هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تناول موقع "تيارات يهودية" الأمريكي ملف العلاقات
الأمريكية الإسرائيلية الفلسطينية.
وسلط الكاتب بيتر بينارت، وهو أحد محرري الموقع وكاتب
رأي في صحيفة "نيويورك تايمز"، على سياسة أوباما تجاه إسرائيل
والفلسطينيين، وكيف أنه اعترف بأن انتقاد إسرائيل كلفه الكثير. وخلص إلى أن الرئيس المنتخب جو بايدن أقل استعدادا لمواجهة اللوبي الإسرائيلي في واشنطن.
وأشار بينارت إلى مقولة أوباما التي رد
فيها على طلب بإيجاد حل عادل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بأن سرد إجابة فرانكلين
روزفيلت عندما رجاه الزعيم العمالي الأسود إيه فيليب راندولف بأن يبذل جهدا أكبر لنصرة
الحقوق المدنية، فأجابه زوزفيلت: "أتفق معك في كل شيء قلته لتوك. ولكني أطلب منك
شيئا واحدا يا سيد راندولف، وهو أن تخرج وتجبرني على فعل ذلك".
ليخلص الكاتب إلى نتيجة مفادها، أن "تغيير سياسة الحكومة تجاه إسرائيل والفلسطينيين يتطلب استنفارا قويا للجماهير بما يكفي للتغلب على المصالح المستحكمة".
وفيما يلي نص المقال مترجما:
القضية فلسطين ليست من المواضيع السهلة
على من يكتبون سيرهم الذاتية في واشنطن. غدا انتقاد سامنثا باورز للدولة اليهودية موضوعا مركزيا في جلسات الاستماع التي عقدت في 2013 لإقرار تعيينها سفيرة للولايات المتحدة
لدى الأمم المتحدة. ومع ذلك، لم ترد كلمة "إسرائيل" مرة واحدة في مذكرات
باورز التي صدرت في عام 2019 تحت عنوان "تعليم شخص يرنو إلى المثالية". لربما
بدا آمن من وجهة نظرها تجنب الموضوع تماما.
في سيرته الذاتية التي صدرت بعنوان
"أرض موعودة"، يجرب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أسلوبا مختلفا، فهو يمنح القارئ ما يكفي من المعلومات حتى يكون لديه صورة عما يجري في دوائر صناعة
السياسة في واشنطن تجاه إسرائيل أو فلسطين. تجده يفصل في الوقائع السياسية التي قيدت
قدرته على تحدي احتلال إسرائيل للضفة الغربية، والتي من المحتمل كذلك أن تقيد قدرات
جو بايدن في هذا الشأن، ولكنه لا يفصح عن عواقب الحكاية التي يرويها، ربما لأنها تشبه
إلى حد كبير تلك التي وردت في واحد من أكثر كتب السياسة الخارجية تهييجا خلال العقدين
الماضيين، ألا وهو كتاب "اللوبي الإسرائيلي" لمؤلفيه ستيفن والت وجون ميرشايمر.
في عام 2006، نشر والت، عالم السياسة في
جامعة هارفارد، وميرشايمر، عالم السياسة في جامعة شيكاغو، بحثا – ما لبث أن تطور إلى
كتاب – زعما فيه أن "السبب الحقيقي الذي يجعل السياسيين الأمريكيين يراعون بشدة"
الحكومة الإسرائيلية "هو النفوذ السياسي الذي يتمتع به اللوبي الإسرائيلي". وقالا إن هذه المراعاة "تهدد الأمن القومي للولايات المتحدة". أثار الكتاب
ردود فعل غاضبة. بل ذهب أبراهام فوكسمان، الذي كان حينها يشغل منصب المدير الوطني لرابطة
مناهضة التشهير، إلى حد تأليف كتابه الخاص الذي كرسه لإثبات أن الحجج التي أوردها
أمثال والت وميرشايمر كانت معادية للسامية. فما كان من جامعتي هارفارد وشيكاغو إلا
أن أعلنا أن البحث الذي ألفه والت وميرشايمر "ينبغي ألا يفسر أو يقدم على أنه
يمثل الموقف الرسمي لأي من الجامعتين".
من بعض الجوانب، بالغ والت وميرشايمر فيما
قدماه؛ ففي بحثهما كتبا أن "إسرائيل واللوبي" كانا "منتقدين" لقرار
إدارة بوش غزو العراق، وهذا لم يكن صحيحا. واتهم ناعوم تشومسكي المؤلفين بأنهما قللا
من قيمة الدور الذي تؤديه المصالح التجارية الكبرى في وضع السياسة الأمريكية. ومع ذلك،
فإن النقطة الجوهرية فيما كتبه والت وميرشايمر – ومفادها أن جماعات مثل "إيباك" تصعب
كثيرا على صناع السياسة في الولايات المتحدة تحدي السياسات الإسرائيلية التي يعتقدون
أنها ضارة– تشتمل على أكثر من لب الحقيقة. وإذا ما قرأت مذكرات أوباما بعناية فسوف
ترى بوضوح أنه يتفق معهما فيما كتباه.
من المؤكد أن أوباما يعتقد بأن دعم الولايات
المتحدة لاحتلال إسرائيل للضفة الغربية قد أضر بالمصالح الأمريكية، فقد كتب يقول إن
ذلك الدعم "استمر في إذكاء سخط المجتمع العربي وفي تغذية مشاعر العداء لأمريكا
في العالم الإسلامي".
والخلاصة هي أن "غياب السلام بين إسرائيل
والفلسطينيين يجعل أمريكا أقل أمنا". حاول أوباما، بوصفه رئيسا، تغيير ذلك،
إلا أنه وجد أن جهوده كانت تعاق إلى حد كبير من قبل اللوبي الإسرائيلي؛فبمجرد أن استلم
منصبه في 2009 طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجميد النمو الاستيطاني.
ومع أن أوباما يوجه نقدا كذلك للزعيم الفلسطيني محمود عباس الذي اعتبره مغاليا في الحذر،
إلا أنه يقول إنه "لم يكن هناك الكثير الذي يمكن لعباس أن يعطيه للإسرائيليين
مما لم يتمكن الإسرائيليون من أخذه بأنفسهم". ولذا "وأخذا بالاعتبار ميزان
القوة... ظننت أن من المعقول أن أطلب من الطرف الأقوى اتخاذ خطوة أولى أكبر باتجاه
السلام".
ومن خلال إقدامه على ذلك، دخل أوباما في
عراك ليس فقط مع نتنياهو، بل وكذلك مع "إيباك"، حيث كتب أوباما يقول:
"كان أعضاء الحزبين يخشون من إغضاب لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية
(إيباك). فكل من ينتقدون السياسة الإسرائيلية بصوت مرتفع أكثر من اللازم، يجازفون بأن
يوصموا بمعاداة إسرائيل (وربما أيضا بمعاداة السامية)، ومن ثم سيفرض عليهم مواجهة خصم
يتمتع بتمويل جيد في الانتخابات القادمة". عندما اقترح أوباما تجميد الاستيطان
"بدأت هواتف البيت الأبيض ترن دون توقف، وانهمك أعضاء فريقه للأمن القومي في الرد
على المكالمات الواردة من الصحفيين وزعماء المنظمات اليهودية الأمريكية ورموز المناصرين
وأعضاء الكونغرس، جميعهم يتساءلون لماذا يعمد البيت الأبيض إلى استهداف إسرائيل بشكل
خاص، واستمر هذا النمط من الضغط طوال معظم عام 2009".
يعترف أوباما بأن الضغط كانت له كلفة، فقد
كتب يقول؛ إن "الضجيج الذي نظمه ونسقه نتنياهو حقق الغاية منه، وهو إهدار وقتنا،
ووضعنا في خانة الدفاع". وأعلن أن الدخول في عراك مع إسرائيل "كانت له تكلفة
سياسية محلية، لم يكن لها وجود عندما كنت أتعامل مع المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا
واليابان وكندا، أو أي من حلفائنا الآخرين المقربين".
يستحق السطر الأخير الوقوف عنده قليلا.
لا يكتفي أوباما بوصف البنية التحتية المؤيدة لإسرائيل بأنها قوية، بل يذهب إلى أبعد
من ذلك؛ إذ يقول إنه بسبب اللوبي الإسرائيلي كانت موازنة السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل
مع المصلحة القومية للولايات المتحدة أصعب بكثير من موازنتها في حالة أي من الحلفاء
الآخرين. ومن خلال القول، إن "إيباك" تستخدم قدراتها المالية لتخويف السياسيين،
فقد كرر التهمة التي أكسبت والت وميرشايمر (ومؤخرا إلهان عمر) وصم المعاداة للسامية.
بعد عراك أوباما مع "إيباك"،
وافق نتنياهو على تجميد جزئي للاستيطان لمدة عشرة شهور، ولم يشمل ذلك القدس أو الإنشاءات
التي كانت عمليات البناء فيها قد بدأت وتجري على قدم وساق. أما عباس –الذي كان يخشى
من أن يفقد صدقيته محليا بسبب الدخول في مفاوضات مطولة مع رئيس وزراء ليس مهتما بقيام
دولة فلسطينية قابلة للحياة–، فوافق على المحادثات المباشرة فقط عندما أوشكت شهور التجميد
العشرة على الانتهاء.
يختم أوباما القسم المتعلق بإسرائيل في
مذكراته، بوصف اجتماع قمة عقد في أيلول/ سبتمر من عام 2010 بهدف إطلاق تلك المحادثات.
شارك في القمة كل من نتنياهو وعباس والرئيس المصري حسني مبارك وعاهل الأردن الملك عبدالله.
يكتب أوباما قائلا؛ إن الأجواء كانت "دافئة وتسودها روح الزمالة". ولكنها
كانت كلها مجرد تمثيلية: "ففي الأعماق منهم، لم يكن أي من الزعماء الذين التقيت
بهم يعتقد بأن ثمة ما هو ممكن". يتصورهم أوباما وهم يغادرون البيت الأبيض كما
لو كانوا "ممثلين نزعوا عنهم ثياب التمثيل وأزالوا المكياج وراء الكواليس، قبل
أن يعودوا إلى العالم الذي ألفوه". فبعد الاجتماع مباشرة، رفض نتنياهو تجديد التجميد،
وانسحب عباس من المفاوضات. لقد كانت القمة "تمثيلية بالإيماء".
هذا أوباما الكاتب، بعد أن ترجل من موقعه
كأقوى رجل في العالم، يقوم بتشخيص وانتقاص نظرائه من الزعماء. ولكن ليس في ذلك من الإنصاف
شيء. إذا كان زعماء الشرق الأوسط يمارسون التمثيل بالإيماء، فهذا ما كان يفعله أوباما
أيضا، الذي يصور نفسه كما لو كان يقف على الهامش متفرجا ببراءة، وقليل من السذاجة،
على هذه الدراما المشرقية.
ولكن في حقيقة الأمر، كان أوباما هو الراعي
الكافل لنتنياهو، فحكومته ساعدت في تمويل الجيش الإسرائيلي ووفرت الحماية لإسرائيل
داخل الأمم المتحدة. ولو أن أوباما استنفر القوة الحقيقية لأمريكا، لربما تمكن من ضمان
أن تكون مخرجات تلك القمة مختلفة تماما. كان بإمكانه أن يغير من سلوك إسرائيل، ولكنه
اختار ألا يفعل ذلك لأن التكاليف السياسية المحلية كانت مرتفعة جدا، والتكلفة السياسية
المحلية كانت مرتفعة جدا، كما أقر هو بنفسه أعلاه، بسبب اللوبي الإسرائيلي.
يمكن للمرء أن يجد رسالة أوباما الحقيقية
في محادثة لم يرد ذكرها في كتابه؛ ففي عام 2010، في حفل لجمع التبرعات، يقال إن رجلا طلب من الرئيس الجديد أن يدفع باتجاه حل عادل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. رد عليه
أوباما من خلال سرد إجابة فرانكلين روزفيلت عندما رجاه الزعيم العمالي الأسود إيه فيليب
راندولف بأن يبذل جهدا أكبر لنصرة الحقوق المدنية. يروى أن فرانكلين زوزفيلت أجابه
قائلا: "أتفق معك في كل شيء قلته لتوك. ولكني أطلب منك شيئا واحدا يا سيد راندولف،
وهو أن تخرج وتجبرني على فعل ذلك".
في مذكراته، يؤكد أوباما ضمنيا النقطة نفسها، ومفادها أنه ليس بوسعه تغيير السياسة الأمريكية إلى أن يقوم الأمريكيون –من
خلال أنشطة يمارسونها– بإزالة العقبات السياسية التي تقيد الرؤساء الأمريكيين.
قد يبدو للنشطاء التقدميين أن عبارة
"أجبرني على فعل ذلك" قد تكون كناية عن لجوئه إلى أسلوب يعتمده السياسيون
في العادة حتى يحمّلوا غيرهم الملامة على افتقارهم للشجاعة. ولكن ذلك في حقيقة الأمر
توصيف دقيق للكيفية التي تجري بها الأمور في السياسة الأمريكية؛ فتغيير سياسة الحكومة
تجاه إسرائيل والفلسطينيين –مثل تغيير سياسة الحكومة تجاه التغير المناخي أو ممارسات
الشرطة–، يتطلب استنفارا قويا للجماهير بما يكفي للتغلب على المصالح المستحكمة.
ما من شك في أن جو بايدن أقل استعدادا لتحدي اللوبي الإسرائيلي من أوباما، ولذلك سوف تكشف رئاسته عن مدى ما هو مطلوب من ذلك
الاستنفار.
للاطلاع على النص الأصلي اضغط (هنا)