قال مراقبون إن
المسلمين الأمريكيين لعبوا دورا بارزا في
فوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، في انتخابات الرئاسة، فقد شاركوا بكثافة في تلك
الانتخابات، وصوّت أغلبيتهم لصالح "بايدن"، خاصة في الولايات المتأرجحة، التي
حسمت على ما يبدو فوز المرشح الديمقراطي.
ووفقا لدراسة أجراها مركز "بيو" الأمريكي
للأبحاث، عام 2017، يوجد حوالي 3.45 ملايين مسلم في الولايات المتحدة، وهو ما يمثل
حوالي 1.1% من السكان في البلاد. بينما يؤكد البعض أن الرقم
الحقيقي لمسلمي أمريكا أكبر من ذلك، خاصة أن الرقم الذي أشار إليه مركز "بيو"
يشمل المواطنين فقط، ولا يشمل المُقيمين ممَن هم ليسوا مواطنين، وبالتالي لا يحق
لهم الانتخاب.
ووفقا لدراسة "بيو"، من المتوقع بحلول عام
2040 أن يتجاوز عدد السكان المسلمين في الولايات المتحدة عدد السكان اليهود،
ويصبحوا ثاني أكبر مجموعة دينية في البلاد بعد المسيحيين.
"أول مشاركة فعّالة للمسلمين"
ويرى مراقبون أن أول مشاركة فعّالة للمسلمين في
الانتخابات الرئاسية الأمريكية كانت عام 2000، عندما احتدمت المنافسة بين المرشح
الجمهوري جورج دبليو بوش، والمرشح الديمقراطي آل غور، وكانت ولاية فلوريدا هي التي
أعطت الترجيح لبوش بفارق 537 صوتا فقط (من أصل ما يقارب 6 ملايين صوت)، وكانت
التكتلات المسلمة قد دعمت "بوش"؛ لأنه غازل المسلمين خلال حملته
الانتخابية، لذلك كان مسلمو فلوريدا هم العامل الذي جعل بوش يفوز في الانتخابات،
كما يقول البعض.
وفي الانتخابات الرئاسية عام 2008، دعم معظم المسلمين
الأمريكيين المرشح الديمقراطي باراك أوباما، ضد المرشح الجمهوري جون ماكين، لكنه -كما رأى البعض- خيّب الآمال أيضا، فكانت مشاركتهم في انتخابات 2012 ضعيفة؛ لعدم حماسهم لأيّ من المرشحين الرئاسيين.
وفي انتخابات 2016، كان هناك انقسام في الصوت المسلم
الأمريكي، ليس فقط بين هيلاري كلينتون ودونالد
ترامب، بل كان هناك شريحة ممتعضة
انتخبت مرشحا ثالثا أو قاطعت الانتخابات، ربما لأن تعاطي "كلينتون" مع
الجالية المسلمة لم يكن على المستوى المطلوب، لأنها اعتقدت أنها ضمنت أصوات
المسلمين باعتبار أنهم لن يصوتوا لترامب بعد تفوهه بعبارات كثيرة ضد الإسلام
والمسلمين، ما كان سببا لإحباط كثيرين منهم، إلى أن فاجأ "ترامب" الشعب
الأمريكي والعالم كله بنجاحه.
"أعلى نسبة في تاريخ أمريكا"
وأكد المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية
(CAIR)،
نهاد عوض، أن "المسلمين
شاركوا بقوة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بنسبة 84%، وهي أعلى نسبة في تاريخ أمريكا،
وكان لدينا 111 مسلما ترشحوا في انتخابات مجالس الولايات الأمريكية،
وفاز منهم 57 مرشحا، وحافظ ثلاثة أعضاء مسلمين على مقاعدهم في الكونغرس".
وكشف، في تصريح خاص لـ"عربي21"، أن "هناك
مفاوضات جارية مع الرئيس المنتخب جو باين، بشأن تعيين وإشراك بعض المسلمين في إدارته
الجديدة، بالإضافة إلى أننا بانتظار تحقيق وعده السابق بإلغاء
قرار حظر دخول المسلمين الولايات المتحدة، الذي فرضه سابقا الرئيس السابق
دونالد ترامب".
وشدّد "عوض" على أن "المسلمين لعبوا دورا
هاما في حسم الانتخابات في بعض الولايات المهمة، مثل ميشيغان، وأريزونا، وبنسلفانيا".
واستطرد قائلا: "ندرك أن سياسة الولايات المتحدة لن
تتغير بشكل جذري تجاه العالم الإسلامي، لكن أيضا طريقة تعاطيه مع المسلمين وملف
الحريات والربيع العربي ستكون مختلفة".
"لوبي إسلامي"
من جانبه، أكد الأكاديمي الأمريكي من أصول سورية، صالح
المبارك، أن "هذه الانتخابات شهدت أعلى نسبة مشاركة من الشعب، بما في ذلك
الأقليات العربية والمسلمة. وحسب استطلاع محطة NPR، فإن 35% من المسلمين صوتوا لترامب، بينما صوّت الـ65% الآخرون
لبايدن".
وأضاف، في حديث مع "عربي21": "من
ملاحظتي لمشاركة الجاليات العربية والمسلمة في الانتخابات في السنوات الأربعين
الماضية، أنها نضجت وتعلمت دروسا كثيرة، كما أن الجيل الثاني، وربما الثالث، لم يعد
يشعر بأنه مهاجر أو غريب، بل هو مواطن يحق له الترشح حتى لمنصب الرئيس".
وأردف: "هناك الكثير من جماعات الضغط السياسي في
أمريكا (Lobbies)، سواء لأغراض ربحية أو غيرها، مثل لوبيات شركات الأغذية والأدوية والسلاح، أو للبيئة، أو السياسية، ونحن نتحدث
دوما عن قوة اللوبي الداعم لإسرائيل، الذي تتزعمه منظمة AIPAC، والآن بدأ اللوبي المسلم بالظهور، وإن كان ما زال في طور
الطفولة، لكن لا يمكن أن تصل إلى مرحلة الاكتمال دون النمو التدريجي".
ونوّه "المبارك" إلى أن "معظم المنظمات
المسلمة ساهمت في دعم وإنجاح بايدن، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، خاصة أن
المنظمات اللاربحية لا يحق لها دعم مرشح سياسي بشكل صريح".
وقال: "ربما تعلمت الجاليات المسلمة من أخطاء
الماضي، فلا يكفي لقاء بالمرشح ومصافحات وابتسامات وصور لكي نضمن دعمه، لأننا
صُدمنا أكثر من مرة من مرشحين يتوددون لنا أثناء حملتهم كي يحصلوا على تبرعاتنا
وأصواتنا، ثم يتجاهلوننا تماما بعد نجاحهم وتوليهم المنصب".
وأوضح أن "بايدن وعد بإلغاء قرار ترامب بحظر دخول
مواطني بعض الدول المسلمة إلى أمريكا، كما أنه وعد أن يأخذ بالاعتبار حقوق الشعب
الفلسطيني، وأن يعين أعضاء مسلمين في إدارته، ولدينا عدد من أبناء الجيل الثاني
المؤهلين لمناصب حكومية".
"55 مسلما بوزارة الخارجية الأمريكية"
إلى ذلك، قالت مصادر خاصة لـ"عربي21" إن إدارة
"بايدن" الجديدة تعتزم تعيين حوالي 55 شخصا مسلما في وزارة الخارجية
الأمريكية، وسيكون من بينهم أشخاص يعملون على ملفات خارجية، كالملف السوري والمصري
واليمني وبعض الملفات الأخرى.
وتابع "المبارك": "النقطة الأساسية برأيي
هي ألا نفترض افتراضات سلبية مسبقا ونسلّم لها، كقول الكثيرين إن سياسة بايدن ستكون
نسخة طبق الأصل عن سياسة أوباما. السياسة الأمريكية ربما ثابتة من حيث الخطوط
العريضة، لكن هناك مساحة كبيرة للتغيير، وهذا خاضع لقوانين التدافع، ولهذا وجدت
اللوبيات".
وشدّد على أن "التغيير وارد وممكن، لكنه يعتمد على
العمل الجاد الدؤوب المخلص من جالياتنا المسلمة، بل ومن المسلمين في العالم، فنحن
نعيش في عالم صغير، وما يفعله شخص في طرف العالم قد يؤثر على الآخرين في الطرف
الآخر من العالم"، مضيفا: "ينبغي أن نكون متفائلين تفاؤلا واقعيا، وأن
نعمل جاهدين لتحقيق هذا التفاؤل، ثم ندعو الله أن يوفقنا لما فيه خير
البشرية".
"أكثر نضجا ووعيا وتأثيرا"
من جهته، قال الناشط السياسي الأمريكي، عماد الصباح، إن "الجالية
الإسلامية والعربية بأمريكا باتت اليوم أكثر نضجا ووعيا وتأثيرا وفهما للواقع، وإدراكا
للعبة السياسية، من أي وقت مضى، حيث تخلى كثير من المسلمين والعرب عن عقيلة
الإنسان المُهاجر في أمريكا، وأصبحوا الآن يتعاملون مع الواقع الأمريكي كمواطنين".
ولفت، في تصريح لـ"عربي21"، إلى أن "العديد
من المسؤولين في الحزبين الديمقراطي والجمهوري يدركون حاليا أهمية وتأثير الجاليات
العربية والمسلمة في أمريكا، وهم بدأوا التواصل معنا من أجل كسب أصواتنا"، مؤكدا
أن "دور المسلمين قد ينمو ويتسع أكثر، ليكون أكثر اندماجا وفاعلية وتأثيرا
بأمريكا".
ويقيم "الصباح" منذ نحو 26 عاما في ولاية جورجيا
الأمريكية، التي حصل فيها بايدن على أكثر من 49.2% من الأصوات، بحسب مركز إديسون
للأبحاث، وهي الولاية التي كانت تصوت في الغالب لصالح الجمهوريين.
وقال "الصباح": "المسلمون الأمريكان كان
لهم دور فعّال في فوز بايدن، وذلك لشعورهم بالتهميش والاستهداف من قبل الرئيس
ترامب"، مضيفا: "صوّت أكثر من 70% لصالح بايدن، وكانت أصواتهم حاسمة، خصوصا في الولايات المتأرجحة، مثل ولاية ميتشغان، وجورجيا، وبنسلفانيا، وبالتالي فقد
ساهم المسلمون بشكل جيد في إنجاح المرشح الديمقراطي، ونتصور أنه يدرك ذلك جيدا".
واستطرد قائلا: "ولاية جورجيا تحديدا كانت من
الولايات الهامة والفارقة بالنسبة لفوز بايدن، بالإضافة إلى ولايات ميشيغان، وويسكونسن، وبنسلفانيا، وغيرها".