قضايا وآراء

انتخابات أردنية بنكهة كورونا

عبد الله المجالي
1300x600
1300x600
موضوعان يشغلان بال الأردنيين هذه الأيام؛ الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في العاشر من الشهر الجاري، وفيروس كورونا الذي تصاعد انتشاره بشكل مرعب.

هناك دعوات لمقاطعة الانتخابات؛ وأصحاب هذه الدعوات لا ينطلقون من منطلق سياسي كما جرت العادة، بل من منطلق صحي، خصوصا مع التزايد الكبير في الإصابات والوفيات، فالأردن بات يسجل أرقاما قياسية. لكن السلطات مصرّة على تمرير الاستحقاق الدستوري، وتقول إنها أخذت جميع الاحتياطات الصحية في مراكز الاقتراع.

لأول مرة في انتخابات الأردن تغلق المقرات الانتخابية، ولا يسمح بالتجمعات الكبيرة، واقتصر تواصل المرشحين بالناخبين على لقاءات لا تزيد عن 20 شخصا تحت طائلة المسؤولية، لكن كثيرا من المرشحين خصوصا في الأرياف والأطراف خالفوا تلك التعليمات، وانتشرت مقاطع فيديو تظهر تجمعات كبيرة دون أدنى احتياطات صحية، ما جعل البعض يحمّل تلك التجمعات مسؤولية التصاعد الكبير في الإصابات، ويطالب الهيئة بتأجيل الانتخابات.

إعلان الحكومة حظرا شاملا لمدة أربعة أيام بعد خروج نتائج الانتخابات المتوقع في الحادي عشر من الشهر الجاري، زاد من مخاوف الناس، وجعل المطالبة بمقاطعة الانتخابات تتزايد. فقرار الحكومة بالحظر الشامل، أشعر الناس بأن يوم الانتخاب سيكون خطيرا صحيا. الحكومة لم تستطع تسويق قرارها مما زاد الطين بلة؛ فمراكز الاقتراع من المتوقع أن تكون من أكثر الأماكن أمنا من ناحية صحية، بل من المتوقع أن تكون أكثر أمانا من الأسواق والمخابز التي من المتوقع أن يتهافت عليها الأردنيون لتأمين احتياجاتهم طيلة فترة الحظر.

المشاهد التي ستأتي من الأردن في العاشر من الشهر الجاري ستحمل مفارقات طريفة؛ ففي الوقت الذي من المتوقع أن تزدحم الأسواق والمخابز و"المولات" بالناس في ظل غياب التباعد الجسدي والكمامات، من المتوقع أن يكون هناك إقبال ضعيف على مراكز الاقتراع مع مراعاة كاملة للاحتياطات الصحية داخل المراكز!!

ومع ذلك، فلا أتوقع أن تؤثر المقاطعة الصحية كثيرا على نسبة المشاركة الشعبية؛ لأن هناك عزوفا أصلا عن المشاركة في الانتخابات أصبح كالعرف، فنسبة المشاركة في الانتخابات النيابية السابقة التي جرت في عام 2016 لم تتجاوز 37 في المئة، ناهيك عن أن تقديرات مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، من أكثر المراكز موثوقية في الأردن، للمشاركة هذا العام لا تتعدى 29 في المئة، وذلك حسب دراسة للمركز أجراها قبل أسبوعين.

سنظلم الفيروس إن حمّلناه نتيجة ضعف المشاركة المتوقع؛ فنتيجة استطلاع مركز الدراسات في الجامعة الأردنية كانت قبل أسبوعين، أي قبل التسارع الكبير في الإصابات. وهناك أسباب واقعية للعزوف الشعبي عن الانتخابات؛ منها فقدان الأمل وانعدام الإيمان بقدرة المنتخَبين على التغيير. فهناك من يرى أن الحكومة تمسك بزمام اللعبة السياسية والاقتصادية كلها، وأن دور مجلس النواب هو أن "يبصم" على سياسات الحكومة.

إلا أن الملاحظة الأكثر جدارة بالمتابعة هي أن العزوف عن الانتخابات يتركز في المدن الرئيسية الكبرى (العاصمة عمان والزرقاء وإربد)، وهي مدن ذات كثافة سكانية عالية وتحظى بأكبر فرص تعليم، حيث تضم معظم الجامعات الأردنية الحكومية والخاصة، وهي مركز النشاط السياسي، حيث تعقد معظم النشاطات السياسية فيها، كما أنها مركز النشاط الاقتصادي، حيث يعمل قطاع واسع من سكانها في القطاع الخاص، كما أنها تمتاز بالتنوع السكاني، حيث يقطنها أردنيون من كافة الأصول والمنابت وخصوصا الأردنيين من أصول فلسطينية.

رغم ذلك تقول المعارضة إنه لا سبيل لها لإصلاح الأوضاع وإعادة الروح لمجلس النواب لممارسة دوره الدستوري إلا من خلال مجلس النواب ذاته، وإن بقيت موازين القوى في المجلس كما هي فلن يكون هناك أمل في تغيير الأوضاع، فلا بد إذا من تغيير موازين القوى في المجلس، وهذا يأتي عبر المشاركة الكثيفة للأغلبية الصامتة.. تقول المعارضة.

لكن هل يساعد قانون الانتخاب على ذلك؟ في الواقع فإن قانون الانتخاب يمثل موازين القوى في البلد، ولا يمكن أن يساعد المعارضة في بلوغ أهدافها. فالقانون الجديد الذي خلَف قانون الصوت الواحد الذي حاربته المعارضة طيلة 23 عاما، ظل قيدا عليها، فقانون القائمة النسبية المفتوحة بطبعته الأردنية يستحيل معه أن تستطيع قوى منظمة الوصول إلى مجلس النواب، ليبقى المجلس مهيمَنا عليه من قبل نواب مستقلين يسهل تحريكهم والتحكم بهم، وهو ما عاينه الأردنيون أكثر من مرة في القضايا العامة المفصلية، كملف اتفاقية الغاز أو ملف المعلمين أو ملف قانون ضريبة الدخل.

يبلغ عدد المرشحين (1693) مرشحا، موزعين على (294) قائمة سيتنافسون على مقاعد مجلس النواب الـ130. ورغم أن القانون يلزم المرشحين بالترشح عبر قوائم، إلا أن غالبية المرشحين مستقلون وليست لديهم أي انتماءات سياسية، وهناك فقط حوالي 330 مرشحا تقدموا باسم أحزابهم، لكن غالبية هؤلاء أيضا ليست لديهم انتماءات سياسية، فأغلبهم ينتمون لأحزاب شخصية موالية للحكومة، وليس لهم وزن في المجتمع الأردني، كما ليست لهم أي مرجعية سياسية، وهم أقرب للمستقلين.

تخوض المعارضة الممثلة بالحركة الإسلامية والأحزاب القومية واليسارية هذه الانتخابات بأقل من 150 مرشحا.
 
وتخوض الحركة الإسلامية الممثلة بحزب جبهة العمل الإسلامي، الحزب الأكبر في البلد (حقق 15 مقعدا من أصل 130 في الانتخابات السابقة)، عبر تحالف وطني واسع، يتشكل من شخصيات حزبية ووطنية، كما يضم شخصيات مسيحية ومن أقلية الشيشان والشركس. لكن الحزب تحدث عن ضغوطات أمنية مورست على العديد من الشخصيات خصوصا المسيحية للانسحاب من تحالفه. ويقول الحزب إن السلطات لا تريد للحركة الإسلامية أن تظهر كمظهر جامع تستقطب المسيحي والمسلم والأقليات والمرأة.

لكن قانون الانتخاب كما أسلفنا لن يمكّن المعارضة والتحالف من الحصول على أغلبية، لكن التحالف يكافح، كما يقول، لتشكيل رقم صعب في المجلس يمكن أن يكون نواة تغيير قادم.
التعليقات (0)