وكأن
المعارضة السورية الممثلة بـ"الائتلاف الوطني لقوى الثورة" تقول لنفسها:
بما أن نظام الأسد أسوأ انواع الأنظمة في العالم، فليس ثمة داع لأن نكون نحن
معارضة محترمة، فهذا النظام لا يستحق معارضة محترمة، لأن ذلك قد يرفع من درجته
المنحطة ويضعه في مصاف الأنظمة الطبيعية التي ليس لديها مشاكل سوى بعض الفساد وشيء
من الاستبداد والاستئثار بالسلطة.
منذ
بداية الثورة السورية وحتى هذه اللحظة، كان نظام الأسد يتعيش على ما ينتجه معارضوه
من شباب ورجال سوريا ونسائها المعارضين. كان يسرق روايتهم عن الأحداث ويحرف بعض
العبارات فيها وينسبها لنفسه، حيث في الوقت الذي أسس فيه جماعات مسلحة تقتل
المتظاهرين، كان يتحدث عن جماعات مسلحة تعتدي على الآمنين من المواطنين، وكان يسرق
شعاراتهم نفسها حتى بإيقاعاتها وموسيقاها، لكن يضع بدل كلمات ثورية كلمات تؤيد
الأسد.
كان
الثوار يعرفون أن هذا النظام مفلس في كل شيء، وليس لديه ما يروج به لأفعاله، حتى
بعد أن استعان بكثير من الأبواق العربية، لم يستطع الخروج من مأزقه هذا، وظل خطابه
ركيكاً ومقززاً حتى من وجهة نظر مؤيديه، الذين ثبت أنهم أيدوه ليس بسبب قناعتهم بموقفه
وخطابه، بل نكاية بالطرف الآخر.
المفارقة،
أن المعارضة السورية اليوم، والتي من المفترض أنها تمثل تلك التوجهات العديدة
والغنية التي ظهرت في الثورة، فضلاً عن الخبرات الثورية الهائلة في المنطقة
والعالم، لا تجد سوى أسلوب نظام الأسد في الحكم لتقليده، ومن ألفه إلى يائه.
منذ سنوات، يحتكر أشخاص محددون تمثيل المعارضة، يتناوبون فيما بينهم على المناصب، رغم أدائهم الفاشل، والذي أنتج كوارث عديدة على السوريين، وفي أحسن الأحوال، تواضع هؤلاء على مبدأ المحاصصة في تقاسم هيئات ومؤسسات المعارضة
منذ
سنوات، يحتكر أشخاص محددون تمثيل المعارضة، يتناوبون فيما بينهم على المناصب، رغم
أدائهم الفاشل، والذي أنتج كوارث عديدة على السوريين، وفي أحسن الأحوال، تواضع
هؤلاء على مبدأ المحاصصة في تقاسم هيئات ومؤسسات المعارضة، حتى أصبحت المعارضة
عندهم صنعة وكارا، وليست قضية شعب يذبح ليل نهار في السجون وعلى الطرقات؛ ويموت من
البرد والجوع في مخيمات لا تتوافر فيها شروط المخيمات.
مع
هذه المعارضة، لا يمكن أن تسمع عن انجازات لصالح من تمثلهم، ولا عن أفكار ورؤى
جديدة لصالح قضية السوريين، ولا برامج للتواصل مع القواعد الثورية، ولا إعادة
صياغة للخطاب بما يتناسب والتطورات السياسية الدولية والداخلية، بل كل ما يمكن أن
تسمعه هو صراعات أو توافقات حول المناصب والمكاسب التي حققتها هذه المعارضة.
لهذا
لم يكن من الصعب امتطاء مختلف الأطراف هذه المعارضة المقسّمة بين الأقاليم والدول،
فهؤلاء منصة الدولة كذا، وأولئك "زلم" رجال المسئول كذا في الدولة كذا،
وهكذا. لذا لا تجد روسيا أنها مضطرة لتحسين رواياتها، حتى لا نقول أفعالها وسلوكها
الإجرامي بحق السوريين، لأنها لا ترى طرفاً آخر ذا فعالية يستحق بذل أقصى مجهود في
مواجهته.
الغريب
في حالة المعارضة السورية، هو ذلك الانفصال الهائل بين السياسيين والعسكريين، فمن
يعتبرون أنفسهم الجناح السياسي للمعارضة، ليس لديهم أدنى تواصل مع العسكريين الذين
يقاتلون في الميادين، فضلاً عن أنهم يفتقدون أدنى تأثير عليهم، ومن هم في الجناح
العسكري، إن جاز لنا تسميتهم بهذا الاسم، لا ينسقون مع الطرف الآخر وهم غير
مستعدين حتى لمنحهم الفرصة للتكلم باسمهم، وهذه ظاهرة لم تحصل في تاريخ الثورات
العالمية، ولم تشهد مثيلاً لها حركات التحرر قاطبة!
آخر إبداعات الائتلاف الوطني لقوى المعارضة، تشكيل مفوضية للانتخابات بهدف المشاركة في انتخابات النظام السوري، في وقت يبدو طريق الحل السياسي مسدودا
كان
من آخر إبداعات الائتلاف الوطني لقوى المعارضة، تشكيل
مفوضية للانتخابات بهدف المشاركة
في انتخابات النظام السوري، في وقت يبدو طريق الحل السياسي مسدودا، نتيجة رفض نظام
الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين؛ التجاوب مع الجهود الدولية و تطبيق قرارات مجلس
الأمن بالخصوص، ورغم تراجع الائتلاف عن القرار واعتبار أن المسألة التبست على
الجمهور في حين أن المقصود هو انتخابات محلية داخل المناطق المحررة وفي
مناطق
اللجوء، إلا أن الواضح أن هذا الائتلاف قد فقد مصداقية أغلب السوريين.
قبل
سنوات، كان الكثير من أصحاب الرأي والسياسيين المعارضين يبتعدون عن نقد من وضعوا أنفسهم
في موقع تمثيل المعارضة، رغم الأخطاء التي وقعوا بها، من منطلق عدم الرغبة في
التشويش على تلك الشخصيات المنوط بها حمل عبء مطالب الشعب السوري والتسريع في إنهاء
معاناته، لكن تبين أن ذلك لم ينفع ولم تكن له جدوى واضحة، بل على العكس، دفع
السوريون ثمن أخطاء هؤلاء، وطالت نكبتهم، التي يبدو أن أحد شروط إنهائها وجود ممثلين
أكثر صدقاً وإخلاصا.
twitter.com/ghazidahman1