هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كشف تقرير ديوان المحاسبة في الأردن لعام 2019 الذي تسلمه رئيس الحكومة أمس الأول، عن ارتكاب الهيئات الحكومية تجاوزات إدارية ومالية كبيرة،
تتكرر مثيلاتها في التقارير السنوية للديوان، دون رادع يوقف استنزاف المال العام.
وتناول التقرير تجاوزات عديدة، منها تقاضي الرئيس التنفيذي السابق
لـ"الملكية الأردنية" الخطوط الجوية راتب 68 ألف دينار شهريا، بالإضافة
إلى 32 ألف دينار مصاريف هاتفية و"بدل غربة".
وتحدث عن وجود أجهزة طبية متكدسة وأدوية فاسدة في مستودعات مستشفى الأمير
حمزة الحكومي، وشراء سلطة العقبة تذاكر بقيمة 10 آلاف دينار لـ"حفل
فنان"، وصرف آلاف الدنانير لأعضاء مجلس مفوضي هيئة الاتصالات كـ"بدل
سفر"، وصرف مكافأة بقيمة 31 ألفا و489 دينارا لمدير تنمية أموال الأيتام،
والعديد من التجاوزات المالية.
مكمن الخلل
ورأت النائب الأسبق والأمين العام لحزب "أردن أقوى" رلى الحروب،
أن "الفساد المالي والإداري أصبح مستشريا في البلاد بشكل يهدد أمن الوطن
ومستقبل أجياله".
واستهجنت في حديثها لـ"عربي21" استمرار التعيينات بالواسطة
والمحسوبية، وخصوصا في المواقع العليا للدولة، والتي تشمل الوزراء والأمناء
العامين للوزارات ورؤساء المؤسسات الحكومية، لافتة إلى أن "عدم خضوع هذه
التعيينات لمعايير شفافة يعني أن مستقبل البلاد كله في خطر، لأنه بات بأيدي أشخاص
غير مؤهلين لاتخاذ القرارات".
وأضافت الحروب أن "الأخطاء الهيكلية التي تشتمل عليها الموازنة مستمرة
منذ أكثر من 10 سنوات، مشيرة إلى أن "طريقة الاقتراض التي تمارسها الدولة من
أجل تسديد النفقات الجارية والرأسمالية لم تتغير، وتقييم النفقات في مشاريع قوانين
الموازنة تكتنفه المبالغة، وهو ما يتسبب في تضخيم حجم العجز، وبالتالي في مزيد من
الاقتراض، ومزيد من الفوائد السنوية".
ولفتت إلى وجود خلل كبير في الموازنة العامة، يتمثل ببند "النفقات
الأخرى" الذي لا يخضع للرقابة والمحاسبة من قبل مجلس النواب ولا ديوان
المحاسبة، مشيرة إلى أن "هذا البند أنفق في خمس سنوات ما بين 2014 و2019
مليار دينار".
وبينت الحروب أن بند الإيرادات في جميع مشاريع قوانين الموازنة يصل مجلس
النواب دون أي تفصيل، "فهناك رقم مطلق أصم لا يمكن لأحد التدقيق على صحته،
وهذا مذكور في تقارير ديوان المحاسبة جميعها منذ عام 2006 حتى اليوم".
ورأت أنه "لا توجد جدية كافية في التعامل مع اختلالات قانون الموازنة،
وما ينتج عنها من فساد مالي وإداري"، مضيفة أن "اللجان المالية
المتعاقبة لمجالس النواب غير مؤهلة للنظر في قوانين الموازنات، ومن كان مؤهلا من
أعضائها يقدم مصلحته الخاصة قبل العامة، بينما يكافئ الشعب النواب الفاسدين
بانتخابهم، ويعاقب المخلصين بمقاطعة الانتخابات".
وأشارت إلى وجود مشكلة عويصة في تعامل مجلس الوزراء مع الميزانية، حيث تترك
مهمة هذه الأخيرة لوزير المالية، من غير أن يكون ثمة نقاش حقيقي داخل المجلس،
لافتة إلى أن الدستور يؤكد أن الوزراء متكافلين، وأن الخطأ في الموازنة لا يتحملها
وزير المالية وحده.
اقرأ أيضا: وزير أردني سابق يحذّر من قرار حل نقابة المعلمين
وبينت الحروب أن تعديلات الدستور لعام 2011 حصرت الحق في إحالة الوزراء
الفاسدين بمجلس النواب، ومنعت المدعي العام من القيام بهذا الإجراء، الأمر الذي
يلقي بالمسؤولية كاملة على البرلمان، داعية إلى إيجاد برلمان مكون من حزبين أو
ثلاثة فقط، ليتمكن من القيام بمحاكمة الفساد، ومحاسبة الفاسدين، وحماية المال
العام، وتحسين الخدمات المقدمة لعموم المواطنين.
ويطالب ديوان المحاسبة بمنحه الضابطة العدلية التي تشمل إمكانية تحويل
المتهم مباشرة إلى القضاء، أو إلى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد.
وقال رئيس الديوان عاصم حداد في تصريحات لقناة المملكة الثلاثاء، إن المطالبة
بالضابطة العدلية تهدف إلى الحد من الهدر والتطاول على المال العام، مضيفا أن
"صفة الضابطة العدلية تتيح لنا ضبط المخالفات الآنية التي لا تحتمل
التأجيل".
هل ثمة خلل تشريعي؟
من جهته؛ قال المحامي علي العرموطي إن المطالبة بمنح ديوان المحاسبة صفة
الضابطة العدلية تأتي في ضوء إرجاء مناقشة تقارير ديوان المحاسبة من قبل مجلس
النواب، وبالتالي التأخر في إحالة قضايا لا تحتمل التأخير إلى القضاء أو إلى
"النزاهة ومكافحة الفساد".
وأضاف لـ"عربي21" أن صفة الضابطة العدلية في الأصل هي للمدعين
العامين ولقضاة الصلح في المراكز التي لا يوجد فيها مدعون عامون، والتوسع في منح
هذه الصلاحية القضائية ينبغي أن يكون في أضيق الحدود، وبما يضمن استقلال السلطة
القضائية، وحماية حقوق وحريات الناس من تعسف الضابطة العدلية في استعمال السلطة.
ونفى العرموطي أن يكون ثمة خلل في التشريع يساعد على استمرار حالات الفساد
التي يتناولها تقرير ديوان المحاسبة، مشيرا إلى أن الخلل يكمن في الجانب الإداري
والرقابي، وخاصة السنوات الأخيرة من عمر الدولة.
وتابع: "هذا الخلل يتمثل في هدر المال العام، سواء بالاختلاس أو
الرشوة أو الإهمال الوظيفي أو التهرب الضريبي أو الجمركي، والذي تتكرر الإشارة
إليه في تقارير ديوان المحاسبة دون معالجة".
ورأى أن حصر حق إحالة الوزراء في مجلس النواب لا يشكل خللا تشريعيا، معللا
ذلك بأن "البرلمان هو صاحب الولاية في الرقابة والمحاسبة للحكومات، وهذا جزء
من وظيفته كسلطة تشريعية ورقابية، وهو المسؤول عن هذه الوظيفة مسؤولية سياسية
وقانونية".
وقال العرموطي إن البرلمان السابق أحال عشرات القضايا إلى هيئة النزاهة
ومكافحة الفساد بالاستناد إلى تقرير ديوان المحاسبة، لافتا إلى أن دور الهيئة
يتمثل في التحقق من هذه القضايا، فإذا رأت فيها مسؤولية من حيث المبدأ أحالتها إلى
القضاء للتحقيق وملاحقة المتهمين فيها بالفساد.
وكان رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، قد أكد عقب استلامه تقرير ديوان
المحاسبة الثلاثاء، التزام الحكومة بكل جدية بالعمل على تصويب أي مخالفات أو خلل
تضمنه التقرير، بما يحافظ على سلامة المال العام، ومنع أي تجاوزات عليه.
وشدد الخصاونة على التزام الحكومة وجميع مؤسساتها بالتعاون التام مع ديوان
المحاسبة، والاستجابة السريعة لاستيضاحات الديوان بشأن أي تجاوزات تحصل لدى الجهات
الخاضعة لرقابة الديوان.