هل ينعش فوز بايدن "الاتفاق النووي" مع إيران؟

تعول السلطات الإيرانية على أن يشكل فوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة، "فرصة" تعوض بها واشنطن عن "أخطاء" عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي اعتمد سياسة الضغوط والعقوبات الاقتصادية القصوى حيال طهران.

وعلى النقيض من نهج ترامب، أعرب بايدن، خلال حملته الانتخابية، عن نيته خوض "مسار موثوق به للعودة إلى الدبلوماسية" مع إيران، وإمكان "العودة للاتفاق النووي" المبرم معها عام 2015، حين كان بايدن نائبا للرئيس الأسبق باراك أوباما.

لكن بايدن، قال إن النهج الدبلوماسي لا يعني بالضرورة "تخفيف العقوبات قريبا" على طهران، واشترط من أجل العودة للاتفاق، أن تعود إيران "للالتزام به" أيضا.

عقوبات واشتراطات

ولن تكون العودة إلى الاتفاق النووي "سهلة"، وفقا للأكاديمي والمحلل السياسي، حسين ريوران، في ظل استمرار "قرارات الإدارة الأمريكية المعادية لإيران والتي تناقض نص الاتفاق"، على حد قوله.

وفي حديثه لـ"عربي21"، يؤكد ريوران على أن عودة إيران للاتفاق النووي، ستكون مرتبطة "بتراجع الإدارة الأمريكية الجديدة عن كل قرار اتخذته إدارة الرئيس ترامب ضد طهران، والوفاء بالتزاماتها تجاه الاتفاق".

اقرأ أيضا: روحاني: فوز بايدن فرصة للعدول عن سياسة ترامب المؤذية

وبهذه العقوبات، أوجد ترامب "واقعا معقدا" أمام عودة إدارة بايدن إلى الاتفاق النووي، كما يقول ريوران، الذي يعتقد أن التراجع عنها هو المدخل السليم نحو التفاهم مع طهران.

من ناحية إيران، فإن "رفع أمريكا للعقوبات" هو شرط كي تعود إلى التزاماتها تجاه الاتفاق النووي، في المقابل فإن عودة أمريكا للاتفاق مشروطة بـ"مناقشة القوة الصاروخية والصناعات العسكرية وسياسات إيران الإقليمية"، كما قال ريوران.

ويرى ريوران أن هذه الشروط "ليست من اختصاص أمريكا"، بل تعتبرها طهران "تدخلا من واشنطن في أمر سيادي، ولا يمكنها تقبله".

وشكل تراجع أمريكا عن الاتفاق النووي إحباطا لطهران، التي خفضت في المقابل التزامها بالاتفاق النووي.

ويقول المحلل السياسي ريوران: "نقض الاتفاق النووي جعل إيران لا تثق بأمريكا. العودة للاتفاق القديم هي بمثابة إعادة الثقة"، مستبعدا في ذات الوقت أن تسعى طهران إلى "التفاوض مع أمريكا حول اتفاق جديد".

ويضيف: "إيران تشعر بأنها قامت بمجموعة كبيرة من الالتزامات دون أن يقوم الغرب بتنفيذ مقابل لها. أمريكا انقلبت على الاتفاق وأوروبا تحججت بالضغوطات الأمريكية، هذا الواقع لا يسمح لإيران أن تدخل في حوار متسرع. إيران الآن محتاطة جدا في التعامل مع الغرب في أي حوار مستقبلي".

وفوز بايدن قد ينعكس "سلبا أو إيجابا" على إيران، ويعود ذلك إلى السياسة التي ستتبعها الإدارة الأمريكية الجديدة، ويقول ريوران: "يمكن أن تكون دورة بايدن أقصى من دورة ترامب على إيران، لأن التعامل المزدوج لبايدن يمكن أن يحظى بدعم غربي ويشكل إجماعا دوليا أكبر ضد إيران، في حين أن عقوبات ترامب كانت أحادية واختلفت كل دول العالم معه في هذا السلوك العدواني ضد إيران.

والعودة للتفاوض مع الولايات المتحدة، قد تتأثر بنتائج الانتخابات الإيرانية المقررة في 18 يونيو/حزيران المقبل، إذ يتنافس على السلطة تيار أصولي يُعرف بتشدده تجاه الغرب، وتيار إصلاحي أكثر انفتاحا.

وينفي رويوران وجود اختلاف بين التيارين "الأصولي والإصلاحي" في إيران حول مبدأ "الحوار مع الغرب"، بل الاختلاف بينهما حول "الشروط" الحاكمة للحوار.

"واقع صعب"

ويتفق الكاتب والمحلل السياسي عدنان زماني، مع أنه "ليس من السهل عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي كما يريده الإيرانيون".

ومن وجهة نظر زماني، فإن هذه الصعوبة، تعود إلى "الإضافات الجديدة" التي تشترطها الإدارة الأمريكية، ومنها: ملف إيران الصاروخي ودورها الإقليمي في المنطقة عبر دعم الجماعات المسلحة، وكذلك مسألة حقوق الإنسان داخل إيران، ويقول: "هذه قضايا تثير حساسية الحكومة الإيرانية".

اقرأ أيضا: ترامب يعتزم منع بايدن من الاتفاق مع إيران لتهدئة مخاوف إسرائيلية

وفي حديثه لـ"عربي21" يرى زماني أن القيادة الإيرانية تدرك هذه التغييرات التي لابد أن يشهدها الاتفاق النووي مستقبلا، ويرجح أن "ممثلي التيار الأصولي (في السلطة) يرفضون فكرة بدء مفاوضات مع واشنطن في ظل الوضع الراهن والعقوبات المفروضة على طهران والحديث عن اتفاق نووي أوسع من السابق".

لكن زماني، يعتقد أن "طهران بحاجة ماسة إلى بدء المفاوضات مع واشنطن، والتوصل السريع إلى اتفاق جديد يترتب عليه رفع العقوبات المفروضة، والتي أصبحت الشغل الشاغل للحكومة الإيرانية بسبب ما نجم عنها من آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية كثيرة".

وتمر إيران بأزمات شديدة، تحت تأثير العقوبات الأمريكية القصوى وجائحة فيروس كورونا، فمن ناحية اقتصادية، فقد الريال الإيراني نحو 50 في المئة من قيمته منذ مطلع العام الحالي.

وتحت وطأة الضغوط الاقتصادية، اندلعت احتجاجات شعبية قوية في أرجاء إيران، عقب أنباء عن نية سلطات البلاد رفع أسعار الوقود 200 بالمئة، أدت إلى مقتل حوالي 225 شخصا، وفق إعلان وزارة الداخلية، لكن تقريرا لـ"رويترز"، نُشر في وقت سابق، قال إن عدد القتلى بلغ حوالي 1500 شخص.

وقال زماني: "يرغب الإيرانيون أن تعود الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق النووي بصيغته السابقة، لكنهم يدركون أن ذلك أمرا مستبعدا، وأن إدارة بايدن سوف تضع شروطا جديدة قد لا يكون من السهل قبولها".