هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
دائما ما يتردد الحديث عن الدور العلمي الكبير للحملة الفرنسية على مصر، وخاصة باكتشاف العالم الفرنسي "شامبليون" رموز الكتابة الهيروغليفية القديمة بفك رموز "حجر رشيد"، الذي كان بوابة التعرف على التاريخ المصري القديم وقراءته.
ورغم أن الكتب التعليمية المصرية المعاصرة تفرد الصفحات لدور العالم الفرنسي "جان فرانسوا شامبليون" في عشرينيات "القرن 19" في فك رموز حجر رشيد؛ إلا أنه ببحث صغير عبر "جوجل" يتكشف لك أن هذا التسليم فيه انتقاص لدور علماء المسلمين في فك رموز الكتابة المصرية القديمة.
وتكشف أبحاث لعلماء مصريين، أن العراقي "أبا بكر بن وحشية النبطي"، المولود بالكوفة والمتوفى بالعام "930 ميلادية" أول من فك رموز الكتابة الهيروغليفية بالاستعانة باللغة القبطية القديمة، وترك خلفه كتاب: (شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام)، والذي ترجمه المستشرق النمساوي "جوزف همر"، عام "1806م"، ونشره بلندن قبل 16 سنة من اكتشاف شامبليون.
"ابن وحشية"، توصل إلى أن اللغة الهيروغليفية ما هي إلا رموز صوتية وقام بتحليلها وتصنيفها وترجمتها، فيما سبقه في محاولات ترجمة اللغة الهيروغليفية وفك رموزها كثير من علماء الكيمياء والصوفية مثل "جابر بن حيان"، و"ذي النون المصري".
"دراسة الدالي"
وفي دراسة نشرتها مجلة ""LBV الإسبانية، للأثري المصري الدكتور عكاشة الدالي، الذي نشر كتاب "Egyptology : The Missing Millennium: Ancient Egypt in Medieval Arabic Writings"، أو "علم المصريات: الألفية المفقودة: مصر القديمة في الكتابات العربية في العصور الوسطى"، قال فيه بوضوح إن الباحثين المسلمين لهم السبق في ترجمة الرموز الهيروغليفية.
اقرأ أيضا: اعتراف إسرائيلي بسرقة آثار سيناء.. لماذا تصمت مصر؟
وفي مقال بموقع "iHistory"، للكاتب حسام منير، طرح التساؤل: "هل كان شامبليون حقا أول شخص نجح في فك رموز الهيروغليفية؟"، ليجيب مؤكدا أن هناك جهودا سبقته قبل نحو ألف عام من مولده، موضحا أنه نهاية القرن (التاسع الميلادي- الثالث الهجري)، تمكن الكيميائي "ابن وحشية"، من فك نصف الرموز الهيروغليفية.
وأوضح أن مساهمة "ابن وحشية" ظهرت لأول مرة بالعام 2004، على يد عالم المصريات والأستاذ بمعهد الآثار بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، الدكتور عكاشة الدالي، حيث قدم بحثا أكد فيه أن المسلمين تمكنوا من فك رموز الكتابة الهيروغليفية.
وقال منير، إن بحث الدالي، تحدث عن تحيز العلماء الغربيين تجاه الإسلام، وأنهم كانوا غير منصفين لعلماء المصريات المسلمين الكلاسيكيين، مشيرا إلى أن الخليفة العباسي المأمون، زار مصر وطلب من الحكيم "أيوب بن مسلمة" ترجمة الهيروغليفية.
دور علماء المسلمين
وفي إجابته على التساؤل: هل خدع الفرنسيون المصريين بقضية اكتشاف الكتابة الهيروغليفية؟ قال الأثري المصري الدكتور حسين دقيل: "لا ينكر أحد أن العلماء العرب والمسلمين لهم دور كبير ليس بكشف الكتابة الهيروغليفية، بل بكثير من العلوم"، مشيرا لدراسة الدكتور عكاشة الدالي حول القضية.
الأكاديمي المصري، أكد بحديثه لـ"عربي21"، أن "الاسم الصحيح هو الكتابة الهيروغليفية لأن اللغة المصرية القديمة لها خطوط عدة مثل الهيروغليفية، والديموطيقية، والهيراطيقية، وحتى القبطية تعد إحدى خطوط المصرية القديمة".
الكاتب والباحث بالآثار المصرية، جزم بأن "لعلماء الكيمياء المسلمين دور كبير بكشف أسرار الكتابة الهيروغليفية؛ لاعتقادهم بوجود سر كيميائي لرموزها، وهو نفس دور علماء الصوفية الذين اعتقدوا أيضا أن لرموزها سرا يحتاج لاكتشافه".
وأكد أن "الكيميائي جابر بن حيان (القرن السابع والثامن الميلادي)، يعد أهم العلماء الذين قاموا بمحاولات حثيثة لكشف رموز الكتابة الهيروغليفية، عبر كتابيه (كشف الرموز)، و(الحاسر)".
ولفت دقيل، إلى دور العالم المصري "أيوب بن مسلمة"، الذي سار مع الخليفة العباسي المأمون، عندما جاء لمصر وقرأ بعض النقوش القديمة فوق المعابد.
وأشار أيضا إلى دور "ذي النون المصري، من أخميم بسوهاج، (القرن التاسع الميلادي)، وإجادته لقراءة الرموز والنصوص على المعابد، وتأليف كتاب (حل الرموز) بجانب كتاب آخر يحوي دراسات عن الكتابة الهيروغليفية".
وبين أن "عالم الكيمياء العربي العراقي ابن وحشية، (القرن التاسع والعاشر الميلادي)، كتب كتاب (شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام)، لكن لم يظهر نص دراسته الهامة إلا بالعام 1906م، في لندن، عندما ترجمها المستشرق النمساوي (جوزف همر) وذكر النص العربي بجانب النص الإنجليزي".
دقيل، أوضح، أن "ابن وحشية، توصل لمعرفة القيمة الصوتية لعدد من علامات الكتابة القديمة، وتوصل إلى أن العلامات التي ترد بنهاية الكلمات الهيروغليفية مخصصة بتحديد المعاني، وهو ما ثبت صحته فيما بعد".
اقرأ أيضا: آثار مصر تباع بالخارج ومؤسسات الحكومة تتبادل الاتهامات
وتابع الأثري المصري، دور العلماء العرب والمسلمين بكشف الكتابة الهيروغليفية مشيرا لدور "عالم الكيمياء أبو القاسم العراقي المصري (القرن 13 و14 ميلادية)"، مؤكدا أن "كتابه (الأقاليم السبعة)، تضمن نسخا لبعض النصوص المصرية وجدولا للكتابة والخطوط الهيروغليفية".
ولفت أخيرا لدور "المؤرخ المسلم الذي توفي بالقاهرة تقي الدين المقريزي، (1364 م- 1442 م)، واهتمامه بالخط الهيروغليفي، حيث كان أول من وصف كثيرا من النصوص بدقة شديدة، ثبتت صحتها فيما بعد".
"ماذا عن شامبليون؟"
وأكد الأكاديمي المصري، أن "هناك الكثير من علماء المسلمين والعرب لهم جهدهم في هذا الإطار حتى القرن 13 الميلادي لم نستطع ذكرهم، وأن المستشرق النمساوي جوزف همر، أكد تلك الحقيقة منذ القرن 19، ونقل جهود ابن وحشية من القرن العاشر"، متسائلا: ولكن أين نحن في 5 قرون مضت؟ وأين نحن الآن؟".
وقال دقيل: "كون علماء الغرب تقدموا بكشف أسرار الكتابة الهيروغليفية وأسرار الحضارة المصرية فهذا يحسب لهم، ولا يمكن القول بأن شامبليون سرق جهد علماء المسلمين، فلا يوجد ما يثبت ذلك، ولكنه اكتشف حجر رشيد عام 1799، وترجمه عام 1822، ولا شك أنه استفاد من جهد من سبقه وأعمل عقله وراجع النصوص المصرية القديمة".
وأضاف الأكاديمي المصري: "لست مع من يقولون بأن الفرنسيين خدعونا، وأنهم ليس لهم فضل في هذا الإطار وأن البحوث والاكتشافات عربية قديمة؛ فهذا كلام غير علمي ولا يمنحنا التحرك نحو البحث ونظل نفخر فقط بما مضى، والحقيقة أن شامبليون أكمل الطريق وبنى بحثه على جهود من قبله".
بعض النشطاء المصريين أشاروا لقضية فك رموز حجر رشيد، معتبرين أن العلمانية الفرنسية خدعت المصريين بهذا الإنجاز طوال سنوات، وبينهم المخرج عز الدين دويدار، الذي تحدث عن دور "ابن وحشية"، قائلا عبر "فيسبوك": يبدو أن إنجازات الحملة الفرنسية ستنتهي إلى "وصفة الجبنة الريكفورد".