كتاب عربي 21

كيف تنظر تركيا إلى احتمال فوز بايدن في الانتخابات الأمريكية؟

علي باكير
1300x600
1300x600

ليس من المبالغة القول إنّ الانتخابات الرئاسية الأمريكية ليست شأناً داخلياً صرفاً، ولعل هذا ما يُفسّر المتابعة الحثيثة لمجرياتها في عدد كبير من البلدان حول العالم. لماذا؟ لأنّ نتائج الانتخابات الأمريكية من شأنها أن تُحدّد السياسات التي ستتّبع في التعامل مع الدول الأخرى والتي غالبا ما يكون لها إنعكاسات جدّية داخل الدول المستهدفة نفسها فضلاً عن العلاقة بينها وبين الولايات المتّحدة الأمريكية. ولذلك، فليس من المستغرب أن تحاول بعض الدول التأثير على نتائج هذه الانتخابات، أو على الأقل هذا ما يدّعيه الجانب الأمريكي. 

دور وموقف الولايات المتّحدة من سلسلة من الملفات الملتهبة حول العالم مهم كذلك لجميع الدول، الأصدقاء والحلفاء والأعداء، على حدّ سواء. يشتعل التنافس بين المرشّحين لمنصب الرئاسة في أمريكا، بين الديمقراطي جو بايدن والجمهوري دونالد ترامب، في وقت تشير فيه بعض استطلاعات الرأي إلى أنّ ترامب نجح في تقليص الفجوة بينه وبين بايدن بعد المناظرة الأخيرة التي أجريت بينهما. ويعتقد الأمريكيون أنّ الانتخابات القادمة المقرر إجراؤها في ٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ستكون على الأرجح واحدة من أكثر الانتخابات فساداً على الإطلاق في تاريخ الولايات المتّحدة، وذلك وفقاً لما أظهره استطلاع أجري مؤخراً ونشرت نتائجه يوجوف.

 

تركيا من الدول التي تراقب هذه الانتخابات الأمريكية عن كثب. شهدت العلاقات الثنائية خلال العقد الماضي توتراً لم يسبق له مثيل، وبالرغم من محاولة الرئيس ترامب ونظيره أردوغان التخفيف من حدّة التوتر بين البلدين حول سلسلة من القضايا الإشكالية، إلاّ أنّهما لم ينجحا في إنهاء الخلافات بين بلديهما بشكل تام. تفادى الرئيس التركي بعض الضغوط التي حاولت بعض المؤسسات الأمريكية فرضها على أنقرة من خلال علاقاته الشخصية مع ترامب، لكن ذلك لم يكن كفيلاً بإنهاء القضايا العالقة سواءٌ تعلّق ذلك بالوضع شمال سوريا، أو في موقف أمريكا شرق البحر المتوسط، أو في ملف المقاتلة المتعددة المهام (أف ـ ٣٥) ونظام الدفاع الصاروخي الروسي (أس ـ٤٠٠) أو غيرها من الملفات. 

من هذا المنطلق، عندما ينظر الأتراك إلى هذه الانتخابات الأمريكية، فهم يرون أنّ خيارهم هو بين السيّئ والأسوأ. بايدن لم يتح للأتراك فرصة الشك حتى بنواياه أو طبيعة سياساته القادمة، إذ افتتح حملته الانتخابية قبل مدّة بتصريحات عدائية وغير مألوفة ضد تركيا والحكومة التركية مشيرا إلى أنّه سيدعم المعارضة التركية للإطاحة بالرئيس التركي من الحكم. "أعتقد أنّ ما يجب علينا فعله هو اتباع منهجية مختلفة جدا معه (أردوغان) الآن، وأن نجعل الأمر واضحاً وهو أننا ندعم قيادة المعارضة.... على واشنطن أن تشجع قادة المعارضة التركية ليكونوا قادرين على التغلب على أردوغان والإطاحة به. ليس من خلال انقلاب بل من خلال العملية الانتخابية".

 

بايدن دافع عن تقسيم العراق، وإنشاء كيان كردي، وعارض انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا، ويدعم مشروع القانون الأرمني ضد تركيا باستمرار، كما أنّه عبّر مؤخراً عن معارضته لسياسة تركيا شرق البحر المتوسط وفي ليبيا وأيضاً فيما يتعلق باقتناء أنقرة لنظام الدفاع الصاروخي (أس ـ٤٠٠).

 



جميع الاتراك بمختلف انتماءاتهم السياسية والحزبية أدانوا هذا التصريح واعتبروه تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي التركي. المفارقة أنّ المعارضة ربما تكون قد تأذّت من أجندة بايدن العلنية هذه أكثر من الحكومة نفسها لأنّها تعطي الانطباع بأنّهم مجرّد دمية يتم استخدامها لتقويض الحكم في البلاد. علاوةً على ذلك، فقد أكّدت تصريحات بايدن الانطباع السائد لدى الأتراك عن تورّط الولايات المتّحدة في المحاولة الانقلابية العسكرية التي جرت في العام ٢٠١٦.  

بالنسبة إلى الأتراك، فإنّ تاريخ بايدن وموقعه السابق كنائب لأوباما يشير إلى أنّ سياساته ستكون عدائية عندما يتعلق الأمر بتركيا او مصالحها. أحندة بايدن وأولوياته تتناقض بشكل تام مع أنقرة خاصة إذا كان سيتّبع نفس المسار السياسي الذي سلكه أوباما سابقاً. بايدن دافع عن تقسيم العراق، وإنشاء كيان كردي، وعارض انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا، ويدعم مشروع القانون الأرمني ضد تركيا باستمرار، كما أنّه عبّر مؤخراً عن معارضته لسياسة تركيا شرق البحر المتوسط وفي ليبيا وأيضاً في ما يتعلق باقتناء أنقرة لنظام الدفاع الصاروخي (أس ـ٤٠٠).

هناك من يجادل بأنّ تصريحات بايدن قد لا تعكس بالضرورة السياسة التي سيتّبعها إزاء تركيا في نهاية المطاف وأنّ في الأمر سعة. ربما يكون هذا التخمين صحيحاً، لكن إذا ما أضفنا إلى البيت الأبيض الكونغرس المعروف بعدائه التام لأنقرة نظراً لخضوعه للوبيات متعددة إسرائيلية ويونانية أرمنية وعربية (إماراتية) بالإضافة إلى المؤسسات المختلفة كوزارة الدفاع على سبيل المثال، فإننا سنصل إلى استنتاج مفاده أنّ مثل هذا الاحتمال إن وُجد فقد يكون ضعيفاً. 

على أيّة حال، فإنّ العلاقة بين الطرفين لا يحدّدها طرف واحد، وسياسة أمريكية أكثر عدوانية تجاه تركيا قد تفرض على الأخيرة التصعيد أو ربما تساهم في تقريب تركيا من روسيا بشكل أكبر وأسرع وهو أمر لن يصبّ في حال حصوله في صالح الولايات المتّحدة التي أصبحت تفتقد إلى الحلفاء الموثوقين في المنطقة.  

التعليقات (0)