هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم تتضح حتى صباح الجمعة هوية الفائز بالانتخابات الأمريكية، وسط منافسة محمومة بين المرشحين، الديمقراطي جو بايدن، الأقرب للفوز، والجمهوري دونالد ترامب، الذي يقود البلاد حاليا.
واعتبر مراقبون تلك المنافسة الحادة بحد ذاتها أهم معطى تتوجب قراءته في انتخابات هذا العام، إذ تمكن ترامب مجددا من تحدي جل استطلاعات الرأي، التي رجحت فوزا عريضا لبايدن، وظهر أن الرئيس الذي لطالما وُصف بـ"المثير للجدل"، يعكس بالفعل توجهات نحو نصف الشعب الأمريكي، بغض النظر عن حسابات المجمع الانتخابي في نهاية المطاف.
كما أن حديث الديمقراطيين ووسائل الإعلام واستطلاعات الرأي عن هزيمة مدوية للجمهوريين، تشمل إلى جانب الرئاسة، الكونغرس، وخاصة مجلس الشيوخ، بدأ بالتبدد مع ظهور النتائج.
ضعف ديمقراطي وصلابة جمهورية
وفي حديث لـ"عربي21"، قال الخبير بالشأن الأمريكي، عبد الرحمن السراج؛ إن آمال الديمقراطيين كانت أكبر بكثير مما تمكنوا من تحقيقه، رغم الحشد الكبير ضد ترامب خلال السنوات الأربع الماضية.
وأضاف: "ربما يكمن الفشل بعدم وجود ديناميكية في الحزب الديمقراطي، فقد نجح في النهاية مرشح مؤسسة الحزب الكبير في السن، الذي ينتمي لمدرسة سياسية تقليدية قديمة وهو جو بايدن".
وتابع: "لذلك؛ فإن الديمقراطيين بحاجة إلى تجديد قيادات مؤسسة الحزب التي لن تكون قادرة على إخراج رئيس في 2024 في وضعها الحالي، وربما تكون بحاجة للاقتراب من اليسار أكثر بوجوه مثل إليزابيث وارين".
وعلى الطرف الآخر، يضيف السراج، فإنه "ما من شك في أن ترامب يملك قاعدة انتخابية صلبة تتمثل بمؤيدي الحزب الجمهوري، والمحافظين على اختلاف توجهاتهم، وخاصة اليمين واليمين المتطرف".
وإضافة إلى هذا وذاك، وفي ظل "جو الاستقطاب الذي ازداد حدة في فترة ترامب الرئاسية، فمن الطبيعي أن ينافس (ترامب) بقوة".
ويخلص السراج إلى أن "فوز المرشح الديمقراطي قد لا يرتبط بضعف القاعدة الشعبية لترامب، بقدر ما يعزى إلى إدلاء كثير ممن عزفوا عن التصويت في انتخابات 2016 بأصواتهم في 2020".
دور ماكينة الإعلام الليبرالي
وبشأن دور الإعلام في الحشد ضد ترامب خلال السنوات الماضية، والتقليل من شأن حضوره الشعبي وتمثيله للأمريكيين، وهو ما ظهر أنه لم يكن صحيحا في هذه الانتخابات، قال السراج: "أما الإعلام الليبرالي، فقد تعرض لهزة عنيفة إثر فوز ترامب عام 2016، وظهرت آثار ذلك منذ البداية أولا بالتخبط بسبب عدم وجود تفسيرات موضوعية لما حدث، ثم التحول إلى مواجهة حساب تويتر للرئيس ترامب وتتبع زلاته".
وأضاف: "وفي خضم ذلك، لا يمكن للإعلام الليبرالي التركيز على الخروج بقراءة موضوعية للشارع، وذلك يتمثل في أسئلة استطلاعات الرأي التي يُصاغ كثير منها بصيغة توجّه إجابات المستطلعة آراؤهم، أو تجعلهم يخجلون من مخالفة توجه الوسيلة الإعلامية في إجابته".
وفي نهاية المطاف، وبعد كل ذلك الحشد، فإن النسبة الأكبر من المصوتين لبايدن اختاروه لأنه ليس ترامب، بحسب السراج، "وحتى الأطراف غير المؤيدة لبايدن من داخل الحزب - مثل التقدميين - وبعض الجمهوريين والمستقلين أيضا، أيدوا بايدن لإيمانهم بأهمية التخلص من ترامب".
وربط السراج تشكل تلك الجبهة العريضة بسياسات ترامب وسلوكه "الذي تجاوز كل التقاليد والأعراف وحتى بعض الأخلاقيات المتعارف عليها في المشهد السياسي لأكبر الديمقراطيات في العالم؛ من عزل الولايات المتحدة وتخليها عن أهم تحالفاتها حول العالم، إلى السياسات التي ارتقى بعضها إلى العنصرية وانتهاك حقوق الإنسان وحرية الصحافة وغير ذلك".
أزمة الساسة التقليديين تتعمق
وأشار الخبير بالشأن الأمريكي إلى أن رفض التيار السياسي التقليدي يتزايد باستمرار لدى الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهو ما أظهرته نتائج هذا العام مجددا.
وقال: "عندما تغلب دونالد ترامب في تصفيات انتخابات 2016 على بقية مرشحي حزبه للرئاسة، لم تملك قيادات حزبه مثل ميتش مكونل وبول رايان وحتى لينزي غراهام في بعض الأحيان سوى أن يؤيدوه وأن يواصلوا تأييده، حتى باتت القاعدة التصويتية للحزب الجمهوري أكثر يمينية".
أما على الجانب الديمقراطي، ورغم فوز بايدن، إلا أن رفض التيار التقليدي يتمثل في صعود اليسار المستمر، من خلال التيار التقدمي ممثلا ببرني ساندرز والوجوه الشابة الواعدة مثل ألكزاندريا أوكاسيو كورتيز.
وقال: "هذا التيار كان له تأثير كبير وكسب عددا من الولايات في التصفيات رغم فوز بايدن ببطاقة الترشح؛ لذلك حرص بايدن على تعيين عدد منهم كمستشارين له في فريق حملته الانتخابية".
اقرأ أيضا: الحسم يقترب.. بايدن يتقدم ببطء وترامب يواصل التشكيك
أما الباحث والمحلل السياسي، نبيل عودة، فقال في حديث لـ"عربي21"؛ إن النتائج السريعة والحاسمة في الانتخابات هي التي تستحوذ على الاهتمام عادة، من قبيل فاز هذا المرشح وخسر ذاك، ولكن نادرا ما يتم الالتفات إلى التغييرات العميقة التي تعكسها النتائج.
وأضاف: "في مثال الانتخابات الأمريكية الحالية، فإن فوز بايدن لا يعني أن النهج اليساري بشقيه الوسطي أو المتطرف قد انتصر، وأن الرفاه سوف يعم الولايات المتحدة بنظام رعاية صحية كفؤ على سبيل المثال، ولا أن نشر الديمقراطية سيعود المرتكز الذي تعتمد عليه السياسية الخارجية الأمريكية".
انتصار للانعزالية
وتابع: "الأمر أبعد من ذلك، فخسارة ترامب لا تعني فوز الديمقراطيين، ولا العكس صحيح. فالولايات المتحدة دخلت في طور التجاذبية القطبية الداخلية بشكل لم يشهد له مثيل ربما من أيام الحرب الأهلية، وهذا الانقسام لم يعد يقوم على شكل برامج انتخابية، بل على صدوع إيديو-إثنية".
وشدد "عودة" على أن ترامب، حتى في حال خسر، إلا أن هنالك ما يقرب من 68 مليون مواطن أمريكي صوتوا له، بزيادة تقارب ثلاثة ملايين عن انتخابات عام 2016.
وأضاف: "هؤلاء هم الكتلة الصلبة للجمهوريين من البيض، وهم الرافضون لمبادئ الليبرالية الجديدة، والعولمة، ويدعون صراحة إلى العودة للداخل من جديد، والكف عن الانخراط الدولي".
وأشار عودة إلى أن شعار "أمريكا أولا"، وعقدة ترامب الحمائية والأحادية، ليسا إلا تعبيرا واضحا عن النزعة الانعزالية لدى هذه الشريحة الصلبة والمتنفذة.
وفي الاتجاه ذاته، قال الباحث والمحلل السياسي، محمد غازي الجمل، إن النتائج أظهرت "مدى الانقسام الهوياتي في المجتمع الأمريكي، الذي أسهم ترامب في تعميقه خلال سنوات حكمه الأربع، التي اعتمد فيها سياسات وخطابا عدائيا تجاه المسلمين والمهاجرين من السود والملونين، وانحيازا للبيض ذوي الأصول الأنغلوسكسونية، وتهميشا لقيم التعايش المشترك".
وأضاف "الجمل"، في حديث لـ"عربي21": "كما أظهرت مدى بعد الشعب الأمريكي عن إدراك عواقب السياسة الخارجية لبلدهم عليهم، إذ إن إدارة ترامب كانت قد حققت مكاسب اقتصادية قصيرة المدى، على حساب إلحاقها أضرارا فادحة بمكانة الولايات المتحدة ودوليا وبالعديد من الأدوات التي تضمن صدارتها العالمية".
وعلى غرار "عودة"، أشار الجمل إلى أن شعار "أمريكا أولا" يتناقض موضوعيا مع قيادة الولايات المتحدة للنظام الدولي، "وعلى الرغم من ذلك، ومن الكثير من الأداء الكاريكاتوري في ملفات أخرى عديدة، فقد أعاد قرابة نصف من أدلوا بأصواتهم انتخابه".
وختم بالقول: "يظهر تصويت هؤلاء تقبلهم السياسة الانعزالية التي اعتمدها ترامب، على صعيد التعامل مع المهاجرين أو تفادي الانخراط في الصراعات العسكرية، أو الانسحاب من الاتفاقات الدولية، واعتماد إجراءات الحماية الجمركية".
فيما حذر عودة من أن "هذه الشريحة تتسع، ويزيد نفوذها، وتكتسب بعدا وطنيا مقابل الشريحة الأخرى الديمقراطية التي تتكون غالبا من الملونين، والمهاجرين، والهاسبانك، وهذا كله يقود إلى أن مسار الولايات المتحدة ذاهب على المدى المتوسط والبعيد إلى مزيد من الانعزال والانحصار، وهذا الفراغ الذي سوف ينجم عنه هامش لتنافس القوى الصاعدة، وهو ما سيقود غالبا إلى مزيد من عدم الاستقرار".