صحافة دولية

مساوئ الديمقراطية الأمريكية.. مفاتيح لفهم انتخابات الرئاسة

اعتبرت الصحيفة أن ترامب قاد أيديولوجية تشبه الفاشية الإسبانية هيمنت على الحزب الجمهوري وحوّلته لحزب استبدادي- جيتي
اعتبرت الصحيفة أن ترامب قاد أيديولوجية تشبه الفاشية الإسبانية هيمنت على الحزب الجمهوري وحوّلته لحزب استبدادي- جيتي

نشرت صحيفة "بوبليكو" الإسبانية مقال رأي لعالم الاجتماع الإسباني فيسينش نافارو تحدث فيه عن مساوئ الديمقراطية الأمريكية والأزمة الحادة التي تمرّ بها مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة.


وقال الكاتب في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إنه بعد الحرب العالمية الثانية ونتيجة لانتصار الحلفاء، قدمت الولايات المتحدة نفسها للعالم على أنها حصن الديمقراطية الليبرالية، وقد استمرت تلك الصورة لفترة طويلة قبل أن تبدأ بفقدان بريقها.


ويؤكد الكاتب أن ما حدث في السنوات الأخيرة أظهر أزمة المصداقية التي تعيشها المؤسسات الأمريكية نتيجة انعدام ثقة المواطنين في النظام السياسي الديمقراطي، ووصل الأمر إلى درجة تهدد استمرار تلك المؤسسات.

 

المجمع الانتخابي وسيطرة المحافظين

 

يرى الكاتب أنه من المهم توضيح نقطة قد يجهلها الكثيرون عن الديمقراطية الأمريكية، وهي أن المرشح الذي يفوز بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة ليس هو الشخص الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات يوم الانتخابات، لكنه ذلك الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات في المجمع الانتخابي، وهي مؤسسة مختلفة عن الكونغرس ومجلس الشيوخ، وتميل في تركيبتها للمحافظين.


وهذا يوضح لماذا خسر الحزب الجمهوري، وهو الحزب المحافظ، على صعيد التصويت الشعبي في الانتخابات الرئاسية التي جرت في العشرين سنة الماضية عدا مرة وحيدة، لكنه فاز بالانتخابات في أكثر من مناسبة بفضل المجمع الانتخابي.


وتشير سيطرة المحافظين على المجمع الانتخابي، إلى أنه في حال فوز المرشح الديمقراطي بايدن في التصويت الشعبي بفارق نقطة أو نقطتين فقط على ترامب، فإن ترامب سيحصل على أصوات المجمع الانتخابي، ويحصل على فترة رئاسية ثانية، ولن يفوز بايدن بالمنصب إلا إذا تفوق على ترامب بأكثر من 6 بالمئة.


لكن هل يمكن تغيير هذا النظام وإلغاء المجمع الانتخابي؟ من الصعب جدا حدوث ذلك حسب رأي الكاتب، لأن التغيير يتطلب تعديلا دستوريا يوافق عليه مجلس الشيوخ، وهو المجلس الذي يُنتخب وفق قوانين ترجح كفة الولايات الصغيرة والريفية والمحافظة، حيث تنتخب كل ولاية أمريكية عضوين في مجلس الشيوخ.


فولاية كاليفورنيا على سبيل المثال، والتي يبلغ عدد سكانها 40 مليون نسمة، لها عضوان في مجلس الشيوخ تماما مثل نيو هامبشاير، وهي ولاية ريفية لا يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة.


ونتيجة لذلك، يسيطر المحافظون على مجلس الشيوخ وفقا للكاتب. وعلى الرغم من حصول الديمقراطيين على أصوات أكثر بكثير من الجمهوريين في انتخابات 2016 و2018، إلا أن الحزب الجمهوري حصل على أغلبية في مجلس الشيوخ، بـ53 من أصل 100 عضو.


بالإضافة إلى ذلك، لدى مجلس الشيوخ لوائح صارمة بخصوص القرارات المهمة جدا مثل تغيير أو إلغاء المجمع الانتخابي، إذ يتطلب الأمر التصويت بأغلبية 60 بالمئة من أعضاء المجلس، وهي نسبة يصعب جدا على الحزب الديمقراطي الوصول إليها. وحتى لو حصل ذلك، ينبغي أن تحظى التعديلات بتأييد ثلثي الولايات. وبالتالي، يؤكد الكاتب أنه من المرجح أن يستمر المجمع الانتخابي في تغيير مسار الإرادة الشعبية لفترة طويلة لصالح القوى التي تريد استمرار الوضع الراهن.


التشكيك في الانتخابات


يلعب مجلس الشيوخ أيضا دورا حاسما في تعيين الأعضاء المحافظين في المحكمة العليا، والتي تفصل في النزاعات الانتخابية بين الحزبين الرئيسيين (الجمهوري والديمقراطي).


وقد فعلت المحكمة ذلك في الماضي، حيث فضلت دائما الحزب الجمهوري كما يقول الكاتب. ومن ثم، تتمثل إحدى استراتيجيات ترامب في حال خسارة الانتخابات في رفع أكبر عدد ممكن من القضايا ضد "المخالفات المزعومة" في العملية الانتخابية إلى المحكمة العليا.


ويُنتظر أن تُرفع هذه الدعاوى من قبل الحزب الجمهوري غالبا في الأحياء التي يقطنها ذوو البشرة السوداء واللاتينيون، وهي الأحياء الأقرب للحزب الديمقراطي، مقابل الأحياء التي يقطنها البيض، وهم الذين يفضلون غالبا الحزب الجمهوري.


وفي السابق، قبلت المحكمة العليا الدعاوى التي رفعها الحزب الجمهوري في ولاية فلوريدا، وانتُخب بوش الابن على حساب المرشح الديمقراطي آل غور رغم حصوله على عدد أقل من الأصوات.


ونظرا لأن نسبة الناخبين الذين سيدلون بأصواتهم عبر البريد قد زادت بشكل كبير، فمن المرجح أن يثير الحزب الجمهوري هذه القضية بشكل ممنهج لعرقلة تصويت الأقليات، والتقليص من عدد الأصوات عبر البريد.


وقد قام ترامب بتخفيض ميزانية الخدمات البريدية للحد من قدرة المواطنين على التصويت عبر البريد، وأكد علنا أنه ضد هذا المبدأ.


حزبان فقط


يرى الكاتب أن هناك العديد من العوامل الأخرى التي تُثبت أوجه القصور في العملية الديمقراطية الأمريكية.


أحدها أن النظام الانتخابي يفتقر إلى التناسب ويعيد باستمرار إنتاج نظام استقطاب ثنائي، يمنع إمكانية ظهور بدائل سياسية أخرى عن الحزبين الرئيسيين.


في الواقع، عندما تظهر أحزاب جديدة، فإنها تُلحق غالبا الضرر بالطرف الأضعف من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وقد حدث ذلك عندما تسبب حزب فيرمونت التقدمي في هزيمة المرشح الديمقراطي آل غور في انتخابات 2000.


ويؤكد الكاتب أنه لا توجد أحزاب يسارية في الولايات المتحدة تملك قاعدة انتخابية واسعة، لأن النظام الانتخابي لا يسمح بذلك. وبالمحصلة، يسيطر على المشهد حزبان فقط، وكلاهما من اليمين.


ويضيف أن هناك رفضا متزايدا للمؤسسات المحافظة والليبرالية في البلاد، وتناميا للفكر النقدي. ووفقا لمؤسسة مركز بيو للأبحاث، فإن 46 بالمئة من النساء، و65 بالمئة من ذوي البشرة السوداء، و52 بالمئة من ذوي الأصول الإسبانية، و50 بالمئة من الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة، و47 بالمئة ممن تتراوح أعمارهم بين 30 و49 سنة، و50 بالمئة من العائلات التي يقل دخلها عن 30 ألف دولار سنويا، يميلون للاشتراكية أكثر من الرأسمالية.


من يدفع أكثر؟


هناك قيد آخر على النظام الديمقراطي كما يقول الكاتب، ويتمثل في خصخصة النظام الانتخابي، إذ تأتي معظم الأموال التي ينفقها المرشحون للوصول إلى المناصب السياسية من مصادر خاصة، ويتم إنفاقها في الغالب على شراء مساحات في الإعلام والتلفزيون، فتصبح العملية مفتوحة لمن يدفع أكثر.


ولا توجد في الواقع أي قيود أو لوائح فيما يتعلق بالحيز الإعلامي الذي يمكن للمرشح شراؤه في مختلف وسائل الإعلام. ودون أدنى شك، فإن هذه الأموال تساهم بشكل كبير في ظهور مرشح أكثر من غيره.


لكن حجم التمويل لا يعني دائما الفوز بالانتخابات، إذ أن ترامب حصل على تمويل أقل من المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في 2016 لكنه فاز بالرئاسة، وفي الانتخابات الحالية حصل أيضا على تمويل أقل من بايدن.


إلا أن التمويل الخاص يلعب دورا رئيسيا في اختيار المرشحين في بداية الحملات وفقا للكاتب، وذلك عندما لا يكون المرشحون معروفين جيدا للجماهير.


وفي وقت لاحق خلال الحملة، يمكن أن تأتي الأموال ببساطة من أشخاص متعاطفين. وهنا من المثير للاهتمام، أن الأموال التي يتلقاها بايدن تأتي من أشخاص ينتمون إلى فئات ذات دخل أعلى من المتوسط، في حين أن تلك التي يتلقاها ترامب تأتي من ذوي الدخل أقل من المتوسط.

 

دقة الاستطلاعات

 

أشار الكاتب إلى أن استطلاعات الرأي لا تكون دائما دقيقة لأن الرأي شيء والتصويت شيء آخر. ومن أكثر العوامل وضوحا ما يتعلق بانتخابات الكونغرس ومجلس الشيوخ، حيث تزيد نسب الامتناع عن التصويت، خاصة بين الطبقة العاملة (التي تشكل غالبية الطبقات الشعبية).


في الانتخابات السابقة، تمكن ترامب الذي قدم نفسه كمرشح مناهض لمؤسسات الحكم التقليدية من حشد أصوات المناهضين لتلك المؤسسات، وهو الأمر الذي لم ترصده استطلاعات الرأي، والتي كانت ترشح كلينتون للفوز بالانتخابات، كما هو الحال الآن مع بايدن.


ومع ذلك، سيعتمد فوز أحدهما على تعبئة الجماهير حسب رأي الكاتب، ولا ينبغي في هذا الإطار استبعاد قدرة ترامب على الحفاظ على قاعدته الانتخابية التي حشدها بقوة في 2016، ولا تزال تتمتع بقدر كبير من الحماس.


لكن من المحتمل أيضا أنه قد خيب أمل جزء كبير من الطبقة العاملة التي دعمته سابقا، بسبب إدارته السيئة لأزمة كورونا وسياساته المعادية للاحتجاجات.


وفي الختام، اعتبر الكاتب أن ترامب قاد أيديولوجية تشبه الفاشية الإسبانية، هيمنت على الحزب الجمهوري، وحوّلته إلى حزب استبدادي معاد للديمقراطية، على غرار الأحزاب الحاكمة في بولندا والمجر، وهو الرأي الذي ذهب إليه معهد الدراسات الديمقراطية بجامعة غوتنبرغ السويدية. أما الحزب الديمقراطي، فلا يزال يخضع لسيطرة الليبراليين، ويمثله بايدن بشكل نموذجي.

 

اقرأ أيضا: انتخابات أمريكا.. انقسامات داخلية واستمرار لـ"الترامبية"

 

التعليقات (0)