشدد على وجوب ضمان عدم التدخل في دين أحد، وبقاء الجميع أحرارا في اعتناق الدين الذي يروق لهم.
لم يكتف أكبر بتعزيز التنوع بين الطوائف الهندية من مسلمين وهندوس وبوذيين، بل أرسل إلى البرتغاليين في جزر إندونيسيا يدعوهم إلى عدم الاعتداء على مملكته وتزويده بنسخة مترجمة من الإنجيل، وسمح للمبشرين بالدعوة للنصرانية في دولته.
اقرأ أيضا: هكذا بررت محكمة هندية منع المسلمين من الصلاة بـ"تاج محل"
نستطيع أن نتعرف في شعاراته على ضرورة الحياد الديني من جانب الدولة، إلى الأسس السليمة لأي دولة علمانية لا طائفية كانت ستولد في الهند، وهكذا فإن استنتاجات أكبر التي أصبحت مراسيم وتشريعات بين عامي 1591 و1592، كانت منطوية على مضاعفات كونية شاملة، ولم تكن أوروبا أقل من الهند حاجة للإصغاء إليها، يقول إمارتيا سن.
متأثرا بالأديان داخل الهند بشكل عام وبالتصوف الإسلامي بشكل خاص، وضع الإمبراطور أكبر دينا جديدا سماه "الدين الإلهي"، وكان مزيجا من الديانات المعروفة في الهند، ويقوم على الاعتقاد بوجود إله واحد رمزه الشمس والنار وبأن السلطان هو ظل الله في الأرض والمجتهد الأكبر، وقرر في ديانته اتباع الدين الجديد والامتناع عن أكل اللحوم والبصل والثوم وجعل يوم الأحد يوم دخول الناس في هذا الدين.
لكن بعض المراقبين يرون أن هذه الخطوة لم تكن نتيجة تأثره بالديانات المتنوعة بالهند، بقدر ما كانت خطوة سياسية بلباس ديني، حيث كان يسعى إلى تخليص مملكته من الصراعات المستعرة بين أبناء الديانات والمذاهب المختلفة عبر دين يجمع بين معتقداته مفردات من مختلف ديانات رعيته، وخاصة الإسلام والهندوسية وبدرجة أقل الزرادشتية والمسيحية.
ترافق اعتماد الدين الجديد مع خطوات أخرى، تمثلت أولا في القضاء على النظام الإقطاعي واستخلافه بنظام إداري مقتبس من الخبرة الفارسية والمغولية، وثانيا في تخفيف الضرائب، حيث ألغى الجزية المفروضة على الهندوس، وضريبة الحج لأماكنهم المقدسة.
بعد وفاة أكبر، بدأت إمبراطوريته بالتراجع على صعيد التسامح والتنوع الديني، فيما تطلب مرور قرن من الزمن حتى بدأت الإمبراطورية تتراجع أمام ضربات الإنكليز والبرتغاليين.