*كاتب فلسطيني
لا نحتاج أن نؤكد على فظاعة الجريمة التي ارتكبها قاتل الأستاذ الفرنسي، ووسمها بأبشع وأقسى عبارات التنديد، ما فعله الأستاذ أساء للنبي، لكن ما فعله الطالب أساء للنبي والإسلام والإنسانية جمعاء، جريمة بشعة بامتياز.
الدعوة للإسلام والدفاع عنه تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، والرد على الكلمة يكون بالكلمة والفكرة بالفكرة، أما هدر الدماء فهو لغة ضعيفي الحجة والبرهان، وفي مسألة كالدفاع عن الرسول الكريم، فإن الحجة والبرهان تصب بالضرورة في صف من يدافعون عنه صلى الله عليه وسلم.
غسلنا أيدينا مبكرا من الحكام، فللأسف بات حتى حب الرسول الكريم والدفاع عنه محل انقسام، ومناكفات سياسية، فإذا قال أردوغان كلمة دفاعا عن الرسول الكريم، يبدو أن خصومه مستعدين للهجوم على الرسول الكريم ودعم من يسيئون له فقط نكاية به... مالكم كيف تحكمون؟. هؤلاء الحكام لا يعول عليهم، وتقديري أن الفعل الحقيقي يكون من الشعوب الحية من المحيط إلى الخليج، فإذا اعتقد
ماكرون وغيره من العنصريين أن الهجوم على النبي الكريم لا ديّه له، ولا ظهر يدافع عن الإسلام والمسلمين فإن هناك سلاحا سحريا تملكه الشعوب العربية ولا سلطان للسلاطين العرب عليه، وهو سلاح
المقاطعة، فمن يعتدي على مقدساتنا ولا يقيم وزنا للمسلمين فإن بضائعه غير مرحب بها.
أود استعراض تجربة كنت جزءا منها ابان الدراسة الجامعية قبل عشرين عاما ونيف، فخلال انتفاضة الأقصى عام 2000 قدنا رفقة زملاء وزميلات حراكا طلابيا في إحدى الجامعات الأردنية لمقاطعة البضائع الأمريكية، ومقاطعة أي دولة أخرى تؤيد الاحتلال ، وخلال تلك الحملة بدأت المطاعم والشركات والماركات الأمريكية تصدر بيانات توضيح لمواقفها وأنها تدعم الفلسطينيين وترفض ما يجرى بحقهم،وبدأت تعلن عن حملات تبرع لجرحى الانتفاضة، وتحولت تلك المحلات لكهوف مهجورة،واستبدلنا تلك البضائع ببدائل محلية وسورية في ذلك الوقت، وكانت حملة ناجحة بكل المقاييس ووجهت رسائل بالغة الوضوح بأن الطلاب وهم قلب الحراك الشعبي، والمجتمعات والشعوب العربية لن تقف صامتة.
إنني في هذا المقال استنهض الحراكات الطلابية في كل العواصم العربية، للعودة مرة أخرى لتصدر المشهد، فإن فرقت السياسة الأحزاب والقوى، فإن الانتصار للرسول الكريم يوحدهم، وهي فرصة للانتصار في هذه المعركة، ومنها إعادة إحياء العمل الطلابي الجامعي ليتصدى لهذه الحملة، وكذلك يتصدى للتطبيع والتصهين والعربدة الإسرائيلية التي تحتاج هي الأخرى حراكا طلابيا صلبا يوحد هو الآخر حراكهم، فإذا لم يوحد حب الرسول الكريم وفلسطين الأمة ومناضليها، فما هو الأمر الذي يمكن أن يتوحدوا عليه؟؟
لا يجب الاستماع للأصوات المستهزئة والمقللة من أثر المقاطعة، ذات تلك الأصوات سمعناها عندما كنا طلابا قبل ٢٠ عاما ونيف، وهي ذاتها التي يصرخ أصحابها المهزومون داخليا مطالبين بعدم المقاطعة.
الجزء الثاني من المناصرين لعدم المقاطعة هم خصوم تركيا، والذين لا يمكن فهم إيمانهم بالمقاطعة للبضائع التركية التي يدعون لها صباح مساء، وكفرهم بمقاطعة البضائع الفرنسية؟ السؤال ما هو موقفكم من فكرة المقاطعة وجدواها؟ لماذا هي حلال عندما يتعلق الأمر بأردوغان وحرام حرام تودي للدرك الأسفل من النار عندما يتعلق الأمر بماكرون؟
لا منطلق لدى هؤلاء، فهم ذاتهم الذين يطبعون مع الاحتلال ويوقعون مع الصهاينة اتفاقات تجارية، ويقاطعون إخوانهم في قطر، كما يقاطعون ويحرضون على إخوانهم المسلمين في تركيا!! هم ذاتهم الذين يقولون أن المسجد الأقصى ليس مسجدا بل كنيسا، وأن الرسول لم يُسرى به إلى هناك إرضاء لنتنياهو، هم ذاتهم الذين يحرضون على الفلسطينيين ويعانقون ويحضنون الإسرائيليين، هم ذاتهم الذين يدعون للتسامح والتصالح وإنهاء الحروب، وفي ذات الوقت يشنون ويدعمون حروبا على اليمنيين والفلسطينيين والليبيين قبل أن يقاطعوا إخوانهم القطريين، وكل من قال لا إله إلا الله، فيبدو أنهم يقولون : لا إله إلا ترمب وبنيامين!!!
لا تستمعوا لكل هؤلاء، فالمقاطعة سلاح حتى يرتدع ماكرون، ويعتذر، ويعرف أن شعوب المنطقة ليست كحكامها.